قلق من التدهور المتزايد في الأمن الغذائي وجودة الخدمات في قطاع غزة

المحركات الرئيسية تشمل عدم دفع الرواتب وأزمة الطاقة

الوضع الإنساني الهش الذي ساد قطاع غزة في أعقاب الأعمال القتالية في صيف 2014 والحصار الذي طال أمده تدهور بشكل أكبر خلال الشهر. وكان المحرك الرئيسي لهذا التدهور المستمر هو عدم دفع الرواتب لموظفي القطاع العام، والذي يؤثر حاليا على أولئك الذين هم على جدول الرواتب التي تدفعها السلطة الفلسطينية أيضا. وتعمل أزمة الرواتب على تقويض الصمود والأمن الغذائي للسكان، وجودة الخدمات الأساسية المقدمة لهم. وأدى انعدام وجود ميزانية معتمدة تسمح باستمرار العمليات المنتظمة التي تقدمها مكاتب الوزارة في غزة إلى إعاقة إيصال الخدمات الأساسية، إلى جانب أزمة الطاقة طويلة الأمد.

أزمة الرواتب لا تجد طريقها للحل

لم يتلق 40,000 على الأقل من موظفي الخدمة المدنية وأفراد الأمن الذين عينتهم سلطات الأمر الواقع (سلطات حماس) رواتب كاملة منذ تشرين الثاني/نوفمبر عام 2013، أو أي راتب منذ شهر نيسان/أبريل عام 2014، باستثناء دفعة إنسانية لمرة واحدة بلغت 1,200 دولار (باستثناء أفراد قوات الأمن). ويتوقف دفع هذه الرواتب على اتفاق بشأن دمج هؤلاء الموظفين في قوة العمل في الخدمة المدنية التي تأسست في ظل حكومة التوافق الوطني. ويبدو أن عدم إحراز تقدم بشأن هذه القضية يعرقل حل القضايا الأخرى المتعلقة بحكومة التوافق الوطني، مثل إدارة الجانب الفلسطيني من معابر غزة.

وتلقى 70,000 آخرين من موظفي الخدمة المدنية ممن هم على جدول الرواتب في السلطة الفلسطينية، ولكن معظمهم لم يكن يعمل منذ سيطرة حماس في عام 2007، 60 بالمائة فقط من رواتبهم لشهر كانون الأول/ديسمبر 2014، في حين أن دفعة رواتب كانون الثاني/يناير 2015 غير واضحة حاليا. وقد نشأ هذا الوضع من خلال قرار إسرائيل وقف نقل 127 مليون دولار أمريكي من عائدات الضرائب التي تم جمعها في كانون الأول/ديسمبر 2014 نيابة عن السلطة الفلسطينية كإجراء عقابي ردا على انضمام فلسطين إلى المحكمة الجنائية الدولية في كانون الثاني/يناير عام 2015. وقد تم تمديد هذا القرار مؤخرا لتحويلات شهر كانون الثاني/يناير.

كان التباين في السياسة اتجاه المجموعتين من موظفي الخدمة المدنية خلال العام الماضي مصدرا مستمرا للتوتر الداخلي في غزة. ففي أحد الحوادث في كانون الثاني/يناير عام 2015، أغلق المئات من موظفي الخدمة المدنية مدخل مقر حكومة التوافق الوطني خلال زيارة وزراء من الضفة الغربية إلى غزة، وطالبوا بصرف رواتبهم.

أزمة الطاقة

رغم الزيادة الطفيفة في كمية الوقود التي تم تسليمها لمحطة توليد الكهرباء في غزة في كانون الثاني/يناير 2015، والتشغيل المؤقت لمحرك ثالث، لا تزال المحطة تعمل بنصف طاقتها التشغيلية بسبب نقص الوقود. ويؤثر هذا على تقديم الخدمات الأساسية. وتشمل العوامل الرئيسية لنقص الوقود الفجوات الكبرى في التمويل، وعدم وجود اتفاق طويل الأجل لإعفاء  وزارة المالية الفلسطينية في رام الله الوقود من الضرائب، وعدم كفاية سعة التخزين بعد ضرب خزانات الوقود في غارة جوية إسرائيلية في 29 تموز/يوليو 2014. وتحتاج محطة توليد الكهرباء لما يصل إلى 500,000 لتر من الوقود يوميا دون انقطاع لتعمل بكامل طاقتها وتنتج 120 ميغاواط.

