نيويورك، 16 تموز/يوليو 2025
[كما تم إلقاؤها]
السيد الرئيس،
أود أن أُذَكِّر هذا المجلس بالسبب الذي يقف وراء الإحاطة التي نقدمها لكم اليوم.
لقد منحتنا الجمعية العامة ولاية إنسانية – بموجب القرار (46/182) – ومجموعة من المبادئ التي طلبتم أنتم بصفتكم الدول الأعضاء منا أن نلتزم بها، وهي الإنسانية والنزاهة والحياد والاستقلال.
وهذا يعني وجوب أن تصل المعونات إلى حيث تشتدّ الحاجة إليها ودونما تمييز. ويعني أن نستجيب لنداء المدنيين المحتاجين، وليس للأطراف المتحاربة.
كما تقتضي ولايتنا أن ندافع عن القانون الدولي الإنساني – ألا نقتصر على رفع التقارير إليكم بشأن ما نشهده فحسب، وإنما لكي يتسنى لكم، هذا المجلس، اتخاذ الإجراءات.
حتى عندما يسعى المسؤولون عن الانتهاكات إلى إسكاتنا.
السيد الرئيس،
لقد تجاوزت الأوضاع في غزة حدود الوصف بالكلمات. لذا دعوني أطلعكم على الوقائع:
المواد الغذائية تنفد. وأولئك الذين يسعون إلى الحصول عليها يتعرضون لخطر إطلاق النار عليهم. والناس يموتون وهم يحاولون إطعام أسرهم. وتستقبل المستشفيات الميدانية الجثث، ويسمع العاملون الطبيون روايات مباشرة من المصابين. يومًا بعد يوم.
وقد بلغت معدلات المجاعة في أوساط الأطفال أعلى مستوياتها في شهر حزيران/يونيو، إذ جرى تشخيص إصابة أكثر من 5,800 فتاة وفتى بسوء التغذية الحاد.
في الأسبوع الماضي، وفي خضمّ هذه الأزمة الغذائية، قُتل أطفال ونساء جراء غارة استهدفتهم وهم ينتظرون الحصول على المكملات الغذائية التي تبقيهم على قيد الحياة.
ولا تزال حركة حماس تحتجز الرهائن، وتلقّينا تقارير عن هجمات التي شنّتها على العاملين في مجال تقديم المعونات.
والنظام الصحي في حالة من الانهيار. فلا يزال 17 من أصل 36 مستشفى و63 مركزًا من بين 170 مركزًا للرعاية الصحية الأولية تزاول عملها، وجميعها لا يعمل إلا بصورة جزئية على الرغم من وصول أعداد كبيرة من الإصابات إليها في كل يوم.
وفي بعض المستشفيات، يتقاسم خمسة أطفال حديثي الولادة حاضنة واحدة. ونفد المخزون مما نسبته 70 في المائة من الأدوية الأساسية.
وأصابت الأضرار نصف المعدات الطبية. والنساء الحوامل يلدن دون تلقي الرعاية الطبية. والنساء والفتيات يتعاملن مع الدورة الشهرية دون توفر مستلزمات النظافة الأساسية.
وأنظمة المياه والصرف الصحي معطلة. فنحو أربع من كل خمس منشآت، بما فيها نقاط المياه، تقع الآن في مناطق أُضفيَ عليها طابع عسكري أو ضمن المناطق التي تشملها أوامر النزوح – مما يعني أنه حتى لو كانت هذه المنشآت تعمل، فلا يتيسر لمن يعتمدون عليها أن يصلوا إليها.
السيد الرئيس،
تبقى أزمة الوقود في غزة عند مستوى حرج للغاية.
في الأسبوع الماضي، وافقت السلطات الإسرائيلية على السماح بإدخال شاحنتي وقود إلى غزة يوميًا، على مدى خمسة أيام في الأسبوع، عبر معبر كرم أبو سالم. ولدينا بعض المؤشرات على إمكانية زيادة عدد الموافقات زيادة طفيفة. ونأمل أن تتحقق هذه التوقعات.
وهذه هي المرة الأولى التي يُسمح فيها بإدخال أي كمية من إمدادات الوقود إلى القطاع منذ 130 يومًا. ومع ذلك، لم يُسمح بإدخال البنزين، الذي يُستخدم في تشغيل العديد من سيارات الإسعاف والخدمات الحيوية الأخرى.
ولا تغطي شاحنتان من الوقود سوى جزء ضئيل من الإمدادات اللازمة لتشغيل الخدمات الأساسية المنقذة للحياة.
وحتى عندما يُسمح بإدخال إمدادات الوقود لأغراض إنسانية، فإن قدرتنا على تخزينه ونقله إلى الأماكن التي تحتاج إليه ليست مضمونة.
