إحاطة صحفية للسيد جوناثان ويتال، رئيس مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في الأرض الفلسطينية المحتلّة

ملاحظات افتتاحية في الإحاطة الصحفية

القدس، 28 أيار/مايو 2025

أشكر لكم تكريس وقتكم للانضمام إلى هذه الإحاطة في هذه المرحلة الحاسمة التي تمرّ بها غزة والفلسطينيون والاستجابة للاحتياجات الإنسانية. 

فاليوم يصادف مرور 600 يوم على الرعب في غزة. لقد رأينا عشرات الآلاف من اليائسين يوم أمس وهم يقتحمون - تحت وابل من النيران - نقطة توزيع تخضع لإجراءات عسكرية وأُقيمت على أنقاض منازلهم. وأشارت التقارير إلى إطلاق النار على ما يقرب من 50 شخصًا وإصابتهم بجروح. وتعكس هذه الأحداث استمرار العقاب الجماعي الذي يمارَس بحق الفلسطينيين وتسارُع وتيرة الاعتداء على كرامتهم الإنسانية. 

إن خطة التوزيع التي أُعدَّت مؤخرًا لا تنحصر في السيطرة على المعونات، بل تكرّس حالة من العوز عن قصد: أربعة مراكز توزيع تقع في وسط غزة وجنوبها ويتولى متعاقدون أمنيون من شركات خاصة في الولايات المتحدة تأمينها، حيث يحصل الفلسطينيون الذين يستطيعون الوصول إليها على حصص الإعاشة منها. 

ويقع أحد هذه المراكز على مقربة من المكان الذي قتلت القوات الإسرائيلية 15 من المستجيبين الأولين ودفنتهم في قبر جماعي فيه. وبالنسبة لي، يُعَدّ هذا رمزًا مروّعًا يشير إلى مدى ما بلغه تقويض الحياة، وما يُبقي عليها، وإحكام السيطرة عليها في غزة.

ليس في وسع نموذج التوزيع الجديد أن يفي باحتياجات غزة. إن تصميم خطة لا تفي بالحد الأدنى من الالتزامات التي يقررها القانون الدولي عن علم، يمثل اعترافًا بالذنب في الأساس. 

فالكيان الذي تدعمه الولايات المتحدة وأُنشئ لوضع هذا المخطط موضع التنفيذ يضفي طابعًا مؤسسيًا على القيود التي تفرضها إسرائيل على تقديم المعونات منذ البداية. ولا يمتّ هذا الأمر لمبادئ العمل الإنساني بِصلة. فالعمل الإنساني يسعى إلى الوصول إلى جميع المدنيين أينما كانوا ويعارض التدابير التي ترمي إلى الحد من المعونات، ولا يسلّم بهذه الشروط مسبقًا. ويشكّل هذا المخطط الجديد تقنينًا يرتكز على الرقابة ويضفي طابعًا شرعيًا على سياسة تقوم على الحرمان المتعمد والمقصود. وهو يأتي في وقت يواجه فيه الناس في غزة، ونصفهم من الأطفال، أزمة على صعيد البقاء على قيد الحياة.

لقد ادّعت إسرائيل على الملأ أن حماس تحوّل مسار المعونات التي تقدمها الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية. ولكن هذا الادعاء لا يصمد في مواجهة التدقيق والتمحيص. فليس لدينا أدلة تثبت تحويل مسار المعونات التي يجري تنسيقها من خلال القنوات الإنسانية التي تحظى بالمصداقية. وقد شكّلت المعونات التي نُسقت من خلال منظومة الأمم المتحدة نسبة وصلت إلى 35 في المائة من المعونات التي دخلت غزة في أثناء فترة وقف إطلاق النار. ونحن لا نملك الرقابة على تلك الإمدادات التي يسّرت إسرائيل إدخالها عبر قنوات أخرى. 

