سياق الأزمة وأثرها

استنادًا إلى خطة الاستجابة الإنسانية 2023

تشكل الأرض الفلسطينية المحتلة أزمة سياسية طال أمدها، حيث تنطوي على وجود الاحتلال العسكري الإسرائيلي الذي امتد على 55 عامًا، والانقسام الداخلي الفلسطيني، وغياب الالتزام بالقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان وتكرار حالات تصعيد الأعمال القتالية بين إسرائيل والجماعات المسلحة الفلسطينية. وتتمثل النتائج المترتبة على هذا الحال في الشواغل المزمنة المتعلقة بالحماية والاحتياجات الإنسانية التي لا تخف حدتها في ظل غياب حل سياسي مستدام وفرص مواتية لتعزيز التنمية.

وفي الوقت نفسه، شهدت الأرض الفلسطينية المحتلة قدرًا متسارعًا من النمو السكاني والحضري، وهو اتجاه سوف يتواصل في المستقبل المنظور. ويفرز غياب الفرص التي تؤمّن سبل العيش والعقبات التي تحول دون الوصول إليها دورة من الاعتماد على المساعدات واللجوء إلى إستراتيجيات التأقلم السلبية من أجل الوفاء بالاحتياجات الأساسية. فما يرد من مستويات مرتفعة من الديون واستخدام المدخرات لتلبية الاحتياجات الأساسية يزيد من تفاقم حالة انعدام الاستقرار المالي في أوساط الأسر وقد يقوض قدرتها على الصمود أو التعافي من الصدمات التي قد تعصف بها في المستقبل.

في قطاع غزة، يسهم الاحتلال الإسرائيلي وسنوات من القيود المفروضة على التنقل، بما فيها الحصار الذي تفرضه إسرائيل عليه، وتكرار حالات تصعيد الأعمال القتالية بين القوات الإسرائيلية والجماعات المسلحة الفلسطينية في استفحال الظروف المعيشية المزرية. ففي حزيران/يونيو 2007، وفي أعقاب الانتخابات التشريعية التي عُقدت في العام 2006 وبعدما استولت حركة حماس على مقاليد السلطة في غزة، فرضت السلطات الإسرائيلية حصارًا على القطاع بحجة المخاوف الأمنية وعزلت الفلسطينيين، الذين يبلغ تعدادهم 2.2 مليون نسمة حتى العام 2023، فيه عن بقية الأرض الفلسطينية المحتلة عزلة تكاد تكون كاملة وعن العالم بعمومه. وقد زاد الحصار البري والبحري والجوي على غزة من حدة القيود التي كانت مفروضة من قبل، وفرض قيودًا صارمة على عدد الأفراد وكميات البضائع وفئاتهم المحددة التي يُسمح بمرورها من المعابر التي تسيطر إسرائيل عليها. كما تتسبب القيود التي تفرضها السلطات المصرية على حركة الأفراد والبضائع ووصولها على معبر رفح بين غزة ومصر في تفاقم هذه الأوضاع. وقد أفضت سرعة نمو السكان، وما يقترن بها من التحديات التي تواجه مكتسبات التنمية والموارد المحدودة، إلى قدر أكبر من تراجع مستويات المعيشة وآفاق التنمية في غزة.

وفي الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، لا يزال الاحتلال العسكري الإسرائيلي يعطل حقوق الإنسان الأساسية الواجبة للفلسطينيين. فبموجب اتفاقيات أوسلو، قُسِّم الشطر الأكبر من الضفة الغربية إلى القدس الشرقية والمناطق (أ) و(ب) و(ج)، حيث تخضع كل منطقة منها لأنظمة إدارية وأمنية تختلف عن الأخرى. وفي العام 2002، شرعت السلطات الإسرائيلية في بناء الجدار، الذي يصل طوله إلى 712 كيلومترًا، بهدف معلن يتمثل في منع الهجمات العنيفة التي يشنها الفلسطينيون من الضفة الغربية داخل إسرائيل. وفي العام 2004، قضت محكمة العدل الدولية إسرائيل بأن مسار الجدار الذي يتغلغل داخل الضفة الغربية غير قانوني. وبات الجدار اليوم عنصرًا أساسيًا من طائفة من القيود التي تفرضها السلطات الإسرائيلية على تنقل الفلسطينيين. وتنفَّذ هذه القيود من خلال العقبات المادية وشروط استصدار التصاريح وتصنيف المناطق باعتبارها «مقيد الوصول إليها» أو «مغلقة» لاستخدامها كمناطق لإطلاق النار أو كمناطق عسكرية. وقد عمل الجدار على تغيير الجغرافيا والاقتصاد والحياة الاجتماعية في أوساط الفلسطينيين الذين يعيشون في الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية. وتعزل التجزئة الجغرافية والإدارية في الضفة الغربية الأسر والتجمعات السكانية عن بعضها بعضًا وعن الخدمات التي تحتاج إليها، مما يؤثر تأثيرًا مباشرًا على رفاه الفلسطينيين البدني والنفسي في آن.

وبوجه أعم، فإن النزاع المتواصل، والأعمال القتالية التي تخوضها القوات الإسرائيلية وحركتا حماس والجهاد الإسلامي في فلسطين وغيرهما من الجماعات المسلحة، حيث تثور المخاوف إزاء استخدام القوة دون تمييز أو على نحو غير متناسب أو دون وجه قانوني، إلى جانب سلسلة من الممارسات المتصلة بالاحتلال، بما فيها احتمال الاستخدام المفرط للقوة وعمليات الهدم والإخلاء وتوسيع المستوطنات والعنف المرتبط بالمستوطنين – هذه كلها تزعزع الأمن، وتعكس مسار التقدم على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي وتحول دونه، وتولد مناخًا من انعدام الثقة والتوتر بين الفلسطينيين والإسرائيليين وتقوض الحلول السياسة.

وفضلًا عن ذلك، لم يجد الانقسام الداخلي الفلسطيني الذي بدأ في العام 2007 بين حماس (في غزة) والسلطة الفلسطينية التي تقودها حركة فتح (في بقاع من الضفة الغربية)، حلًا له بعد، حيث يرسخ الانفصال الجغرافي بين المنطقتين ويحد من قدرة المؤسسات المحلية في غزة على تقديم الخدمات الأساسية. كما تتعمق الانقسامات السياسية والإحساس بالحرمان في الضفة الغربية بالنظر إلى غياب الانتخابات منذ العام 2006، وحل المجلس التشريعي الفلسطيني في العام 2018 والمراسيم الرئاسية.