نيويورك، 13 أيار/مايو 2025
[كما تم إلقاؤها]
السيد رئيس المجلس وأعضاؤه:
تُعَدّ إحاطتكم بهذا الموضوع مرةً أخرى مهمة تبعث على الكآبة.
قبل أن أستهلّ إحاطتي، أطلب إليكم أن تفكروا – للحظة – في العمل الذي سنقول للأجيال المقبلة إن كلًا منا أنجزه من أجل وقف فظائع القرن الحادي والعشرين التي نشهدها كل يوم في غزة.
فهذا سؤال سوف نسمعه، بنبرة يَسِمها الارتياب أحيانًا والغضب أحيانًا أخرى - بيد أنه سوف يبقى حاضرًا - طيلة حياتنا.
من المؤكد أننا سوف ندّعي جميعًا أننا كنا نعارضه؟ وربما سنقول إننا أصدرنا بيانًا؟ أو أننا كنا على ثقة من أن الضغط الخاص قد ينجح، على الرغم من وجود الكثير من الأدلة التي تثبت عكس ذلك؟
أو نتظاهر بأننا كنا نعتقد أن هجومًا عسكريًا يتّسم بقدر أكبر من الوحشية كان يتيح فرصة أكثر مواتاةً لإعادة الرهائن إلى ديارهم من المفاوضات التي أعادت عددًا كبيرًا من الرهائن إلى أوطانهم؟
ربما يتذكر البعض أنه كان لدينا أولويات أخرى في عالم قائم على إبرام الصفقات.
أو ربما سنستخدم تلك الكلمات الفارغة: «لقد بذلنا كل ما في وسعنا.»
سيدي الرئيس،
دعوني أن استهلّ إحاطتي بما نراه وبما يكلّفنا هذا المجلس برفعه إليه.
إن إسرائيل تفرض عمدًا ودون خجل ظروفًا غير إنسانية على المدنيين في الأرض الفلسطينية المحتلّة.
فلمدة تزيد عن 10 أسابيع، لم يدخل غزة أي شيء – لا طعام ولا دواء ولا ماء ولا خيام.
ومرةً أخرى، هُجِّر مئات الآلاف من الفلسطينيين قسرًا وحوصروا في مساحات ما انفكت تتضاءل، إذ يقع ما نسبته 70 في المائة من أراضي غزة داخل المناطق العسكرية الإسرائيلية أو تخضع لأوامر التهجير.
وكما ستوضّح زميلتي من منظمة الأغذية والزراعة، فإن كل فرد من بين 2.1 مليون فلسطيني في قطاع غزة يواجه خطر المجاعة. إن فردًا من كل خمسة أفراد يواجه المجاعة.
على الرغم من الواقع الذي يقول إنكم موّلتم الأغذية التي في وسعها أن تنقذهم.
والمستشفيات القليلة التي نجت من القصف بطريقة أو بأخرى ترزح تحت أعباء هائلة. والمسعفون الذين نجوا من الهجمات التي تشنّها الطائرات المسيّرة والقناصة عاجزون عن متابعة الإصابات وانتشار الأمراض.
وحتى هذا اليوم الذي نحن فيه، قُصف مستشفى غزة الأوروبي في خانيونس مرة أخرى، وأفادت التقارير بوقوع عدد أكبر من الإصابات بين المدنيين.
وأستطيع أن أخبركم عقب زيارتي لما تبقى من النظام الطبي في غزة أن الموت على هذا النطاق له صوت ورائحة لا تفارقانكم. فحسب الوصف الذي ساقه أحد العاملين في المستشفى، «تعلو صرخات الأطفال ونحن نزيل القماش المحترق عن جلودهم...»
ومع ذلك، فنحن نسمع أننا «بذلنا كل ما في وسعنا.»
سيدي الرئيس،
إن استجابتنا، بوصفنا عاملين في المجال الإنساني، تكمن في توجيه طلب واحد إلى هذا المجلس: دعونا نؤدّي عملنا.
فالأمم المتحدة وشركاؤنا يسعون جاهدين إلى استئناف تقديم المساعدات الإنسانية على نطاق واسع في جميع أنحاء غزة بما يتماشى مع المبادئ الإنسانية الأساسية المتمثلة في الإنسانية والحياد والاستقلال والنزاهة.
لدينا خطة. وقد أثبتنا قدرتنا على تقديم المساعدات، إذ وصلت عشرات الآلاف من الشاحنات في أثناء فترة وقف إطلاق النار. ولدينا إمدادات منقذة للحياة جاهزة على الحدود.
