عدد كبير من الضحايا خلال المظاهرات التي إندلعت بمحاذاة السياج الحدودي في غزة

أفضت سلسلة المظاهرات التي ما يزال قطاع غزة يشهدها منذ يوم 30 آذار/مارس بالقرب من السياج الحدودي مع إسرائيل إلى سقوط أعداد كبيرة من الضحايا وأثارت قلقًا بالغًا إزاء الحماية.

وهذه المظاهرات، التي تنظمها الفصائل السياسية الفلسطينية والحركات السياسية وحركات المجتمع المدني الفلسطيني، هي جزء من مسيرات العودة الكبرى التي تستمر حتى يوم 15 أيار/مايو، الذي يصادف الذكرى السبعين لما يشير إليه الفلسطينيون بـ’النكبة‘ التي حلَّت بهم في العام 1948. وسُجلت أكبر التجمعات في كل يوم جمعة عند مواقع الخيام التي نُصبت على مسافة تتراوح من 600 إلى 700 متر من السياج في مواقع مختلفة، وشارك فيها الآلاف، من بينهم أسر مع أطفالها، وشبان وكبار في السن.

 

وفي كل يوم جمعة، وقعت حوادث اقترب فيها المئات من المتظاهرين من السياج في محاولة لإتلافه، حيث أحرقوا  الإطارات، وألقوا الحجارة، وبوتيرة أقل، الزجاجات الحارقة، بإتجاه القوات الإسرائيلية التي يتم نشرها على الجانب الآخر. وفي مناسبات عدة، أطلق المتظاهرون طائرات ورقية مشتعلة بإتجاه الأراضي الإسرائيلية، مما تسبب في إضرام النار في المحاصيل الزراعية داخل إسرائيل.

وفي مناسبتين سُجلتا قبل المظاهرات المرتقبة، ألقى الجيش الإسرائيلي منشورات في المنطقة التي تقام فيها الخيام، حيث حذرت فيها الفلسطينيين بعدم الإقتراب من السياج. وضمّت القوات الإسرائيلية المدججة بالسلاح، والتي تمركزت على الجانب الإسرائيلي من السياج خلف سواتر ترابية لحمايتها، 100 قناص، وفقًا للتصريحات التي أدلى بها المسؤولون الإسرائيليون. وردّت هذه القوات بإستخدام الأسلحة النارية، بما فيها الذخيرة الحية، والعيارات المعدنية المغلفة بالمطاط وقنابل الغاز المسيل للدموع، والتي ألقت الطائرات المسيرة دون طيار بعضًا منها.

وفي الفترة الواقعة بين يوميْ 30 آذار/مارس و30 نيسان/أبريل، قتلت القوات الإسرائيلية ما مجموعه 40 فلسطينيًا في سياق المظاهرات، بينهم خمسة أطفال. كما قُتل خلال هذه الفترة في ظروف أخرى، عشرة فلسطينيين آخرين، بينهم طفل، منهم خمسة تم اطلاق النار عليهم وقُتلوا بعد اجتيازهم السياج الحدودي دخولا إلى إسرائيل، وما تزال جثثهم محتجزة لدى إسرائيل. ومن بين القتلى صحفي كان يرتدي سترة كُتب عليها كلمة "صحافة"، حيث تم اطلاق  النار عليه على مسافة تقل عن 100 متر من السياج.[1] كما وأُصيبَ 19 صحفيًا آخر بجروح، من بينهم 12 بالذخيرة الحية.[2] 

وخلال الفترة نفسها، أصيب نحو 6,800 فلسطيني بجروح خلال المظاهرات، وفقاً لوزارة الصحة الفلسطينية في غزة، من بينهم أكثر من 1,900 جريح أصيبَ بالذخيرة الحية. وبحلول يوم 16 نيسان/أبريل، أفادت مجموعة الصحة بأن نحو 16 حالة من الإصابات أدت إلى إعاقات. كما أشارت التقارير إلى أن ما لا يقل عن 96 فردًا من العاملين في مجال الصحة أصيبوا بجروح، من بينهم خمسة بالذخيرة الحية، كما لحقت الأضرار بـ16 سيارة إسعاف.

ولم ترد أية تقارير تفيد بوقوع إصابات بين الإسرائيليين. وصرّحت السلطات الإسرائيلية بأن العديد من الضحايا كانوا أفرادًا في حركة حماس وغيرها من الجماعات المسلحة، وإتهمت وزارة الصحة بتضخيم عدد الجرحى الذين أصيبوا بالذخيرة الحية.

