السيد راميش راجاسينجهام، مدير شعبة التنسيق، مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، بالنيابة عن توم فليتشر، وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ – الإحاطة المقدمة لمجلس الأمن بشأن غزة

[كما تم إلقاؤها]

شكرًا لكم، السيد الرئيس، 

إن المعاناة التي عاشتها غزة على مدى الشهور الاثني والعشرين الماضية تركت أثرها محفورًا في روحنا. 

وتملي علينا إنسانيتنا المشتركة أن نضع حدًا لهذه الكارثة غير المقبولة على الفور. 

السيد الرئيس، 

سأتناول اليوم ثلاث قضايا: 

أولًا، يساورني قلق بالغ إزاء النزاع الذي طال أمده والتقارير الواردة بشأن الفظائع والخسائر البشرية المتزايدة التي يرجَّح أن تتكشف فصولها عقب القرار الذي اتخذته حكومة إسرائيل بتوسيع عملياتها العسكرية في غزة. 

فهذا يُعَدّ تصعيدًا خطيرًا في نزاع تسبّب في معاناة تفوق التصور بالفعل. 

على مدى فترة تزيد عن 670 يومًا الآن، لم يزل الفلسطينيون في غزة يتعرضون للقتل والإصابة في كل يوم. فقد قُتل أكثر من 61,000 شخص، بمن فيهم ما لا يقل عن 18,000 طفل، وأُصيب 151,000 آخرين، وذلك وفقًا لوزارة الصحة في غزة. 

وفي الوقت نفسه، يُعتقد بأن 50 رهينة ما زالوا في غزة – ويُحتجز الأحياء منهم في ظروف لاإنسانية ومروّعة. 

ولا يزال الآلاف من الفلسطينيين، بمن فيهم النساء والأطفال، رهن الاعتقال في إسرائيل – حيث يُحتجز العديد منهم دون توجيه تهم إليهم أو خضوعهم للمحاكمة، أو دون توفير الضمانات المطلوبة لهم. 

وقد تخطينا مرحلة قاتمة في مجالنا، مجتمع العمل الإنساني، إذ قُتل حوالي 500 عامل وعاملة في المجال الإنساني في غزة منذ تصعيد الأعمال القتالية، بمن فيهم 167 امرأة على الأقل. وتتواصل الحملات التي تستهدف تشويه عمليات تقديم المعونات بلا هوادة. ومع اقتراب يوم العمل الإنساني العالمي، علينا أن نصرّ على حماية جميع العاملين في مجال تقديم المعونات. 

السيد الرئيس، 

ثانيًا، لقد بلغت الأوضاع الإنسانية مستوى من الرعب يفوق التصور. فقد نفدت منا الكلمات التي تسعفنا لكي نأتي على وصفها. فما تبقى من شرايين الحياة بات غدا ينهار تحت وطأة الأعمال القتالية المتواصلة والتهجير القسري والمستويات غير الكافية من المساعدات المنقذة للحياة. 

والوفيات الناجمة عن الجوع في ازدياد، ولا سيما بين الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية الحاد. فمنذ حالة التصعيد التي شهدتها الأعمال القتالية في شهر تشرين الأول/أكتوبر 2023، وثّقت السلطات الصحية في غزة وفاة 98 طفلًا بسبب سوء التغذية الحاد الوخيم، من بينهم 37 طفلًا منذ يوم 1 تموز/يوليو، أي قبل ما يزيد عن شهر واحد بقليل. وبالتالي، ما عادت هذه أزمة جوع وشيكة – بل إنها مجاعة بكل بساطة ووضوح. 

ويحمل كل يوم إلينا صورًا مروعة لرجال ونساء وأطفال يُقتلون ويصابون في أثناء سعيهم اليائس للحصول على المساعدات. الوضع لا يُحتمل، وخاصة بالنسبة لكبار السن والأشخاص ذوي الإعاقة والأطفال المحرومين من رعاية والديهم والنساء الأرامل. 

لقد باتت غزة أثرًا بعد عين. فكل شخص تقريبًا في غزة تعرّض للتهجير القسري مرة واحدة على الأقل خلال العامين الماضيين. وأُجبر الفلسطينيون في قطاع غزة على التجمع في منطقة لا تتجاوز نسبتها 14 في المائة من مساحة القطاع، وذلك في مناطق تفتقر إلى الأمان والخدمات الأساسية والمأوى. ومن شأن أي توسيع إضافي للعمليات العسكرية أن يزيد هذه الظروف سوءًا. 

وتعيش الأسر في غزة في أوضاع يسودها انعدام الأمان والاكتظاظ، وبات كثير منها بلا مأوى. فوفقًا لمسح أجرته المنظمات الشريكة في مجال العمل الإنساني مؤخرًا وشمل نحو 6,500 أسرة، تبيّن أن 11 في المائة منها تعيش في العراء. ولم تتمكن أي منظمة – سواء كانت تابعة للأمم المتحدة أم غيرها – من إدخال إمدادات المأوى إلى غزة منذ يوم 2 آذار/مارس. ويثير انعدام المأوى اللائق القلق بوجه خاص مع اقتراب فصل الشتاء. 

وبالنظر إلى نطاق التهجير المتكرر والأحوال المعيشية الراهنة، يشكل منع إدخال إمدادات المأوى في حالات الطوارئ إخلالًا بالالتزام الذي يوجب السماح بإيصال الإغاثة الإنسانية إلى السكان المحتاجين. 

لقد انهار النظام الإنساني فعليًا. فالمستشفيات تفتقر إلى الحماية، والأطباء يطالهم القتل أو يودَعون رهن الاحتجاز، والمنشآت الصحية تعمل دون ما يكفيها من الإمدادات الطبية. 

والبنية التحتية للمياه والصرف الصحي في حالة من الانهيار، واللُّحمة الاجتماعية غدت تتفكك. 

فكيف يُتوقع من سكان غزة أن يبقوا على قيد الحياة في ظل هذه الظروف؟ 

السيد الرئيس،

النقطة الثالثة التي أطرحها: لقد يسرت «الهدن التكتيكية» العسكرية الأخيرة بعض التغييرات الإيجابية على صعيد العمل الإنساني. 

فقد سُمح بدخول كميات محدودة من الوقود، وفي 5 آب/أغسطس، وافقت السلطات الإسرائيلية على آلية لاستئناف إدخال السلع التجارية الخاضعة للرقابة بالتدريج إلى غزة. وأفضى ذلك إلى عودة أنواع مختلفة من المواد الغذائية إلى الأسواق وانخفاض طفيف في بعض الأسعار. 

وتحذرنا فرقنا الميدانية من أن تغييرًا ملموسًا في حياة السكان لا يزال أمرًا عصيّ المنال على الرغم من هذه التطورات، إذ لم تزل الأحوال الإنسانية على حالها إلى حد كبير. 

وما زالت الأوضاع الأمنية متقلبة، وما انفك القتال متواصلًا، ولم تزل ترتيبات العبور غير كافية. وقد تستغرق البعثات الإنسانية، حتى وإن باتت تواجه الرفض المباشر بوتيرة أقل، أكثر من 18 ساعة، إذ تبقى الفرق عالقة على طرق يكتنفها الخطر. 

وتدفع حالة اليأس الشديد الناس إلى تناول المعونات الإنسانية في أثناء نقلها – ولكن ينبغي ألا يكون هذا هو الحال. 

وقد رأينا أن أحداث النهب وانعدام الأمن يتراجعان ويبدأ بناء الثقة من جديد عندما تزداد المساعدات بسرعة وعلى نطاق واسع.