الجلسة غير الرسمية للجمعية العامة بشأن الحالة الإنسانية في قطاع غزة

السيد مارتن غريفيث، وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ

كما أُعِدّت للإلقاء 

السيد الرئيس، أصحاب السعادة، 

أشكر لكم إتاحة هذه الفرصة لإحاطة الدول الأعضاء حول آخر تطورات الحالة الإنسانية في قطاع غزة. 

كما تعلمون، لا تزال الأعمال القتالية الضارية متواصلة في شتّى أرجاء غزة جوّا وبحرا، والآن بّرا. 

ولا تزال أعداد الضحايا في ازدياد، حيث تُفيد التقارير بأن عدد الموتى يتجاوز 11,000 شخصًا – غالبيتهم من الأطفال والنساء. ومع ذلك، فمن المحتمل أن العدد الكلي الفعلي أعلى بكثير بالنظر إلى أنه لم يجرِ تحديث الأرقام على مدى خمسة أيام بسبب انهيار شبكات الاتصالات في غزة. 

لقد دُمّر أكثر من 41,000 وحدة سكنية أو أصابتها أضرار فادحة – وهو ما يبلغ نسبة تقارب 45 في المائة من رصيد المساكن في غزة. إن طبيعة الأضرار التي تلحق بالمدنيين ونطاقها تعد سمة مميزة لاستخدام الأسلّحة المتفجرة ذات الآثار الواسعة النطاق في هذه المنطقة المكتظة بالسكان. وقد ذُكّرتُ بأن يوم غدٍ يصادف الذكرى السنوية الأولى لاعتماد الإعلان السياسي بشأن تعزيز حماية المدنيين من العواقب الإنسانية الناجمة عن استخدام الأسلحة المتفجرة في المناطق المأهولة بالسكان. وليس ثمة تذكير أكبر من الأهمية التي ينطوي عليها التأييد العالمي لهذا الإعلان ووضعه موضع التنفيذ. 

ويقدَّر بأن ما يزيد عن 1.5 مليون غزّي باتوا مُهجّرين. فقد فرّ العديد من هؤلاء إلى الجنوب بحثًا عن الأمان النسبي، ولم يطُل بهم الأمر حتى أُخبروا بأن يتوجهوا الآن – والكثير منهم للمرة الثانية – نحو الغرب. 

ومع ذلك، لا يزال مئات الآلاف في الشمال، حيث تدور أشرس المعارك واعمال القصف. 

ولا يتوفر سوى النزر اليسير من الرعاية الطبية أو لا تتوفر على الإطلاق في شمال غزة. فمن بين 24 مستشفى تملك القدرة على استيعاب المرضى المقيمين في الشمال، لا يزاول سوى مستشفى واحد، وهو المستشفى الأهلي في مدينة غزة، عمله ويستقبل المرضى. 

وأغلق 18 مستشفى أبوابها وجرى إخلاؤها منذ نشوب الأعمال القتالية. 

وتُقدّم خمس مستشفيات أخرى، بما فيها مستشفى الشفاء، خدمات محدودة للغاية للمرضى الذين جرى إدخالهم إليها بالفعل. ولا تتيسر فرص موثوقة للوصول إلى هذه المستشفيات بسبب انعدام الأمن، ولا تصلها إمدادات الكهرباء ولا اللوازم الطبية ولا تستقبل مرضى جددًا. 

لقد رأينا كلنا القتال داخل مستشفى الشفاء وفي محيطه خلال الأيام القليلة الماضية. وحريّ بي، مرة أخرى، أن أوضح أنه يجب على جميع الأطراف أن تحمي المدنيين والأعيان المدنية بموجب القانون الدولي الإنساني. وتحظى المستشفيات بحماية خاصة لضمان أن المصابين والمرضى يحصلون على الرعاية الطبية. وهذا يعني أنها ينبغي ألا تُستخدم لحماية الأهداف العسكرية من الهجمات. كما يعني ذلك أنه حتى فقدت المستشفيات الحماية الواجبة لها، يجب استخدام التحذيرات وغيرها من الاحتياطات لتجنب إلحاق الضرر بالمدنيين، ويرد حظر مطلق على الهجمات غير المتناسبة بالطبع. 

وفي شتّى أرجاء غزة، وفي الشمال على وجه الخصوص، تشهد إمدادات الغذاء والمياه انخفاضًا على نحو خطير، ويعني نفاد الوقود أن الاتصالات وغيرها من الوظائف الأساسية، كتحلية المياه، باتت تتلاشى بالتدريج. 