الخلفية القانونية وشواغل الحماية

يسري القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان على قطاع غزة، مثلما يسري على بقية أنحاء الأرض الفلسطينية المحتلة، في الوقت نفسه.[3] وينظم نموذج إنفاذ القانون المستنبط من القانون الدولي لحقوق الإنسان أنشطة الشرطة خلال المظاهرات أو الإحتجاجات، حيث يحصر هذا النموذج إستخدام القوة المميتة في حالات الضرورة القصوى فقط، بإعتبارها الملاذ الأخير للرد على خطر محدق يهدد بالموت أو التعرّض لإصابة خطيرة.[4] كما ينبغي إحترام الطواقم والوحدات الطبية وحمايتها.[5]

ولم يظهر دليل حتى الآن على أن الفلسطينيين الذين قُتلوا خلال المظاهرات كانوا يشكلون مثل هذا التهديد، مما يثير القلق إزاء الإستخدام المفرط للقوة الذي يؤدي الى الحرمان التعسفي من الحياة.[6] وبموجب القانون الدولي الإنساني، فقد يشكّل ذلك فعلًا من أفعال القتل المتعمّد، ومخالفة جسيمة لإتفاقية جنيف الرابعة ويعتبر جريمة حرب.[7]

وفي يوم 30 نيسان/أبريل، نظرت محكمة العدل العليا الإسرائيلية في إلتماسات رفعتها مجموعتان من المنظمات غير الحكومية، حيث طعنت فيها في أنظمة إطلاق النار التي تنفذها إسرائيل في سياق المظاهرات الحالية. وفي هذه الجلسة، رفض ممثلو دولة إسرائيل سريان القانون الدولي لحقوق الإنسان على العمليات الإسرائيلية في الأرض الفلسطينية المحتلة، بما فيها قطاع غزة، وصرّحوا بأن أنظمة إطلاق النار التي تعتمدها إسرائيل تتماشى مع القانون الدولي. وفي الواقع، فإن أنظمة إطلاق النار المذكورة غير معلنة ولم يجرِ الإفصاح عنها. وما تزال هذه القضية قيد النظر.

وقد أطلق الأمين العام للأمم المتحدة الدعوات لإجراء تحقيقات مستقلة تتمتع بالشفافية في الحوادث التي تشهدها غزة منذ يوم 30 آذار/مارس، وكرّر هذه الدعوات المتحدثُ بإسم مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان وخبراء حقوق الإنسان في الأمم المتحدة. وأفادت التقارير بأن رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي أمر بإجراء تحقيق داخلي في هذه الحوادث.

ومما يبعث على القلق أيضًا رفض إصدار تصاريح السفر أو تأخير إصدارها للمتظاهرين الجرحى الذين يحتاجون إلى العلاج الطبي المتخصص في الضفة الغربية أو إسرائيل. ووفقًا لمنظمة الصحة العالمية، فمن بين 27 مريضًا أصيبوا بجروح في المظاهرات في الفترة الواقعة بين يوميْ 30 آذار/مارس و30 نيسان/أبريل وتقدموا بطلبات للحصول على تصاريح إسرائيلية لمغادرة غزة للحصول على الرعاية الصحية، تمت الموافقة على تسعة منها (33 في المائة)، وهي نسبة تقلّ بصورة ملحوظة عن معدل الموافقة على هذه التصاريح خلال الربع الأول من العام 2018 (60 في المائة). ويتسبب هذا الأمر في زيادة المخاطر التي تهدد حياة المتظاهرين الجرحى ومعاناتهم، كما أدّى إلى بتر الأطراف في بعض الحالات. وصرحت السلطات الإسرائيلية بأنها لن تسمح للأشخاص الذين شاركوا في الإحتجاجات بالخروج من غزة للعلاج الطبي في مشافي الضفة الغربية أو إسرائيل من ناحية مبدئية.[8] وعقب إلتماس رفعته منظمتان غير حكوميتان، وهما مركز عدالة ومركز الميزان لحقوق الإنسان، إلى محكمة العدل العليا الإسرائيلية بالنيابة عن مريضين، قررت المحكمة في يوم 15 نيسان/أبريل أن المريضين يستوفيان المعايير التي تيسر لهما الحصول على تحويلات طبية وأنه ليس هناك من دواعٍ أمنية تبرر رفض منحهما تصاريح للخروج من غزة.