وفي وسعنا أن ننقذ حياة مئات الآلاف من الناجين. ولدينا آليات صارمة لضمان وصول معوناتنا إلى المدنيين، وليس إلى حماس.
ولكن إسرائيل تمنعنا من الوصول، وتضع هدفها المتمثل في إخلاء غزة من السكان قبل حياة المدنيين. من السيئ بما فيه الكفاية أن الحصار لا يزال مستمراً. كيف يكون رد فعلكم عندما يتباهى الوزراء الإسرائيليون بذلك؟
أو عندما تتواصل الهجمات على العاملين في المجال الإنساني وانتهاك امتيازات الأمم المتحدة وحصاناتها، ناهيك عن القيود المفروضة على المنظمات الدولية وغير الحكومية؟
سيدي الرئيس،
لقد اعتمد هذا المجلس قرارات تطالب جميع أطراف النزاع بالامتثال للقانون الدولي الإنساني وحماية المدنيين، بمن فيهم العاملون في المجال الإنساني.
هذا تذكير بأن إسرائيل تقع على عاتقها التزامات واضحة بموجب القانون الدولي الإنساني أيضًا.
وأنها يجب أن تعامل المدنيين معاملة إنسانية وتحترم كرامتهم الإنسانية الأصيلة. وينبغي ألا ترحّل السكان المدنيين من الإقليم الذي تحتله أو تبعدهم أو تهجّرهم قسرًا منه.
يجب على إسرائيل، بوصفها السلطة القائمة بالاحتلال، أن توافق على تقديم المساعدة وتسهيلها.
ولذلك، ولمن لا يزال يتظاهر بالشك، فإن آلية التوزيع التي صمّمتها إسرائيل ليست هي الحل.
فهي تقصي الكثيرين عمليًا، بمن فيهم الأشخاص ذوو الإعاقة والنساء والأطفال وكبار السن والمصابين.
وتسبّب مزيدًا من التهجير.
وتعرّض الآلاف من الناس للخطر.
وترسي سابقة غير مقبولة على صعيد تقديم المساعدات، وليس ذلك في الأرض الفلسطينية المحتلّة وحسب، بل في جميع أنحاء العالم.
إنها تحصر تقديم المساعدات في بقعة واحدة دون غيرها في غزة، بينما تترك الاحتياجات الماسة الأخرى دون أن تجد ما يلبّيها.
وتجعل المساعدات مشروطة بأهداف سياسية وعسكرية.
وتحوّل التجويع إلى ورقة مساومة.
إنها مجرد عرض جانبي ساخر. وتشتيت متعمد. إنها ورقة التوت التي تغطي على المزيد من أعمال العنف والتهجير.
وإذا كان أي من ذلك لا يزال مهمًا، فلا يكوننّ لكم دور فيه.
سيدي الرئيس،
لغايات التوثيق الرسمي، لقد حاولنا. فقد اجتمعت الأمم المتحدة 12 مرة – وهذا الصباح مرة أخرى – مع السلطات الإسرائيلية من أجل مناقشة هذه الآلية المقترحة. وقد أردنا أن نجد طريقة تجعل ذلك ممكنًا.
شرحنا مرارًا وتكرارًا الحد الأدنى من الشروط لمشاركتنا بناءً على المبادئ الأساسية المستقرة منذ أمد بعيد: المساعدات التي تقوم في أساسها على تقييمات مستقلة لمن يحتاج إليها – الشروط الأساسية التي جرى اختبارها عالميًا والتي يطالب المانحون بها – والقدرة على تقديم المعونات للمحتاجين كافة أينما كانوا.
لقد حدّد الأمين العام القانون الدولي ذي الصلة في المذكرات التي رفعها إلى محكمة العدل الدولية.
وأدانت قراراتكم بشدة تجويع المدنيين باعتباره وسيلة من وسائل الحرب والحرمان غير القانوني من وصول المساعدات الإنسانية.
ويطالب القرار (2417) المجلس بأن يولي اهتمامه الكامل لانعدام الأمن الغذائي الناجم عن النزاع على نطاق واسع.
سيدي الرئيس،
لا يقتصر الأمر على غزة. فالعنف المروع تتزايد وتيرته في الضفة الغربية أيضًا، والحالة فيها هي الأسوأ منذ عقود.
استخدام الأسلحة الثقيلة ووسائل الحرب العسكرية والقوة المفرطة والتهجير القسري والهدم والقيود المفروضة على الحركة. التوسع الاستيطاني المتواصل وغير القانوني.
تُدمَّر تجمعات سكانية بأكملها وتُفَرَّغ مخيمات اللاجئين من سكانها.
