طالبات في طريق عودتهن من مدرستهن خلال الفيضانات في مدينة غزة، كانون الأول/يناير 2015. © - تصوير وسام نصار
طالبات في طريق عودتهن من مدرستهن خلال الفيضانات في مدينة غزة، كانون الأول/يناير 2015. © - تصوير وسام نصار

البنية التحتية المتهالكة وغياب التمويل يعرّضان ما يزيد على 560,000 إنسان لخطر الفيضانات في قطاع غزة

في قطاع غزة، يجلب شتاء آخر معه التهديد بالتهجير المؤقت، والأضرار التي تلحق بالممتلكات والمخاطر الصحية بسبب الفيضانات وظروف السكن الرديئة. ويشكّل نقص التمويل، والقيود المفروضة على الإستيراد، وأزمة الطاقة المستمرة والإمكانيات المحدودة لدى جهاز الدفاع المدني الفلسطيني عوامل رئيسية تعطّل قدرة الجهات المختصة على التخفيف من حالة الضعف وتقديم الإستجابة الفعّالة.

طالبات في طريق عودتهن من مدرستهن خلال الفيضانات في مدينة غزة، كانون الأول/يناير 2015. © - تصوير وسام نصار

البنية التحتية الهشّة تزيد من خطر الفيضانات

حدّدت مجموعة المياه والصرف الصحي والنظافة الصحية ما يقرب من 60 تجمعًا سكانيًا يقع في مناطق منخفضة في عموم أنحاء قطاع غزة على أنها معرّضة لخطر الفيضانات، حتى من هطول الأمطار الخفيفة. وتؤوي هذه المناطق أكثر من 560,000 نسمة، ويقع فيها 15 مركزًا من مراكز الرعاية الصحية الأولية، إلى جانب 69,000 طالب ومعلم يداومون في 65 مدرسة تابعة لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) ومدرسة حكومية.[1] وتتفاقم حالة الضعف بفعل حالة شبكات البنية التحتية المتهالكة، التي لم تشهد سوى الحدّ الأدنى من التحديث أو الإصلاح على مدى العقد الماضي، على الرغم من النمو السكاني السريع والأضرار التي أصابتها على نطاق واسع بسبب تكرار الأعمال القتالية. 

وقد تعطّلت قدرة مصلحة مياه بلديات الساحل والشركاء في مجموعة المياه والصرف الصحي والنظافة الصحية على  تنفيذ مشاريع البنية التحتية في المناطق الشديدة الخطورة بسبب القيود المفروضة على إستيراد المواد التي تعدّها إسرائيل مواد "مدنية وعسكرية ذات إستخدام مزدوج".

ويعتمد دخول هذه المواد على الموافقة الإسرائيلية، التي يُشترط الحصول عليها لكل صنف من الأصناف المقيدة على حدة، إضافة إلى الموافقة على المشروع نفسه في المقام الأول. ومنذ مطلع هذا العام، طرأت زيادة ملحوظة على الموافقات التي مُنحت لدخول مواد البناء ذات الإستخدام المزدوج (ولا سيما الإسمنت والحديد) من خلال آلية إعادة إعمار غزة بالمقارنة مع السنوات الماضية.[2] ومع ذلك، فقد رُفضت الطلبات التي قُدمت لإستيراد مواد محظورة  أخرى، مثل المولدات بقوة 50 كيلو فولت أمبير وأعلى، رفضًا باتًا أو واجهت تأخيرًا لفترات طويلة وصلت إلى 16 شهرًا في بعض الحالات. 

وقد ظهرت آثار هذه القيود على التقدم المحرَز في سبعة مشاريع تنفذها مصلحة مياه بلديات الساحل بهدف تقليص خطر الفيضانات في المناطق المنخفضة في محافظات خانيونس ورفح والوسطى. وتسعى هذه المشاريع إلى عزل شبكات مياه الأمطار وشبكات الصرف الصحي، وتمديد شبكات تصريف مياه الأمطار وأحواض الصرف الصحي، وضمان تزويد قطع الغيار وصيانة معدات الضّخ في المناطق المنخفضة، وتنظيف قنوات التصريف الموجودة وتزويد مقدمي الخدمات بقطع الغيار والمواد والمعدات. 