وفي الجهة المقابلة من الحدود، يكابد المدنيون في إسرائيل ألمهم العميق وهم يرثون 1,200 شخص طالهم القتل الوحشي. وتظهر تفاصيل جديدة عن الفظائع التي شهدها يوم 7 تشرين الأول/أكتوبر في كل يوم. ولا تزال الصواريخ تُطلق باتجاه المناطق الآهلة بالسكان، وغدا عشرات الآلاف من الأشخاص مُهجّرين. 

ويواجه نحو 240 رهينة، من الأطفال الرّضع إلى من هم في الثمانينيات من أعمارهم، يومهم الواحد والأربعين في الأسر. يجب إطلاق سراحهم على الفور ودون شروط. وفي هذه الأثناء، يجب أن يلقى هؤلاء معاملة إنسانية وأن يُسمح لهم بتلقي الزيارات من اللجنة الدولية للصليب الأحمر. 

وسيقدم زملائي من وكالات الأمم المتحدة وإداراتها الأخرى، وهم السيد فيليب لازاريني (وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين – الأونروا)، والدكتور تيدروس (منظمة الصحة العالمية)، والسيد أخيم شتاينر (برنامج الأمم المتحدة الإنمائي)، والسيد فولكير تورك (المفوضية السامية لحقوق الإنسان)، والسيدة سيندي ماكين (برنامج الأغذية العالمي)، ود. نتاليا كانيم (صندوق الأمم المتحدة للسكان) والسيدة لانا وريكات (منظمة الأمم المتحدة للطفولة – اليونيسف)، الذين ينضمون إلينا اليوم المزيد من التفاصيل عن الحالة المروّعة على الأرض. 

ولكن ما من شك في أن هذه الأزمة أزمة إنسانية لا يمكن احتمالها ولا يمكن أن تستمر بأي من المقاييس. ففي العديد من الجوانب، يبدو أن القانون الدولي الإنساني قد انقلب رأسًا على عقب. 

إننا نرحب، في هذا المقام، بالقرار 2712 (2023) الذي اعتمده مجلس الأمن يوم الأربعاء، والذي يؤكد مجددًا أنه يجب على الأطراف كافة أن تتقيد بالالتزامات القانونية الدولية الملقاة على عاتقها. وبالطبع، فإن هذا القرار ينضم إلى الموقف القوي الذي أعربت الجمعية العامة عنه في القرار الذي اتخذته في 26 تشرين الأول/أكتوبر بشأن حماية المدنيين في الأرض الفلسطينية المحتلة وإسرائيل. 

وأود، في هذا الصباح، أن أبيّن ما نرى نحن في مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية أنه يُشكّل المقتضيات الضرورية للاستجابة الإنسانية. 

ثمة عشر نقاط، تُعدّ بمجموعها ممارسة متبعة لدى العاملين في المجال الإنساني، ويقوم معظمها في أساسه على الالتزامات التي ينص القانون الدولي الإنساني عليها بشأن توخي العناية الدائمة للحفاظ على حياة المدنيين والوفاء باحتياجاتهم الأساسية، بطرق منها تيسير مرور الإغاثة الإنسانية على وجه السرعة ودون عقبات. 

أولًا: يجب أن نملك القدرة على الانتقال من تقديم المساعدات غير المنتظمة إلى التدفق المستمر للمعونات. فالناس المحتاجون والمنظمات الإنسانية تحتاج إلى التأكد من أن المعونات سوف تصل. 

ثانيًا: نقاط عبور أكثر إلى غزة لإيصال المعونات والشحنات التجارية من المواد الأساسية. فالتعامل مع الحجم الضخم للاحتياجات في جميع أنحاء غزة من خلال معبر واحد في الجنوب يُعد مستحيلًا من الناحية اللوجستية. فعلى أقل تقدير، نحن في حاجة إلى الإذن باستخدام معبر كرم أبو سالم، الذي كانت 60 في المائة من السلع تُورَّد عبره قبل اندلاع الأعمال القتالية في تشرين الأول/أكتوبر. 