السيد الرئيس،
بالانتقال إلى الضفة الغربية، ما زالت الخسائر في الأرواح وسبل العيش متواصلة، وتُفرض القيود على التنقل وحالات التهجير في ازدياد.
فخلال نهاية هذا الأسبوع، قُتل شابان فلسطينيان في هجوم شنّه مستوطنون على مقربة من رام الله، حيث ضُرب أحدهما حتى الموت، على حين أُطلقت النار على الآخر وقُتل. كما أُصيب العشرات بجروح، ومُنعت سيارات الإسعاف من الوصول إلى هؤلاء المصابين.
ويشهد عنف المستوطنين تصاعدًا بوتيرة تبعث على القلق، ويتعرض سكان التجمعات السكانية الفلسطينية للتهجير والإصابات، وتلحق الأضرار بممتلكاتهم.
وقد وثّقت الأمم المتحدة خلال هذه السنة، أربع حوادث في المتوسط من عنف المستوطنين ضد الفلسطينيين وممتلكاتهم.
وفي شهر حزيران/يونيو، أُصيب 100 فلسطيني على يد المستوطنين الإسرائيليين، وهو أعلى عدد يسجَّل على مدى عقدين.
السيد الرئيس،
يجب الوفاء بالاحتياجات الإنسانية المتزايدة في غزة دون أن يوضَع الناس في مرمى النيران.
ويقع على عاتق إسرائيل، بصفتها القوة القائمة بالاحتلال، الالتزام بضمان حصول الناس على الغذاء والإمدادات الطبية.
ولكن ذلك لا يحدث. فعوضًا عن ذلك، يتعرض المدنيون للموت والإصابة والتهجير القسري، وتُسلب كرامتهم.
ولكم أن تستخلصوا الاستنتاجات بأنفسكم. ولكن من المؤكد أننا لسنا في حاجة إلى ندخل في نقاش حول ما إذا كان قتل المدنيين وهم ينتظرون الحصول على أساسيات الحياة يتماشى مع المسؤولية عن الوفاء باحتياجات السكان المدنيين.
ونحن ننتظر نتائج التحقيق الذي تجريه إسرائيل في هذه الحادثة والحوادث التي سبقتها. ويحدوني الأمل في أن تنظروا فيما إذا كانت قواعد الاشتباك الإسرائيلية تتضمن جميع الاحتياطات الممكنة لتفادي إلحاق الأذى بالمدنيين أو الحد منه في جميع الظروف.
وهذا يعني، في هذه الحالة وفي غيرها، التحقق من الأهداف، وتوجيه الإنذارات المسبقة الفعالة واختيار التكتيكات والأسلحة بحذر وإلغاء أي هجوم أو تعليقه إذا كان من شأنه إلحاق ضرر غير متناسب بالمدنيين.
السيد الرئيس،
في كل مرة نرفع فيها التقارير عما نشهده، نواجه التهديدات بالمزيد من القيود التي تُفرض على قدرتنا على الوصول إلى المدنيين الذين نحاول أن نخدمهم.
ونحن نواجه هذا التوتر في كل مكان، ولكن لا يتجلى هذا الصراع بين ولايتنا المتصلة بالمناصرة وتقديم المعونات أكثر مما هو عليه في غزة. فالتأشيرات لا تُجدَّد أو تقلَّص فتراتها في سياق الرد الصريح على عملنا في حماية المدنيين. ولا تُمنح الموافقات الأمنية للموظفين من أجل دخول غزة ومواصلة عملهم.
كما باتت المنظمات الشريكة في مجال العمل الإنساني تُمنع من دخول غزة على نحو متزايد. ففي سنة 2025، رُفض ما نسبته 56 في المائة من طلبات الدخول التي قدمتها الفِرق الطبية في حالات الطوارئ.
وبالطبع، فقد قُتل المئات من العاملين في المجال الإنساني، كما تعلمون. ويواجه من بقي منهم الجوع والخطر والفقدان، مثلما هو حال بقية سائر سكان قطاع غزة.
ولا تزال المآسي الشخصية تتردد صداها في أوساط فِرقنا وأسرهم. فقد قُتل زميل آخر من اللجنة الدولية للصليب الأحمر هذا الصباح.
وإنني أُشيد بهؤلاء جميعًا، وبشجاعة فرق اليونيسف وغيرها من الوكالات التي تواصل عملها داخل غزة.
ولا يملك الآلاف من الأشخاص، بمن فيهم العديد من زملائنا المصابين، القدرة على مغادرة القطاع من أجل تلقي العلاج.
السيد الرئيس،
اسمحوا لي أن أُطلعكم بإيجاز على ما يتطلبه إيصال المعونات التي تقدمونها – المعونات التي تموّلونها – إلى غزة.