خطر التعرّض للأحوال الجوية البالغة الشدة بسبب ظروف السكن الرديئة

أشارت مجموعة المأوى إلى أن ما يقرب من 8,100 أسرة في جميع أنحاء قطاع غزة بحاجة إلى المساعدة اللازمة للإستعداد لفصل الشتاء بالنظر إلى الحالة المتردية للمساكن التي تؤويها، بما يشمله ذلك من تسرّب المياه من سقوفها، ونوافذها غير مُحكمة الإغلاق، وجدرانها المتضررة وإفتقارها إلى العزل. كما صنّفت هذه المجموعة 24,000 أسرة أخرى في جميع أنحاء قطاع غزة على أنها معرّضة للأحوال الجوية البالغة الشدة بسبب الظروف المعيشية السيئة التي تحياها. وقد أحالت وزارة التنمية الإجتماعية 1,233 حالة من حالات الضعف الشديدة التي تقع ضمن كلتا الفئتين إلى مجموعة المأوى لتقديم المساعدة لها. وتحيل المجموعة هذه الحالات إلى شركائها من أجل تقديم الدعم اللازم لها.

وتنجم ظروف السكن الرديئة بصورة رئيسية عن إنعدام القدرة على الحصول على مواد البناء اللازمة لصيانة المنازل وإصلاحها، بما يشمل الأضرار التي لحقت بها من الأعمال القتالية التي إندلعت في العام 2014، إلى جانب معدلات البطالة والفقر المرتفعة.

أزمة الكهرباء

ما يزال تزويد الكهرباء يشهد إنقطاعات منذ شهر نيسان/أبريل 2017، بعد أن نشأ خلاف بين السلطات الفلسطينية في رام الله وغزة حول طريقة تسديد ثمن الوقود الوارد إلى محطة توليد الكهرباء في غزة. وقد إزداد تفاقم هذا الوضع بسبب تراجع إمدادات الكهرباء من إسرائيل عقب القرار الذي إتخذته السلطة الفلسطينية في شهر حزيران/يونيو 2017 بتقليص الدفعات التي تسددها لقاء ثمنها. كما شهدت الكهرباء التي تزودها مصر مشاكل مستمرة نجمت عن الأعطال المتكررة وعدم إصلاح خطوط التغذية.

ولم تزوَّد غزة بالكهرباء إلّا لفترة لا تتجاوز أربع إلى ست ساعات في اليوم على مدى الأشهر السبعة الماضية، وما يزال هذا الوضع على ما هو عليه على الرغم من إتفاق المصالحة الذي تمّ التوصّل إليه بين السلطة الفلسطينية وسلطات الأمر الواقع في غزة في شهر تشرين الأول/أكتوبر 2017. 

وخلال الفترات التي تشهد هطول الأمطار، تستقبل محطة تصريف مياه الصرف الصحي/مياه الأمطار مياه الصرف الصحي التي يختلط بها ماء المطر. ويجب ضخ هذه المياه إلى أحواض مياه الأمطار أو البحر أو المناطق المفتوحة. وفي الحالات التي لا تتوفر فيها الكهرباء من الشبكة، تعتمد هذه المحطات على المولدات الإحتياطية التي تعمل على الوقود غالي الثمن. وكانت منطقتا خان يونس ورفح اللتان تعتمدان إلى حدّ أكبر على خطوط التغذية المصرية هما الأكثر تضررًا.

ومن أجل الحفاظ على الحدّ الأدنى من الخدمات الحيوية، تقدم الوكالات الإنسانية وقود الطوارئ لمرافق الصحة والمياه والصرف الصحي وجمع النفايات الصلبة من أجل تشغيل المولدات الإحتياطية والمركبات. وقد إرتفع عدد المرافق التي تستفيد من هذا الدعم من 189 مرفقًا في بداية الأزمة في شهر آذار/مارس من هذا العام إلى 247 مرفقًا في شهر تشرين الأول/أكتوبر. 

وتتوقّع مجموعة المياه والصرف الصحي والنظافة الصحية نفاد إحتياطي وقود الطوارئ في منتصف فصل الشتاء، وذلك بحلول شهر شباط/فبراير كحدّ أقصى. وفي حال عدم تأمين تمويل إضافي، فقد يطرأ تدهور آخر على تشغيل محطات ضخ مياه الأمطار والمعدات الثقيلة والشاحنات والمضخات المتحركة التي تُستخدم في تصريف مياه الفيضانات من المناطق التي تغمرها. وتتسبب القيود الإسرائيلية المفروضة على الإستيراد في إعاقة دخول المولدات الجديدة وقطع الغيار. 