ساهم مكتب مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان في كتابة هذا القسم

حالة محمد العجوري، 16 عامًا [9]

محمد العجوري، بُترت رجله اليمنى بعدما أطلقت القوات الإسرائيلية النار عليه وأصابته بجروح خلال مظاهرة شهدتها غزة في يوم 30 آذار/مارس  © - مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية

محمد العجوري، رياضي يبلغ من العمر 16 عامًا، وقد شارك في أول مظاهرة في سلسلة الاحتجاجات في سياق "مسيرة العودة الكبرى" في يوم 30 آذار/مارس في شمال غزة. "لم أكن هناك لألقي الحجارة. فقد ذهبتُ إلى هناك مع أصدقائي للمشاركة السلمية. وكنت أقف بالقرب من الخيام، ولكنني تقدمت عدة خطوات إلى الأمام لأقدم المساعدة لبعض الجرحى الذين أصيبوا بفعل قنابل الغاز المسيل للدموع التي أطلقتها القوات الإسرائيلية. وقد أصبتُ بنوع من الرصاص المتفجر تحت ركبتي اليمنى.

"نُقلتُ في بادئ الأمر إلى مشفى العودة، ولكن جرى تحويلي بعد ذلك إلى مشفى الشفاء في غزة بسبب حالتي الحرجة. ومكثتُ في غرفة العمليات لستّ ساعات، ثم نُقلت إلى وحدة العناية المكثفة. وكان من المفترض أن أبقى في هذه الوحدة، ولكن لم يكن فيها مكان شاغر بسبب أعداد الجرحى المرتفعة، ولذلك مكثت في قسم الجراحة العامة لمدة أسبوع، قدمت خلاله طلبين لتحويلي إلى الضفة الغربية ومصر، غير أنني لم أتلقَّ أي رد سواء من السلطات الإسرائيلية أو المصرية. وبعد ثلاثة أيام، وفي يوم 3 نيسان/أبريل، قرر الأطباء بتر رجلي لأنه لم يكن هناك من سبيل آخر لإنقاذ حياتي.

"كنت ألعب كرة القدم، وأركض، وأقفز وأسبح. وكنت أحضّر للسفر إلى الخارج للمشاركة في مسابقة ماراثون، حيث كنت عضوًا في عدد من النوادي وفي المنتخب الوطني. أما الآن، فلا أستطيع أن ألعب أي رياضة مثلما كنت بسبب الظروف التي إستجدّت علي، ولكن هذا لن يوقفني أبدًا. سوف أواصل حياتي مثلما كانت وأتأقلم، ولن أتوقف عن ممارسة الرياضة."


[1] رصد مكتب مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان.

[2] مركز الميزان لحقوق الإنسان.

[3] وقد كانت قابلية تطبيق القانون الدولي لحقوق الإنسان في حالة نزاع مسلح أو إحتلال، بالاقتران مع قابلية تطبيق القانون الدولي الإنساني، موضع تأكيد واسع النطاق. وقد تناولت محكمة العدل الدولية هذه المسألة أولاً في عام 1996 ثم أعادت تأكيد قابلية التطبيق المتزامن للقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان وذلك في الفتوى التي أصدرتها بشأن تشييد الجدار، بما في ذلك فيما يتعلق بالأرض الفلسطينية المحتلة. ولا يؤدي وجود حالة نزاع مسلح أو إحتلال إلى إعفاء دولة ما من واجب الوفاء بالتزاماتها المتعلقة بحقوق الإنسان. (أنظر تقرير الأمين العام، A/HRC/34/38، الفقرة 9).

[4] مدونة قواعد سلوك للموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين، المادتان (2) ,(3)، والمبادئ الأساسية لإستعمال القوة وإستخدام الأسلحة النارية بواسطة موظفي إنفاذ القانون، المبادئ (5)، و(9) و(13-13).

[5] أنظر على وجه الخصوص المادة (18) من إتفاقية جنيف الرابعة، والدراسة التي أعدتها المنظمة الدولية للصليب الأحمر حول القانون الدولي العرفي، القواعد (28-30).

[6] المادة (6) من الميثاق الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.

[7] المادة (147) من إتفاقية جنيف الرابعة. وأنظر تقرير الأمين العام، A/HRC/34/38، الفقرات (45-48).

[8] الرد الذي قدم إلى محكمة العدل العليا الإسرائيلية في يوم 11 نيسان/أبريل 2018: محكمة العدل العليا، القضية (2777/18)، يوسف الكرنز وآخرون ضد قائد قوات الدفاع الإسرائيلية وآخرين.

[9] أعد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية دراسة الحالة هذه.