ملاحظات أمام المؤتمر الإنساني الدولي للسكان المدنيين في غزة

وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ، مارتن غريفيث

أصحاب السعادة، الزملاء، السيدات والسادة،

أودّ أن أعرب عن خالص شكري للرئيس ماكرون على عقد هذا المؤتمر اليوم بشأن الوضع الإنساني الذي لا يُحتمل في غزة.

إن حضور طائفة واسعة من الدول الأعضاء تحت قيادته يعكس مدى خطورة هذا الوضع. وهذا تذكير بالعلاقة الوثيقة بين الحرب والدبلوماسية والقيم الإنسانية واحترام حقوق الأبرياء أينما كانوا.

إن الخسائر الهائلة والمتزايدة التي يُخلّفها هذا النزاع في صفوف المدنيين تبعث على الأسى بقدر ما تتنافى مع الضمير.

لقد سمعنا للتو التفاصيل التي تثير الانزعاج من صديقي وزميلي المفوض العام [فيليب] لازاريني، الذي يجري تنفيذ عمليات الأمم المتحدة تحت قيادته الشجاعة والملهِمة.

وقد عملتُ، على مدى الأسابيع القليلة الماضية، مع مختلف القادة والشركاء والمحاورين من أجل دعم الجهود الإنسانية والتفاوض بشأن إمكانية الوصول. وزرت مصر وإسرائيل والأرض الفلسطينية المحتلة، واجتمعت مع أسر بعض الرهائن الإسرائيليين وتحدثت إلى أسر في غزة.

إن الوضع لا يطاق. ومن شأن السماح باستمراره أن يكون من قبيل المهزلة.

واسمحوا لي هنا أن أشاطركم بعض أفكاري حول ما يجب أن يحصل على وجه الاستعجال لتفادي تلك المهزلة.

أولًا: علينا أن نبدي الاحترام الكامل – من جانب الأطراف كافة – للقانون الدولي الإنساني والكرامة الإنسانية الأساسية. وهذا يعني وجوب حماية المدنيين والوفاء باحتياجاتهم الأساسية أينما كانوا في غزة.

ومع ذلك، فليس في وسع الأمم المتحدة أن تكون جزءًا من مقترح أحادي الجانب لدفع مئات الآلاف من المدنيين البائسين في غزة إلى ما يُسمى المناطق الآمنة.

فلم تشارك الأمم المتحدة في التحضير لوصول الأشخاص المُهجّرين إلى «منطقة آمنة» مرتقبة في غزة.

وبالنيابة عن مجتمع العمل الإنساني الذي أمثله، أستطيع أن أخبركم أن مخاوف جدية تساورنا:

مخاوف إزاء سلامة المدنيين في أي مما يسمى المناطق الآمنة في حال غياب اتفاق بين جميع الأطراف بشأن إقامتها.

ومخاوف إزاء عدم توفر الظروف المُرضية في أي مكان في غزة لضمان المأوى اللائق والغذاء والمياه والصرف الصحي والصحة.

ومخاوف إزاء حماية المدنيين في أي مكان في غزة.

ثانيًا، يجب السماح لنا بإدخال الإمدادات الأساسية والإغاثة الإنسانية – بما يشمل الوقود – إلى غزة بأمان، ودون عقبات، وعلى نحو يمكن الاعتماد عليه وعلى نطاق واسع.

إن العدد المتواضع من الشاحنات التي تمكّنّا من إدخالها عبر معبر رفح الحدودي غير كافٍ على الإطلاق بالمقارنة مع الحجم الهائل للاحتياجات. وأود أن أعرب عن شكري لحكومة مصر على تسهيل إمكانية الوصول عبر معبر رفح وعلى الموافقة على استضافة الفريق الفني الإنساني التابع للأمم المتحدة في العريش. ولكن من الجلي لدينا أننا في حاجة إلى أكثر من نقطة دخول واحدة إلى غزة. إننا في حاجة إلى إدخال المئات، وليس العشرات، من الشاحنات في كل يوم إلى غزة والسماح بالوصول إلى كل مكان يلتمس الناس المأوى فيه.