والمستوطنات تتوسع، وعنف المستوطنين يتواصل بمستويات تثير القلق، وبدعم من القوات الإسرائيلية أحيانًا.
ففي الآونة الأخيرة، اختطف المستوطنون فتاة تبلغ من العمر 13 عامًا وشقيقها البالغ من العمر ثلاثة أعوام. وقد عُثر عليهما مربوطَين بجذع شجرة. فهل نقول لهما «إننا بذلنا ما في وسعنا»؟
سيدي الرئيس،
أخشى أن ثمة سياق أوسع هنا.
فعلى مدى الأشهر التسعة عشر الماضية، نقل الصحفيون الفلسطينيون والمجتمع المدني والأفراد الدمار الذي حلّ بهم للعالم في بث حي ومباشر. وقد استُهدف العديد منهم وقُتلوا بسبب شهاداتهم.
وخلال هذه الفترة، كان العاملون الدوليون في مجال تقديم المعونات يشكّلون الوجود المدني الوحيد في غزة، حيث يشاهدون الرعب الذي تتكشف فصوله ويرفعون التقارير بشأنه. نحن عيونكم وآذانكم.
ولا شك في أننا نشعر بثقل تلك المسؤولية تجاهكم، وتجاه المجتمعات التي نخدمها وتجاه العالم بأسره.
وبذلك، فقد أحطنا هذا المجلس وعلى وجه الإسهاب بالأضرار الفادحة التي تلحق بالمدنيين والتي نشهدها كل يوم: الموت والإصابات والدمار والجوع والمرض والتعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة والتهجير الذي ما انفك يتكرر على نطاق واسع.
وقد وصفنا العرقلة المتعمدة لعمليات الإغاثة والتدمير المنهجي لحياة الفلسطينيين، وما يدعمها، في غزة.
لذا، غدت هذه المعلومات لديكم. وتدرس محكمة العدل الدولية الآن ما إذا كانت هناك إبادة جماعية تحدث في غزة.
وسوف تقيَّم الشهادة التي أدلينا بها. ولكن سيكون الأوان قد فات.
وأشارت محكمة العدل الدولية، وهي تعي الطابع الملحّ لهذه الحالة، إلى تدابير مؤقتة واضحة يجب تنفيذها الآن، بيد أنها لم تنفَّذ.
وأشارت الاستعراضات السابقة التي تناولت إجراءات الأمم المتحدة في الحالات التي شهدت انتهاكات واسعة النطاق للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني – التقارير بشأن ميانمار في سنة 2019، وسريلانكا في سنة 2012 وسربرنيتكا ورواندا في سنة 1999 – إلى فشلنا الجماعي في التحدث عن حجم الانتهاكات في أثناء ارتكابها.
لذلك، فمن أجل القتلى ومن أُسكتت أصواتهم: ما الذي تحتاجون إليه من أدلة إضافية؟ هل ستتحركون الآن - بحزم - لمنع الإبادة الجماعية وضمان احترام القانون الدولي الإنساني؟
أم ستقولون بدلًا من ذلك، «لقد بذلنا كل ما في وسعنا.»
سيدي الرئيس،
هذا التدهور الذي يصيب القانون الدولي له أثر مدمّر وينتشر كما لو كان عدوى. إنه يقوّض عقودًا من التقدم الذي أُحرز على صعيد قواعد حماية المدنيين من اللا إنسانية وممن يسلكون مسلك العنف والخروج على القانون من بيننا ويتصرفون دون عقاب.
يجب أن تسود الإنسانية والقانون والعقل.
ولا بد أن تكون الكلمة الفصل لهذا المجلس. طالِبوا بوضع حد لهذا. توقّفوا عن إمداده بالسلاح. أصِرّوا على إنفاذ المساءلة.
إلى السلطات الإسرائيلية: أوقفوا قتل المدنيين وإصابتهم. ارفعوا هذا الحصار الوحشي. دعوا العاملين في المجال الإنساني ينقذون الأرواح.
إلى حماس وغيرها من الجماعات الفلسطينية المسلّحة: أطلقوا سراح جميع الرهائن على الفور ودون قيد أو شرط. توقفوا عن تعريض حياة المدنيين للخطر في أثناء العمليات العسكرية.
إلى أولئك الذين لن ينجوا مما نخشى وقوعه – على مرأى من الجميع – لن يكون ثمة عزاء لنا إن أدركنا أن الأجيال القادمة سوف تحاسبنا في هذه القاعة.
وسوف تفعل ذلك.
إذا لم نبذل «كل ما في وسعنا» على نحو جدي، فلا بد لنا من أن نخشى هذا الحكم.
شكرًا لكم.