كما تم إلقاؤها
السيد الرئيس، أعضاء المجلس،
بينما أقدّم هذه الإحاطة اليوم، أستحضر الرسائل السابقة التي وجّهناها إلى هذا المجلس خلال الأشهر الماضية وحذرنا فيها من أن المجاعة – التي كانت تُعَدّ أحد السيناريوهات الأسوأ حينها – غدت أكثر احتمالًا الآن.
ففي 22 آب/أغسطس، أكدت لجنة استعراض المجاعة التابعة للنظام المتكامل لتصنيف مراحل الأمن الغذائي أن محافظة غزة تشهد وقوع المجاعة فيها الآن، ومن المتوقع أن يتسع نطاقها ليشمل دير البلح وخانيونس بحلول نهاية شهر أيلول/سبتمبر.
اسمحوا لي أن أشارككم بعض الأرقام:
يواجه أكثر من نصف مليون إنسان حاليًا الجوع، والعوز الشديد والموت. وقد يتخطى هذا العدد 640,000 شخص بحلول نهاية شهر أيلول/سبتمبر.
بات نحو مليون شخص في المرحلة الرابعة (الطوارئ) من مراحل النظام المتكامل لتصنيف مراحل الأمن الغذائي، وما يزيد عن 390,000 شخص في المرحلة الثالثة (الأزمة) من هذا التصنيف. وما من أحد في غزة لم يمسّه تقريبًا.
ومن المتوقع أن يعاني ما لا يقل عن 132,000 طفل دون سن الخامسة من سوء التغذية الحاد من الآن وحتى منتصف سنة 2026. وتضاعَف عدد الأطفال المعرضين لخطر الموت ثلاث مرات، إذ زاد عن 43,000 طفل. أما بالنسبة للنساء الحوامل والمراضع، فمن المتوقع أن يرتفع عدد المعرضات منهن للخطر من 17,000 إلى 55,000 امرأة.
وسيتناول زميلتي من منظمة أنقذوا الأطفال هذه المسألة بوجه أكبر من التفصيل. ولا تزال معاناة الأطفال من أشد الجوانب إيلامًا في هذه الأزمة.
السيد الرئيس،
ثمة قصص إنسانية وراء هذه الأرقام الصادمة – أبناء وبنات، أمهات وآباء. ومستقبل ضاع وتجمعات سكانية أضناها الإنهاك.
وقد وُجِّهت الدعوة للجنة استعراض المجاعة خمس مرات لتقييم حالة الأمن الغذائي والتغذية في غزة. وأصدرنا تحذيرات واضحة بعد كل تقييم. كما قدّمنا لهذا المجلس تقريرين بموجب القرار 2417 (2018) بشأن النزاع والجوع – كان أولهما في شهر شباط/فبراير 2024، وثانيهما في شهر حزيران/يونيو من هذه السنة.
لنكن واضحين: ليست هذه المجاعة نتيجة جفاف أو كارثة من الكوارث الطبيعية، وإنما هي كارثة من صنع الإنسان – نتيجة نزاع أسفر عن سقوط أعداد كبيرة من القتلى والمصابين المدنيين، ودمار هائل وتهجير جماعي. فوفقًا لتقديرات وزارة الصحة في غزة، قُتل أكثر من 100 فلسطيني يوميًا في المتوسط خلال الشهر الماضي – وهذا يقارب ضعف متوسط الحصيلة اليومية التي سُجلت في شهر أيار/مايو. وخلال الفترة نفسها، هُجِّر نحو 800,000 إنسان مجددًا إلى مناطق مكتظة تفتقر إلى المأوى وغيره من الضروريات الأساسية.
وهذه المجاعة ناجمة عن 22 شهرًا من الإجراءات التي تقيّد إيصال المساعدات الإنسانية والسلع التجارية وتعرقلها، وتدهور أنظمة الصحة والتغذية، وانعدام المأوى اللائق وانهيار شبكات المياه والصرف الصحي والنظافة الصحية، مما سرّع من وتيرة انتشار الأمراض وحوّل النظافة الصحية في أثناء الدورة الشهرية إلى كابوس للنساء والفتيات.
وتحدث المجاعة في غزة نتيجة لتدمير منظومة الإنتاج الزراعي كذلك، إذ لحقت الأضرار بما نسبته 98 في المائة من الأراضي الزراعية أو ما عاد يمكن الوصول إليها، على حين جرى القضاء على الثروة الحيوانية، حسبما أطلعنا مساعد الأمين العام الأكبروف عليه.
السيد الرئيس،
لقد شهدنا زيادة في المساعدات التي دخلت غزة في الأسابيع الماضية، بما شمله ذلك من زيادة عدد الشاحنات وصهاريج الوقود. فخلال هذه الفترة، أدخلت الأمم المتحدة وشركاؤنا ما لا يقل عن 12,000 طن متري من دقيق القمح، ودعمنا 80 مطبخًا تقدم 400,000 وجبة يوميًا، وأدخلنا الأغذية العلاجية لصالح 30,000 طفل يعانون من سوء التغذية لمدة شهر، وأوصلنا الشاحنات المحملة بالإمدادات الطبية الحيوية، بما فيها وحدات الدم وأمّنّا وصول المياه النظيفة إلى أكثر من 1,000 موقع، فضلًا عن توزيع لوازم النظافة الصحية وصيانة الشبكات.