تحصل غزة حاليا على نحو 210 ميجاواط، أو أقل من نصف الطلب المقدر (حوالي 450 ميجاواط)، بما في ذلك 60 ميجاواط من محطة توليد كهرباء غزة، و 120 ميجاواط من إسرائيل و 30 ميجاواط من مصر. واستمر الضغط على الخدمات العامة في الارتفاع، حيث تواجه العديد من المنشآت الحيوية انقطاع التيار الكهربائي لمدة تصل إلى 18 ساعة في اليوم الواحد، بينما تفتقر إلى الوقود اللازم لتشغيل المولدات الاحتياطية. وتم تأمين شراء الوقود لعدد محدود من المنشئات الصحية الأساسية، ومنشئات المياه والصرف الصحي البلدية من المانحين الدوليين يمولون شراء 600,000 لترا في الشهر، أو ما يقرب من 60 بالمائة من الاحتياجات المقدرة.

الصحة

عانى قطاع الصحة بسبب إضرابات العاملين الناجمة عن عدم دفع الرواتب منذ أيار/مايو 2014. وكذلك تقلص حضور الموظفين وذكر أن التغيب عن العمل بلغ حوالي 50 بالمائة، ويعزى ذلك جزئيا إلى عدم قدرة العاملين في مجال الصحة على تحمل تكاليف المواصلات. وتشير التقديرات إلى أنه ما لم يتم التوصل إلى حل في المستقبل القريب، فإن جميع العاملين في المجال الطبي الذين عينتهم سلطات الأمر الواقع، والذين يمثلون نحو 46 بالمائة من القوة العاملة، سيضربون عن العمل وسيحدث خلل كبير في الخدمات الصحية.

في كانون الأول/ديسمبر عام 2014، بدأ ما يقرب من 750 عاملا في التنظيف تعاقدت معهم وزارة الصحة  في غزة إضرابا لمدة 16 يوما احتجاجا على عدم دفع رواتبهم منذ ستة أشهر. وأدى ذلك إلى توقف جميع خدمات التنظيف في 13 مستشفى و 56 مركز للرعاية الصحية الأولية، مما اضطر وزارة الصحة إلى تعليق مجموعة من الخدمات الطبية، بما في ذلك جميع الخدمات المقدمة في العيادات الخارجية في المستشفيات، وخدمات التوليد والخدمات المتعلقة بأمراض النساء، والعمليات الجراحية غير العاجلة. وتضاعفت مخاطر التلوث وانتشار الأمراض في المرافق الطبية بشكل كبير. وبقيت هذه المسألة دون حل، ويواصل عمال النظافة التهديد بالإضراب.

وتعتبر هذه ضربة إضافية لنظام الرعاية الصحية في غزة، الذي يصارع في الأصل مشاكل الطاقة المزمنة ونقص المعدات والإمدادات الطبية. وقد أدى انعدام وجود إمدادات الكهرباء الموثوق بها إلى توقف بعض الخدمات الصحية، بما في ذلك وقف جميع العمليات الجراحية الاختيارية غير العاجلة، وكذلك النقل بواسطة سيارات الإسعاف، والتعقيم، ومرافق الطعام وخدمات الغسيل.

 

*المعلومات الواردة في هذا القسم قدمتها منظمة الصحة العالمية ووزارة الصحة

المياه والصرف الصحي

في هذا الوضع الاقتصادي المتردي، أدى عدم دفع الرواتب وتحويل الموارد الضئيلة التي تمتلكها الأسر لإصلاح المنازل وإعادة الإعمار، إلى تراجع في مدفوعات مرافق المياه من 48 بالمائة قبل الأعمال القتالية مباشرة في تموز/يوليو وآب/أغسطس، إلى 30 بالمائة في كانون الثاني/يناير 2015. واضطر مزودو المياه لتقليص عملياتهم وصيانة الشبكة بسبب نقص الأموال اللازمة لشراء الوقود اللازم للمولدات الاحتياطية. وفي الوقت الراهن، تعمل 40 بالمائة فقط من منشآت المياه والصرف الصحي، ويعتمد بعضها بشكل رئيسي على الوقود المقدم عن طريق مساعدات الوقود الطارئة. ونتيجة لذلك لم يتلق ما يقرب من 270,000 شخصا أية إمدادات من المياه على الإطلاق، ويعتمدون على صهاريج المياه. ومنذ الأعمال القتالية في تموز/يوليو وآب/أغسطس انخفض متوسط ​​إمدادات المياه اليومي من 80 إلى 45-50 لترا للفرد في اليوم في أنحاء قطاع غزة، أي أقل من نصف الكمية الموصى بها عالميا. وبالنسبة للخدمات البلدية، أدى نقص الوقود وانعدام المعدات إلى تقليص وتيرة جمع النفايات الصلبة مما يصل إلى أربع مرات لمرتين أو ثلاث مرات في الأسبوع منذ تموز/يوليو 2014.