ثالثًا، نحتاج إلى وقف إطلاق النار لدواعٍ إنسانية.

وهذا يعني، بعبارات واضحة، وقف القتال لغايات إنسانية من أجل توفير قسط من الراحة من الهجوم المتواصل وتسريع العمل على تزويد المعونات الإنسانية وتيسير الإفراج عن الرهائن. ويجب أن يكون هذا هو هدفنا وأولويتنا.

الرئيس ماكرون، أصحاب السعادة،

إن الوضع في غزة يبعث بإشارة تحذير بقدر ما هو بائس ومروّع.

فهو ينطوي على تحذير من أنه لا يسعنا أن نغض الطرف عن الوضع المتردي في الضفة الغربية، حيث تتزايد حوادث العنف التي تطال الفلسطينيين وغدت أسوأ ما كانت عليه منذ سنوات.

والأهم من ذلك كله أنه تحذير من أنه لا يمكننا أن نسمح بتصاعد هذه الحرب على مستوى المنطقة.

إننا نشهد بالفعل إشارات على ذلك في تبادل إطلاق النار والتراشق بالكلام بين حزب الله وإسرائيل.

وقد رأينا هذه الإشارات في الصواريخ التي أُطلقت من اليمن باتجاه إسرائيل. ونرى الاحتجاجات العارمة في شتّى أرجاء العالم. وفي كل يوم، نرى تأجُّج المشاعر والخطاب وأعمال العنف المناهضة للمسلمين والمعادية للسامية في كلا العالمين الافتراضي والواقعي.

إن الحرب فيروس يستغل كل فرصة لكي يتوسع ويتمدد.

والنزاع الراهن حريق هائل قد يأتي على المنطقة – بما ينطوي عليه من آثار تعمّ العالم في نطاقها – ما لم نُحكِم سيطرتنا عليه.

تساورني مخاوف حقيقية من أن هذا قد يُشكّل البداية فحسب ما لم تُبذل قصارى الجهود المتعددة الأطراف والدبلوماسية لضمان حماية المدنيين وتحسين وصول المساعدات الإنسانية وتأمين الإفراج عن الرهائن الذين أُخذوا بقسوة في 7 تشرين الأول/أكتوبر.

فعلى مدى السنتين المنصرمتين، واجه المسار المتعدد الأطراف، وما يرتكز عليه من العدالة والمساواة والسعي لتحقيق السلام، تحديًا هائلًا، لم يقتصر على الحرب على أوكرانيا. واليوم، يواجه هذا المسار تحديًا كبيرًا مرة أخرى.

ولكن يتعين علينا في الأوقات التي تشهد أعظم التحديات أن ندافع عن مبادئنا المشتركة ونضعها موضع التنفيذ ونحن مقتنعون أشد الاقتناع بها.

ينبغي أن يُشكّل المسار المتعدد الأطراف والدبلوماسية الملتزمة الوسيلة التي نجد من خلالها حلًا لللشعب الفلسطيني. ويمكن أن يُمثّل مؤتمر اليوم خطوة حاسمة على هذا الصعيد، وأود أن أشكر الرئيس ماكرون مرة أخرى على جمعنا معًا فيه.

وأخيرًا، أود أن أشكر وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) وفيليب على ما ينجزانه على الأرض في غزة، وعلى ما يشكلانه من خط فاصل دقيق بين المأساة والسلامة وبين المجازر والإنسانية. إننا نأسى على العدد الذي لا يمكن احتماله من موظفي الأونروا الذين أُرهقت أرواحهم. وأشيد بجميع زملائنا في المجال الإنساني الذين فقدوا حياتهم وأولئك الذين يواصلون تقديم خدماتهم بدافع الإيثار والشجاعة.

شكرًا لكم.