كما استُؤنف مرور قدر محدود من السلع التجارية خلال الأسابيع الماضية. وقد ساعد ذلك في خفض أسعار السلع الأساسية، على الرغم من أنها لا تزال مرتفعة وبعيدة في معظمها عن متناول عدد كبير من السكان.
وبعد توقف طويل، استؤنف إدخال علف المواشي أيضًا خلال الأيام القليلة الماضية.
هذه تطورات مهمة، ولكنها لن تعكس مسار المجاعة ولن توقفها في مهدها.
فمن أجل الوفاء باحتياجات 2.1 مليون إنسان يتضوّرون جوعًا ويعانون من الجوع، نحن في حاجة إلى المزيد، بل إلى الكثير الكثير. إننا في حاجة إلى إدخال كميات أكبر من المساعدات المنقذة للحياة وتوصيلها. ونحتاج إلى رفع القيود المفروضة على المواد الأساسية. ونحتاج إلى وقف حالات التأخير والرفض التي تعوق عملنا كل يوم.
وأود أن أشكر السيد الأكبروف على قيادته بصفته منسق الشؤون الإنسانية في الميدان، وخصوصًا على مساعيه المستمرة لمعالجة القيود الخطيرة التي نواجهها.
السيد الرئيس،
القانون الدولي الإنساني هو أحد الضمانات الأساسية للحماية من الجوع في أوقات النزاع.
فهو يحرّم تجويع المدنيين كما لو كان أسلوبًا من أساليب الحرب، ويمنع شن الهجمات على الأعيان التي لا يستغنون عنها لبقائهم على قيد الحياة – كالغذاء والمياه والبنية التحتية الزراعية. كما يُلزِم أطراف النزاع بتوخّي الحيطة الدائمة لحماية المدنيين والأعيان المدنية في جميع العمليات العسكرية.
وينص على حماية العاملين في المجال الإنساني وأصولهم في جميع الأوقات وتيسير إيصال الإغاثة الإنسانية دون عقبات.
ولا يزال هناك متسع من الوقت للتحرك والعمل.
السيد الرئيس،
قبل أن أختتم إحاطتي، ينبغي ألا ننسى التدهور الذي تشهده الضفة الغربية، حيث تؤدي العمليات العسكرية التي تتسم بطابع حربي، وعنف المستوطنين والسياسات التمييزية إلى تفاقم الاحتياجات الإنسانية وزيادة ضعف السكان المدنيين. وتهدد الموافقة الأخيرة على بناء أكثر من 3,000 وحدة استيطانية سكنية بموجب خطة (E1) بالإمعان في تجزئة الضفة الغربية وتعرّض 18 تجمعًا بدويًا، تضم ما يربو على 3,500 شخص، لخطر التهجير القسري، مما يعرقل وصولهم إلى الخدمات الأساسية.
السيد الرئيس، أعضاء المجلس،
إن الإخفاق في التحرك الآن ستكون له عواقب لا يمكن تداركها.
ويجب على هذا المجلس وعلى جميع الدول الأعضاء أن يعملوا فورًا على ضمان:
وقف فوري ومستدام للأعمال القتالية في غزة لمنع إزهاق المزيد من الأرواح والحيلولة دون توسّع المجاعة.
ثانيًا، إطلاق سراح جميع الرهائن فورًا ودون شروط.
ثالثًا، حماية المدنيين والبنية التحتية الحيوية، بما فيها تلك التي لا يستغنون عنها للبقاء على قيد الحياة، وضمان استمرار عمل أنظمة الغذاء والصحة والمياه والصرف الصحي والنظافة الصحية.
رابعًا، وصول المساعدات الإنسانية بأمان وسرعة ودون عراقيل عبر جميع نقاط الدخول ولكل من هم في حاجة إليها في شتى أرجاء قطاع غزة. وهذا يشمل إيصال المساعدات الإنسانية المتعددة القطاعات على نحو عاجل وواسع النطاق في جميع أنحاء قطاع غزة، بما فيها المواد الضرورية للبقاء، كالإمدادات الغذائية والتغذوية والأدوية والمياه والمأوى والوقود وغيرها.
خامسًا، استئناف تدفق السلع التجارية الأساسية على نطاق واسع، واستعادة أنظمة الأسواق والخدمات الأساسية والإنتاج الغذائي المحلي.
إن إنهاء هذه الأزمة التي صنعها الإنسان يقتضي منا أن نتخذ إجراءً كما لو كان من يحاول النجاة في غزة اليوم هو أمنا أو أبونا أو طفلنا أو أسرتنا.
علينا جميعًا أن نبذل المزيد – وعلى جناح السرعة.
شكرًا لكم.