ملاحظات أدلى بها خلال الحدث الرفيع المستوى للجمعية العامة للأمم المتحدة تحت عنوان «نداء للعمل من أجل الأطفال الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية»

 السيد توم فليتشر، وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ

24 أيلول/سبتمبر 2025

[كما تم إلقاؤها]

صاحب الجلالة، أصحاب السعادة، الزملاء الكرام،

أول صوت سمعناه في ذلك الفيديو، صوت مريم، التي قُتلت تمامًا قبل شهرٍ في مثل هذا اليوم. 

ياسمين وعمر، إننا نسمعكما. ونراكما. ونحن بحاجة إليكما. وآمل أن ألتقي بكما في النور، لا عندما تضطران إلى الاختباء في الظلام.

لذلك نجتمع، مرةً أخرى، لنشارك شهادتنا ومشاعر الخزي.

لنحاول أن نجد كلمات تعبّر عن الفظاعة، ولنفشل مرة أخرى في أن نفيها حقها.

لنعيد القول إن شيئًا لا بد أن يُفعل. ولأخشى أننا سنُسلّم بأن شيئًا لن يُفعل.

ونحن نعلم أن كلماتنا لن تصل إلى مريم، ولا إلى الأطفال تحت القصف، ولا إلى من يبحثون عن طعام بين الأنقاض، أو من يخضعون لبتر أطرافهم من دون تخدير، أو من ويفقدون آخر بريق للأمل.

ونخشى أن لا تصل كلمة واحدة اليوم، ولا تُحرّك ضمائر من يستطيعون وقف هذه الفظاعة في القرن الحادي والعشرين.

ونحن نعلم أننا سنُسأل يومًا، وعن حق، هل فعلنا كل ما بوسعنا.

وإن لزم الأمر أن أكرر ذلك، ينبغي أن يتوافر للأطفال في كل مكان المياه والغذاء والأمان والصحة والمأوى والتعليم.

فالأطفال في غزة لهم ذات الحقوق التي يتمتع بها الأطفال في أي مكان آخر.

لكن في غزة، يُقتل الأطفال وهم يصطفون في طوابير للحصول على الماء.

في غزة، يتضوّر الأطفال جوعًا مع أنّ الإمدادات وشبكات التوزيع موجودة عند المعابر.

في غزة، توجد مجاعة ناجمة عن القسوة، ويبرّرها الانتقام، وتيسرها اللامبالاة ويُديمها التواطؤ.

في غزة، كما سمعنا، يُقتَل طفل في المتوسط كل ساعة منذ ما يقارب العامين.

في غزة، الأطفال المحظوظين ينامون في الخيام.

في غزة، تُقصف مراكز الإيواء، وتتحول المدارس إلى بؤر للرعب، ويُحرم أكثر من 700,000 طفل من حقهم في التعليم.

ومع ذلك، يُقال لنا مرارًا وتكرارًا أن هذا هو الثمن الذي يقع على عاتق السكان دفعه بسبب الحرب.

وسيتجادل المحامون والمؤرخون طويلاً وبشدة حول ما ينبغي أن يُطلَق على ذلك.

وبرغم حظر دخول الصحفيين الدوليين، سيكون لديهم كمّ هائل من الأدلة للنظر فيه.

لكن العدالة والمساءلة ستأتيان متأخرتين جدًا بالنسبة لأولئك الذين فقدوا حياتهم، إلا أنه لا بد من السعي وراء تحقيقهما – ليس فقط تكريمًا لمريم وللعديدين مثلها، بل أيضًا حفاظًا على المبادئ التي تحمي الآخرين في المستقبل.

وطبعًا، معاناة الأطفال لا تقتصر على غزة.

ففي إسرائيل، قُتِل أطفال في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، واحتُجز رهائن، من بينهم أطفال، من منازلهم وأسرهم وأصدقائهم. ولا بد من إطلاق سراحهم.

وفي الضفة الغربية، يتعرّض الأطفال لمستويات متصاعدة من العنف، بما في ذلك من قبل المستوطنين، كما سمعنا. يُقتَلون، يُصابون، يُعتقَلون، ويُهجَّرون. كفى.

قبل أكثر من عام، طالبت محكمة العدل الدولية إسرائيل بتمكين توفير الخدمات الأساسية العاجلة والمساعدات الإنسانية التي تمس الحاجة إليها. وهذا – وسائر القرارات الملزِمة الأخرى – يجب أن يُنفَّذ دون تأخير.

ذلك لأن قواعد الحرب صيغت على مدى عقود لحماية المدنيين وضمان الحد الأدنى من الإنسانية.

وهذه القواعد هي التي يجري تقويضها هنا، يومًا بعد يوم.

لقد سمعنا وزراء إسرائيليين يتحدثون علنًا عن تسوية غزة بالأرض، وعن تهجير سكانها بشكل دائم، وإبادتهم وحرمانهم من المساعدات الغذائية.

فلنحرص على ألّا نورث الأطفال عالمًا بلا قانون، مجرّدًا من الكرامة والأمل.

ليس علينا الاختيار بين إدانة تجويع أطفال غزة والمطالبة بالإفراج غير المشروط عن الرهائن.

ليس علينا الاختيار بين مكافحة معاداة السامية وإخضاع إسرائيل لنفس القوانين التي تُطبَّق على سائر الدول.

لا بد أن ننضم إلى قادة العالم، بمن فيهم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في الدعوة إلى وقف إطلاق النار.

ولا بد أن يُتاح لنا الوصول الإنساني إلى النساء والأطفال وكبار السن في غزة الذين لا تسد بيانات القلق رمقهم.

لأن أطفال غزة عالقون في مقبرة. لقد قُصفوا، وبُترت أطرافهم، وجُوِّعوا، وأُحرقوا أحياء، ودُفنوا تحت أنقاض منازلهم، وفُصلوا عن ذويهم. وحُرموا من كل ذرة إنسانية صُمِّمت قوانين الحرب للحفاظ عليها.

قُتلوا وهم نائمون وهم يلعبون وهم يصطفون للحصول على الطعام والماء، قُتلوا وهم يسعون لتلقي الرعاية الطبية.

وأخشى أننا سنجتمع مرة أخرى، لنُردِّد بأصوات مهيبة أعداد الضحايا، ونحاول إيجاد كلمات جديدة لوصف الفظاعة، ولندعو مرة أخرى إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة.

لكن، كم من الأرواح يجب أن تُزهق بعد؟ وأي أذى إضافي سنكون قد ألحقناه بإنسانيتنا المشتركة؟