حتى أمر في بساطة كيس من الدقيق:
قبل أن يصل إلى المعبر الذي يؤدي إلى غزة، يجب أن يجتاز مستويات عدة من الموافقات، بما فيها الجمارك، التي تضطلع وزارات متعددة بها.
ويخضع هذا الكيس، بعد الموافقة عليه، للفحص بالأشعة، ويُحمّل على شاحنات إسرائيلية وغالبًا ما يُعاد تفتيشه في معبر كرم أبو سالم.
ويُنقل من هناك إما في الشاحنات الفلسطينية التي حصلت على الموافقة المسبقة على طريق السياج الحدودي، وإما إلى ما يسمى «الشاحنات المعقمة» التي تفرَّغ حمولتها على الجانب الفلسطيني من المعبر، ثم يُحمّل مجددًا في شاحنات بأحجام مختلفة من غزة.
ولهذا السبب، فإن عد الشاحنات يُعَدّ مضللًا في حالات كثيرة – إذ لا تكون النسبة دائمًا شاحنة مقابل شاحنة.
وبعد دخول غزة، يتطلب النقل اجتياز سلسلة من العقبات التي تشمل التنسيق مع القوات الإسرائيلية والمرور عبر مناطق تشهد اشتباكات نشطة والسير على الطرق المتضررة والاضطرار إلى الانتظار في نقاط الاحتجاز أو المرور عبر مناطق تسيطر عليها العصابات الإجرامية في أحيان كثيرة. والتوزيع غير مؤكد، إذ غالبًا ما يحاول الجوعى سحب الدقيق من مؤخرة شاحناتنا.
وبالنظر إلى وجود هذه العقبات، قد لا تصل مساهمتكم السخية إلى نقاط التوزيع التي نديرها. وحتى إذا وصلت إليها، فإن تسليمها لمن هم في حاجة إليها على نطاق واسع يبقى أمرًا يلفه الغموض إلى حد بعيد.
وكما قلت سابقًا، ينبغي ألا تسير الأمور على هذا النحو.
فلدينا خطة أثبتت فعاليتها. وهي تستدعي إدخال المعونات التي يمكن توقعها، بأنواع مختلفة وعلى نطاق واسع عبر معابر متعددة لا يتعرض الناس فيها لإطلاق النار، وتسلك طرقًا نختارها نحن، دون تأخيرات طويلة، لكي تُسلّم إلى مستودعاتنا ونقاط التوزيع التي نديرها وفقًا لآليات المساعدات التي تعتمدها الأمم المتحدة والمبادئ الإنسانية – المبادئ التي منحتمونا الولاية لحمايتها.
السيد الرئيس،
مع أن هذه الخطة الأشمل شهدت التعثر، وعلى الرغم من القيود الشديدة، يواصل الآلاف من زملائنا على الأرض – في كل يوم وفي ظل المخاطر الجسيمة التي تهدد سلامتهم الشخصية – تقديم المعونات المنقذة للحياة.
ففي الفترة الواقعة بين يومي 19 أيار/مايو، عندما استؤنف إدخال المعونات على نطاق محدود، و14 تموز/يوليو، لم يصل سوى 1,633 شاحنة – أو 62 في المائة من أصل نحو 2,600 شاحنة رُفعت الطلبات بشأنها إلى السلطات الإسرائيلية و74 في المائة من تلك التي صدرت الموافقة على إدخالها – إلى معبري كرم أبو سالم وزيكيم.
وكانت هذه الشاحنات محملة أساسًا بدقيق القمح، إلى جانب كميات محدودة من الطعام للمطابخ والإمدادات التغذوية واللوازم الطبية ومادة الكلور. وبعد مراحل عدة من تفريغ هذه الشحنات وتحميلها على مركبات شتى، تسنّى جمع ما مجموعه 1,600 شاحنة فلسطينية من أجل توزيع حمولاتها داخل غزة.
وفي الأسبوع الماضي وحده، نشرنا 21 فريقًا طبيًا في حالات الطوارئ من أجل تقديم الخدمات المنقذة للحياة والتخفيف من وطأة الضغط على كاهل الأطباء في غزة. كما أدخلنا 238 منصة نقالة محملة بالإمدادات الطبية، بما فيها 10 منصات تبريد احتوت على 1,396 وحدة دم و1,550 جرعة بلازما – تكفي لمدة عشرة أيام.
وقدمنا 800 استشارة طبية للنساء والفتيات في الأسبوع، ومكّنّا 84 مطبخًا من تقديم 260,000 وجبة يوميًا، كما وفرنا 17,000 متر مكعب من مياه الشرب من خلال 1,300 نقطة تجميع. وهذا الدعم المنقذ للحياة يُقدَّم على نحو يصون الكرامة.
ولكن لنكن واضحين، إن هذا لا يُمثّل سوى غيض من فيض مما هو مطلوب، إذا ما قارنّاه بالمتوسط الذي كان يبلغ 630 شاحنة كانت تدخل في كل يوم من أيام وقف إطلاق النار.