وكانت السرقة الحقيقية التي طالت المعونات منذ بداية الحرب تنفَّذ على يد العصابات الإجرامية على مرأى ومسمع القوات الإسرائيلية، وقد سُمح لها بالعمل على مقربة من معبر كرم أبو سالم الذي يؤدي إلى غزة.

ولا يكمن التحدي الذي يواجه العمليات الإنسانية في غزة في الادعاء الذي لا أساس له من الصحة بشأن تحويل مسار المعونات التي تقدمها الأمم المتحدة، ولا فيما يسمّى عجز الأمم المتحدة عن إيصال هذه المعونات وتقديمها. فعندما جرى تخفيف القيود التي كانت مفروضة على تقديم المعونات خلال فترة وقف إطلاق النار الأخير، أثبتت الوكالات الإنسانية المنسّقة قدرتها على تقديم المساعدات بفعالية. ومن المؤكد أننا نستطيع إدخال التحسينات على أنظمتنا. ولكننا نستطيع أن نزاول عملنا عندما تُتاح الإمكانية لنا في نهاية المطاف. فليس ثمة حل لوجستي للقرار السياسي بشأن عرقلة وصول المعونات.

ونحن نواجه التحديات اليوم على صعيد استلام السلع من معبر كرم أبو سالم بسبب تصاعد حالة انعدام الأمن، وتأخير الحصول على الموافقات الضرورية من القوات على الأرض لفترات طويلة من أجل نقلها. ويجري تحديد طرق غير ملائمة لنا لنقل السلع، ويعتري اليأس الحشود التي تنهب حمولات بعض شحناتنا، ولا يتسنى لنا سوى إيصال الدقيق إلى المخابز بسبب القيود التي تفرضها السلطات الإسرائيلية. وهذه المخابز تغصّ بالحشود، وقد اضطّر العديد منها إلى إغلاق أبوابه. 

وفي الوقت الذي تتواصل فيه عرقلة عملنا، تُطرح التغييرات على نظام التوزيع. وهذا يحدث بالتزامن مع تصعيد الهجوم الجوي والبرّي الذي تشنّه إسرائيل، مما يزيد من تقويض سبل البقاء على قيد الحياة في قطاع غزة من خلال تدمير المستشفيات والمخابز ومصادر المياه فيه.

ويبدو أن الرسالة التي ينقلها إنشاء هذه المراكز التي تتسم بطابع عسكري تكمن في أن البقاء على قيد الحياة في غزة غدا امتيازًا لا يُمنح إلا لأولئك الذين يمتثلون لخطة عسكرية وصفها وزير إسرائيلي بأنها «احتلال وتطهير وبقاء.»

وقد رفضت الأمم المتحدة المشاركة في هذا المخطط، وحذرت من أنه غير قابل للتطبيق من الناحية اللوجستية وأنه ينتهك المبادئ الإنسانية لأنه يستخدم المساعدات كما لو كانت أداة في سياق الجهود الإسرائيلية الأعمّ التي ترمي إلى إخلاء مناطق في غزة من سكانها. ينبغي ألا يسير الأمر على هذا النحو: نحن بحاجة إلى تمكين نظامنا الراهن. 

إن الوكالات الإنسانية تملك القدرة على مدّ يد العون في إطعام سكان غزة وتقديم الخدمات والإمدادات المنقذة للحياة لهم. ونحن جاهزون لكي نؤدي عملنا، وجاهزون لكي نقدم المعونات للأسر مباشرةً مثلما كان نفعل على الدوام. ونحن نُمنع من إنجاز هذا العمل لأنه يبدو أن النية التي تبيّتها إسرائيل لا ترمي إلى تيسير تنفيذ استجابة فعالة لتقديم المعونات على نطاق واسع. 

لقد أصدرت محكمة العدل الدولية حكمها بشأن التدابير المؤقتة التي لا تزال موضع تجاهل صارخ. ويتعين على الحكومات في شتّى أرجاء العالم، أخيرًا، أن تمارس الضغوط السياسية والاقتصادية الضرورية من أجل وقف هذه الفظائع.