ثالثًا: الوقود. حسبما أكدنا مرارًا وتكرارًا، لا يُستغنى عن الوقود من أجل توزيع المعونات في جميع أنحاء غزة وتسيير عمل الخدمات الأساسية. وبعبارة أخرى، الوقود ضروري لإبقاء الناس على قيد الحياة. وخلال الأيام القليلة الماضية، سُمح للأونروا باستلام 24,000 لتر من الوقود على مدى يومين لتوزيع المعونات داخل غزة. وهذا أمر جدير بالترحيب، غير أنه ليس سوى جزء ضئيل مما هو مطلوب للوفاء بالحد الأدنى من مسؤولياتنا الإنسانية في غزة. ولكي نفعل ذلك، فالمطلوب هو عشرة أضعاف هذه الكمية – أو 200,000 لتر – يوميا. 

رابعًا: نحتاج إلى ضمانات أمنية وتسهيلات إضافية لإقامة مراكز لتوزيع المعونات، ولا سيما في جنوب غزة. وسوف تكون هذه المراكز عبارة عن مواقع يعرف الأشخاص أنهم يستطيعون الحصول على المعونات منها ونقاط انطلاق لتقديم المعونات على نحو شامل. 

خامسًا: وصول المنظمات الإنسانية بأمان ودون عقبات لتقديم المعونات في جميع أنحاء غزة. وهذا يستدعي تيسير إمكانية الوصول وضمانات لأمن العاملين في المجال الإنساني والأصول الإنسانية. 

وهذا يقودني إلى النقطة السادسة: نظام محسَّن للإبلاغ عن العمليات الإنسانية. وهذا يُعنى بالتأكد من أن الأطراف تملك المعلومات التي تحتاج إليها لكي تفي بالالتزامات التي ترتب عليها احترام العمليات الإنسانية وتسهيلها. 

سابعًا: يجب السماح للمدنيين بالانتقال إلى مناطق أكثر أمنًا، والعودة طوعًا إلى أماكن إقامتهم عندما تتيح الظروف ذلك. 

وهذا يرتبط ارتباطًا مباشرًا بالنقطة الثامنة: نحتاج إلى زيادة عدد مراكز الإيواء لاستيعاب المدنيين المُهجّرين في شتّى أرجاء غزة. لقد لجأ مئات الآلاف حتى الآن إلى منشآت الأونروا. وتُشكّل هذه المراكز والجهود البطولية التي تبذلها الأونروا الحد الفاصل بين النجاة والمأساة بالنسبة للكثير من هؤلاء الأشخاص. ولكن هذه المنشآت تعاني من الاكتظاظ وتنوء بأعباء هائلة وترزح تحت وطأة أعداد المُهجّرين. ونحن في حاجة إلى زيادة عدد المواقع والمنشآت، وخاصة في الجنوب الذي لا يزال مئات آلاف المدنيين يحطون رحالهم فيه. 

تاسعًا: التمويل. لا يمكن للعمليات الإنسانية أن تمضي قدمًا دون الأموال اللازمة لتمويلها. ويصل نداء الطوارئ من أجل غزة إلى 1.2 مليار دولار. وقد تلقينا حتى الآن 132 مليون دولار. ولكي نقوم بعملنا ونصل إلى كل هؤلاء الناس المحتاجين، فإننا في حاجة إلى الأموال لكي نفعل ذلك. 

عاشرًا: وقف إطلاق النار لدواعٍ إنسانية. سمّوه ما شئتم، ولكن هذا الطلب طلب بسيط من وجهة نظر إنسانية. أوقفوا القتال من أجل السماح للمدنيين بالانتقال بأمان. افعلوا ذلك طالما كان الأمر ممكنًا من أجل تيسير العمل على تقديم استجابة إنسانية دون عقبات. امنحوا الناس في غزة متنفسًا من الأشياء الفظيعة التي ألمّت بهم خلال هذه الأسابيع القليلة المنصرمة. أفرجوا عن كل الرهائن دون شروط. 

إننا في حاجة إلى كامل نفوذ عضوية الأمم المتحدة لإنجاز هذه الأهداف. نحن لا نطلب المستحيل. إننا نطلب تدابير أساسية لا بد منها للوفاء بالاحتياجات الأساسية لدى السكان المدنيين ووقف لهذه الأزمة. 

إن الوضع في غزة، وعلى قدر ما هو مفجع، قد يزداد سوءًا إلى حد أكبر. 

تساورني مخاوف حقيقية من أننا إذا لم نتخذ إجراءً الآن، فإن هذا النزاع قد يمتد إلى بقاع أخرى من الأرض الفلسطينية المحتلة ويجرّ المنطقة إلى أتون حريق جائح تترتب عليه تداعيات كارثية أكبر بكثير. 

شكرًا لكم.