تراجع مستوى القدرة على الإستجابة الفورية 

طرأ تراجع على قدرات جهاز الدفاع المدني الفلسطيني، الذي يُعدّ أحد الجهات الرئيسية التي تقدم الإستجابة في حالات الطوارئ، على مدى السنوات القليلة الماضية بسبب مجموع الأضرار التي لحقت بمحطاته في خضمّ الصراعات المتكررة، وغياب الإستثمار في المعدات وتطوير قدرات الأفراد بفعل الإنقسام السياسي الفلسطيني، والقيود المشدّدة التي تفرضها إسرائيل على دخول المعدات بشقيها المتخصصة وغير المتخصصة. ونتيجة لذلك، تشير التقديرات إلى أنّ القدرات العملياتية التي يملكها جهاز الدفاع المدني الفلسطيني في غزة تراجعت بما نسبته 60 في المائة  على الأقل منذ العام 2008 على الرغم من التوسّع الحضري السريع والنمو السكاني العام.

ولم يسبق أن توفر لدى جهاز الدفاع المدني الفلسطيني في غزة الكثير من المعدات الفنية الضرورية، مثل المضخات ذات القدرات العالية، والعوائق المتحركة اللازمة للتعامل مع مياه الفيضانات، والأدوات الثقيلة المستخدمة في تنفيذ عمليات البحث والإنقاذ في المناطق الحضرية على نحو فعّال. أما المعدات الأخرى، بما فيها المضخات ذات القدرات المتوسطة والتي تُستخدم في تفريغ المياه من المناطق التي تغمرها الفيضانات والسلالم الميكانيكية الضرورية للوصول إلى الطوابق الثالثة وما فوقها، فهي إما بالية وتعمل بصورة جزئية أو لا تعمل على الإطلاق. ويقدِّر جهاز الدفاع المدني في غزة أن 10في المائة  من مركبات الإستجابة الفورية، كعربات الإطفاء ومركبات الإنقاذ الخفيفة وسيارات الإسعاف، قد أصابها العطب ولم تعُد تعمل. وتعمل  بقية المركبات بنسبة تقل عن  40في المائة  من قدراتها التشغيلية الكاملة.

التدخلات الجارية والمقرّرة 

في مجموعة المياه والصرف الصحي والنظافة الصحية، لم يحصل سوى مشروع واحد من المشاريع الأربعة المقررة ضمن خطة الإستجابة الإنسانية والتي تستهدف التخفيف من آثار الفيضانات على تمويل جزئي في العام 2017، بينما لم يجرِ تمويل المشاريع الأخرى على الإطلاق. ومع ذلك، يعمل الشركاء في هذه المجموعة، ومن بينهم المنظمات غير الحكومية المحلية والدولية، ووكالات الأمم المتحدة واللجنة الدولية للصليب الأحمر، على تخزين الموارد وإعداد الخطط لتنفيذ الأنشطة الكفيلة بالوقاية من الفيضانات وتقديم الإستجابة اللازمة لها من أجل دعم مقدّمي الخدمات في هذا المجال. ولهذه الغاية، يعمل الشركاء في المجموعة على جمع الأموال لتغطية إحتياجات الوقاية والإستجابة التي تحتل رأس سلّم الأولويات، وذلك حسبما حدّده مقدّمو الخدمات والشركاء في المجموعة.

في يوم 26 تشرين الثاني/نوفمبر 2017، تسبّب هطول الأمطار الخفيفة في غمر عدة منازل ومحال تجارية ومركبات بمياه الفيضانات في مدينة غزة، بالإضافة إلى محطة ضخ مياه الصرف الصحي في حي النفق. وإضافة إلى إنقطاع الكهرباء، فلم تكن المولدات الإحتياطية التي كانت تعمل في ذلك الوقت كافية للتعامل مع كمية المياه. ولقد تمّ إحضارالمضخات المتنقلة إلى هذا الموقع وتشغيلها  لمدة 12-18 ساعة لضخ المياه. وخلال هذا الوقت، تعطّلت قدرة السكان على الوصول إلى الخدمات، كما تعرّضوا لخطر الإصابة بالأمراض المنقولة بالمياه بسبب تسرّب مياه الصرف الصحي إلىمياه الشرب .