لقد أثبت وقف إطلاق النار ما هو ممكن، ويجب أن نعود إلى تلك المستويات دون تأخير.
إن عملنا – الأمم المتحدة وشركاؤها –ليس كاملًا في أي حال من الأحوال، ولكنه يستند إلى المبادئ الإنسانية والممارسات التي صقلتها عقود من الخبرة في شتى أصقاع العالم والالتزام الراسخ بإنقاذ الأرواح. ونطلب منكم، مرة أخرى وعلى سبيل الرجاء: دعونا نؤدي عملنا.
وفي هذا الخصوص، أرحب بالاتفاق الأخير الذي عُقد بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل بشأن وصول المساعدات الإنسانية. ونتطلع إلى سماع المزيد عن تفاصيله وفهم كيفية تقييم تنفيذه.
السيد الرئيس،
دعوني أن أُذكّر هذا المجلس بأن محكمة العدل الدولية طالبت إسرائيل بأن تتخذ تدابير فورية وفعالة من أجل تيسير تقديم الخدمات الأساسية والمساعدات الإنسانية التي تمسّ الحاجة إليها.
وإذ أبسط هذه الوقائع أمامكم، فإنني أطلب منكم، بصفتكم مجلسًا، أن تُقيّموا ما إذا كانت إسرائيل تفي بالالتزامات القانونية الدولية التي تقع على عاتقها، وما إذا كان في وسعنا نحن العاملين في المجال الإنساني أن ننفذ الولاية المعهودة إلينا.
هل يسمح ذلك وييسر المرور السريع وغير المُقيَّد للإغاثة الإنسانية النزيهة وفقًا لما تشترطه قوانين الحرب؟ أم أنه يعرقلها؟ والحُكم متروك لكم لاستخلاص ما ترونه من نتائج.
السيد الرئيس،
قبل أسابيع، وصف أحد الوزراء الإسرائيليين السماح بإدخال المعونات إلى غزة بأنه «قرار كارثي»، على حين لمّح وزير آخر إلى أن التجويع قد يكون «مبرراً وأخلاقيًا» إلى أن يجري إطلاق سراح الرهائن – ويجب أن يُطلق سراحهم.
إن تعمُّد استخدام تجويع المدنيين كما لو كان أسلوبًا من أساليب الحرب يُعد جريمة حرب بطبيعة الحال.
وقد تحدث وزير الدفاع الإسرائيلي على الملأ مؤخرًا عن نقل الفلسطينيين إلى ما سماه «مدينة إنسانية.»
ونحن نفهم أن هذا المقترح يعني تهجير الفلسطينيين قسرًا إلى منطقة محددة قريبة من رفح.
لا أعلم كيف يمكن وصف ذلك، ولكنه أمر غير إنساني.
السيد الرئيس،
يتعين على الدول والجماعات المسلحة أن تحترم القواعد – التي وُضعت بسبب ويلات النزاعات والكراهية – والتي تحمي المدنيين في أوقات الحرب.
ونحن نشهد اليوم تقويض هذه القواعد وتراجعها في شتى أرجاء العالم.
والأمر متروك لكم، مرة أخرى، لكي تقرروا كيف تتصرفون لضمان التزام جميع الأطراف بالقانون الدولي الإنساني.
ولكنني أتفق مع بعض أعضاء مجلس الوزراء الإسرائيلي في أنكم ما زلتم تبالغون في تقدير قوة الإقناع الهادئ.
نحن نُحمّل جميع الأطراف المسؤولية عن الالتزام بالمعايير القانونية الدولية في هذا النزاع. فنحن لسنا مضطرين للاختيار – بل ينبغي ألا نختار – بين المطالبة بإنهاء تجويع المدنيين في غزة والمطالبة بالإفراج عن جميع الرهائن دون شروط.
يجب علينا أن نرفض معاداة السامية. وعلينا أن نحاربها بكل ما أوتينا من قوة. ولكن لا بد أيضًا من أن نُخضع إسرائيل لنفس المبادئ والقوانين التي تُطبَّق على سائر الدول.
لذلك، يجب حماية المدنيين أينما كانوا. ويجب إطلاق سراح الرهائن – وأنا أكرر ذلك. ويجب السماح بإدخال المساعدات الإنسانية على نطاق واسع. ويجب حماية العاملين في المجال الإنساني.
فأنتم تدينون بهذا للمدنيين الإسرائيليين والفلسطينيين، وحتى آخر الآمال المعقودة على إحلال سلام مستدام، ولميثاق الأمم المتحدة.
لقد عبّر جميع أعضاء هذا المجلس عن موقفهم دون لبس: وقف إطلاق النار، وقف إطلاق النار، وقف إطلاق النار.
شكرًا لكم.