التأثير الإنساني لحكومة منقسمة

بقلم روبرت بايبر

كأن 49 عاما من الاحتلال وتسع سنوات من الإغلاق لم تلحق ما يكفي من المعاناة للفلسطينيين الأبرياء، لتجيء هذه الانقسامات التي طال أمدها بين فتح وحماس وتزيد الأمور سوءا على الناس وبالأخص على أهل غزة. وعلى الرغم من أنه تم تعيين حكومة الوفاق الوطني في نيسان 2014، إلا أنه يبدو ان الفجوة بين رام الله وغزة اّخذة بالاتساع لا على العكس.

نتيجة لذلك، فإن الكثير من حاجات وحقوق أهل غزة، التي دمرتها أصلا سياسات الاحتلال، كالتعليم، والصحة، والرفاه الاجتماعي، والمياه، والخدمات البلدية، لا تحظى حاليا إلا بتلبية جزئية في أفضل الحالات. إن الأزمة القائمة خلفت عشرات الآلاف من الموظفين الحكومين الذين لم يتقاضوا رواتبهم بشكل كامل منذ أيار 2014. كما أن التنسيق الرسمي بين الوزارات الحكومية بائس، أو في بعض الحالات غير موجود أصلا. وان الافتقار إلى سلطة واضحة يعكس نفسه في الافتقار في اتخاذ القرارات، والتخطيط، ووضع الأولويات.

في قطاع الصحة مثلا، فإن %40 من موظفي وزارة الصحة بمن فيهم من أطباء وممرضين، لم يتقاضوا رواتبهم بشكل كامل منتظم منذ أيار 2014. كما أن العمل لساعات مخفضة، والإضرابات، ونقص الموظفين أصبحت أمور شائعة. والتعاون بين رام الله وغزة فيما يتعلق بتوفير الأدوية واللوازم الطبية الرئيسية أصبح غير ثابت، وبالاضافة الى النقص في الأدوية الذي هو سبب رئيس للتحويلات العلاجية إلى الخارج. وان كل ذلك يخلف تأثير عميق على المواطن الفلسطيني العادي الذي يحاول الحصول على الرعاية الصحية في قطاع غزة، إذ أن ذلك يعني الانتظار إلى ما يمكن أن يصل إلى 24 شهرا لإجراء جراحة انتقائية، وتأخيرات طويلة للإجراءات التشخيصية، كتشخيص عينات أنسجة لمرضى السرطان، ويعني ذلك قوائم انتظار طويلة من أجل الحصول على تدخلات لعلاج أمراض مزمنة إذا لم تكن أمراضا مهددة للحياة، ما يمكن أن يعني أيضا تدهورا في الصحة العامة. وفي بعض الأحيان، يضطر المرضى إلى التعايش مع أمراض مزمنة بلا ضرورة، بينما تتوفر غرف عمليات دون تشغيلها بسبب نقص الكوادر أو عدم توفر التجهيزات اللازمة.  

في قطاع التعليم، هنالك نقص لا يقل عن 600 معلم بسبب عدم توفر التمويل اللازم لتعيينات جديدة. وتضطر الكثير من المدارس إلى الاعتماد على عائدات المقصف (الكانتين) فيها بسبب عدم توفر مخصصات موازنة عادية للتكلفة التشغيلية. ولم تعد تتوفر للعاملين الاجتماعيين في وزارة الشؤون الاجتماعية أجرة مواصلات، للقيام بالتحقيق في تقارير بشأن تعرض أطفال للأذى في بيوتهم. كما لا تتوفر للوزارة إمكانية تعيين 160 "مدير حالة" نقدر بأنه ينبغي توظيفهم لتقديم الدعم الفردي لحوالي 33,000 طفل من الأطفال الأكثر ضعفا في غزة، والذين معظمهم من الأيتام، والجرحى وذوي الإعاقة. أما الدفاع المدني في غزة، فإنه غير جاهز للاستجابة لأية حالة طارئة كبيرة، سواء كانت طبيعية أو من صنع الإنسان، حيث أن أكثر من %60 من مرافقه ومعداته في حالة متردية على نحو متزايد.

أما بالنسبة لعمل محطة الكهرباء في غزة، التي توفر %30 من إمدادات الكهرباء المحدودة للقطاع، فإنه يتكرر وقوعه ضحية للنزاعات بين رام الله وغزة، حول الترتيبات الخاصة بإمدادات الوقود والضرائب. وقد أدى تعطله بسبب نسبة الإعفاء الضريبي لوقود المحطة، إلى انقطاع الكهرباء 18-20 ساعة يوميا في أواسط نيسان. إن وقود الطوارئ الممول من قبل المانحين، والذي تقوم الأمم المتحدة بتوزيعه، هو فقط ما يبقي المرافق الرئيسية للمياه، والصرف الصحي، والمرافق الصحية مستمرة في العمل دون انقطاع.

لا يمكن أن يستمر الحال كما هو عليه، والحل الشامل هو حل سياسي طبعا، يتجاوز ما يستطيع العاملين في الحقل الانساني تقديمه. هنالك بعض الخطوات المؤقتة الواضحة لتخفيف هذه المعاناة على المدى القصير، مثلا كتحسين الاتصال بين وزارات الضفة الغربية وقطاع غزة، وإعادة تفعيل اللجان الفنية بين جناحي الوزارات، وإعادة النظر في مخصصات الخدمات الرئيسية كالصحة، والتعليم، والرفاه الاجتماعي في ظل الوضع الإنساني الأليم، أو تقديم دفعات طوارئ إضافية، على الأقل لمقدمي الخدمات الرئيسية، كالعاملين في مجال الصحة، والمعلمين. إلا أن كل هذا في الحقيقة هو ثانوي. تسع سنوات هي مدة طويلة جدا. لقد جُربت الحلول المؤقتة. فلسطين بحاجة إلى التوحد تحت حكومة ديموقراطية إذ إن تكلفة الفشل في ذلك تزداد وتتصاعد، وأشد من تصيب هم المواطنين الأكثر ضعفا. ان الأمم المتحدة مستعدة لتقديم المساعدة بكل ما تستطيع، إلا أن نقطة البداية تكمن في مكان آخر.

* مقال رأي بقلم روبرت بايبر، منسق الأمم المتحدة للشؤون الانسانية والأنشطة التنموية في الأرض الفلسطينية المحتلة. نشر في جريدة القدس.