وتعمل وكالة الأونروا في هذه الآونة على تنفيذ تدابير إستباقية إضافية تستهدف اللاجئين المسجلين. وتشمل هذه التدابير توزيع النايلون أو الألواح البلاستيكية والمواد غير الغذائية على الحالات الضعيفة التي تطلب الدعم. ويغطي الشركاء المساعدات التي تقدَّم لحالات من غير اللاجئين في بعض الحالات، وذلك في سياق المشاريع التي يجري العمل على تنفيذها. 

وتُعِدّ مجموعة التعليم التدخلات التي تشمل توزيع الملابس الشتوية على الطلبة، وتتأكّد من أنّ المدارس مهيأة لمقاومة ظروف الشتاء عن طريق صيانة مبانيها. كما شكّلت المجموعة لجنة الطوارئ المعنية بفصل الشتاء، والتي تضم في عضويتها وزارة التربية والتعليم العالي، ووكالة الأونروا، والدفاع المدني ومنسّق مجموعة التعليم. وتتولى هذه اللجنة مراقبة الوضع ومتابعته، ولا سيما خلال الأحوال الجوية السيئة، لضمان سلامة الطلبة.

عائلة تعاني من مياه الفيضانات كل سنة على مدى السنوات الثلاثين الماضية

فيضانات سبّبها هطول أمطار خفيفة، بالقرب من منزل عائلة وافي، خان يونس، تشرين الثاني/نوفمبر 2017  © - تصوير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)

يعاني محمد وافي، الذي يبلغ من العمر 52 عامًا، وعائلته من مياه الفيضانات في كل شتاء على مدى السنوات الثلاثين الماضية. وهذا يعكس مدى التدهور الذي أصاب البنية التحتية في الحي الذي يقطنه بسبب الضغط الذي يفرزه هطول الأمطار عليها.

ويقطن السيد وافي مع عائلته في منطقة الوافية المنخفضة والمعرّضة للغرق بمياه الفيضانات في خان يونس. ويقع منزل العائلة على عمق مترين تحت مستوى الشارع، وتغمره مياه الأمطار ومياه الصرف الصحي. وكتدابير إحترازية، يشتري السيد وافي الرمل ليصنع منه سدًّا بين الشارع ومنزله. كما يسدّ مصارف المجاري في منزله للحيلولة دون تسرب المياه منها إليه. وعلى الرغم من هذه التدابير، تتسرّب المياه إلى المنزل كل سنة من خلال الجدران المتصدّعة والسقف ومصارف المجاري، مما يجبر العائلة على البحث عن مكان أكثر أمنًا للإقامة فيه.  

وتقول السيدة وافي: "كل سنة، يصيب الخراب جميع أثاثي، ومقتنياتي الشخصية، وملابسي، ومفروشاتي وطعامي وأدوات مطبخي. وحتى الثلاجة والغسالة والفرن لم يعد أي منها يعمل بسبب الأضرار التي سببتها المياه. إننا نعيش في ظروف صعبة حقًا". 

وفي شتاء العام 2016، تعرّض المنزل لفيضانات عارمة، وإضطرت العائلة إلى البحث عن مأوى بديل لمدة أسبوع بكامله.   

وأجابت السيدة وافي عند سؤالها عن الآثار التي يخلّفها الفيضان على الحياة الإجتماعية لعائلتها: "لقد تركت إبنتنا المدرسة الثانوية السنة الماضية. ففي كل مرة تهطل فيها الأمطار الغزيرة، تنتقع كتبها بالماء ولا يعود من الممكن إستخدامها. إنها تحب الدراسة، ولكننا لا نستطيع تحمّل شراء كتب جديدة لها".

ساهمت مجموعات  التعليم، و المأوى، و المياه والصرف الصحي والنظافة الصحية في كتابة هذا القسم 


[1] يشمل هذا العدد 37,649 طالبًا ومعلمًا مسجلين في 38 مدرسة تديرها وكالة الأونروا، و31,233 طالبًا ومعلمًا مسجلين في 27 مدرسة حكومية.

[2] للإطلاع على المزيد من التفاصيل، أنظر الموقع الإلكتروني.