 

*المعلومات الواردة في هذا القسم قدمتها مجموعة المياه والصرف الصحي والنظافة ومقدمي الخدمات

الدفاع المدني الفلسطيني

ونظرا لنقص الموارد، بما في ذلك الوقود والرواتب، قلص الدفاع المدني الفلسطيني في غزة طاقته التشغيلية. بلغ حضور القوة العاملة ما يقرب من 40 بالمائة، وتقلصت حركة المركبات إلى 30 بالمائة. وأشار الدفاع المدني الفلسطيني إلى أن نقص الموارد كان أكثر حدة من عدم دفع الرواتب. وجميع الخدمات التي يوجد لها بدائل للدفاع المدني الفلسطيني في غزة، مثل خدمات الإسعاف، تم تحديديها أو إيقافها وأُعطيت الأولوية للحفاظ على خدمة مكافحة الحرائق، والتي لا يوجد لها بديل. وكذلك أعاق نقص المعدات وعدم وجود فرص للتدريب القدرة على التأهب والاستجابة للطوارئ لدى الدفاع المدني الفلسطيني باعتباره واحدا من أول المستجيبين لحالات الطوارئ في غزة (انظر أيضا القسم الخاص بالعاصفة الشتوية أدناه).

البطالة وانعدام الأمن الغذائي

كشف صندوق النقد الدولي هذا الشهر أن الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في غزة انخفض بنحو 15 بالمائة خلال عام 2014، ويرجع ذلك أساسا إلى الأعمال القتالية في تموز/يوليو وآب/أغسطس، في حين أن الأرض الفلسطينية المحتلة ككل انخفض فيها بنسبة ما يقرب من واحد بالمائة، وهو أول انكماش منذ عام 2006. [1]

أطفال يجمعون الحصى من بناية مدمرة، الشعف في منطقة التفاح، غزة، شباط/فبراير 2015 ,تصوير مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية

بتحفيز من التفعيل المحدود لقطاع البناء في سياق آلية إعادة إعمار غزة (انظر قسم المهجرين داخليا أدناه)، انخفض معدل البطالة المسجل في قطاع غزة في الربع الرابع من عام 2014 مقارنة مع الأرباع السابقة.[2] ولكن، المعدل الحالي البالغ 44,8 بالمائة من القوى العاملة (التعريف الموسع)[3] هو واحد من أعلى المعدلات في العالم، وهو أعلى بأكثر من 13 نقطة مئوية من الرقم المكافئ في منتصف عام 2013. ومنذ ذلك التاريخ، تدهور الوضع الاقتصادي في قطاع غزة بسرعة بعد إغلاق أنفاق التهريب مع مصر، والتي كانت الآلية الرئيسية لتوريد مواد البناء. وأدى ذلك إلى جانب تأثير الحصار الإسرائيلي على اقتصاد غزة، إلى انهيار وشيك لقطاع البناء.

دفعت أزمة الرواتب المستمرة بعض الوكالات الإنسانية العاملة في قطاع الأمن الغذائي للمضي قدما في دورة توزيع المواد الغذائية. وحاليا يتلقى أكثر من مليون شخص في جميع أنحاء قطاع غزة مساعدات غذائية، وخاصة من وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) وبرنامج الأغذية العالمي. ويتم إعادة تقييم المستفيدين بشكل منتظم وتتم دراسة المتقدمين الجدد للحصول على الدعم على أساس منتظم. وفي الأشهر الأخيرة، أصبحت الأسر المتضررة من أزمة الرواتب غير قادرة على تغطية احتياجاتها الأساسية وتم ضمها تدريجيا في حالات المساعدات الغذائية.


[1]  بيان نهاية بعثة صندوق النقد الدولي إلى الضفة الغربية وقطاع غزة. بيان صحفي. كانون الثاني / يناير 2015

[2]  الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، مسح القوى العاملة.

[3]  يشمل التعريف الموسع "العمال المحبطين" الذين يرغبون في العمل، لكنهم لم يسعوا بنشاط لوظيفة خلال أسبوع المسح بسبب نقص الفرص الذي يتصورونه.