استمرار الهجمات والمصادمات في آذار/مارس

لا يزال إطلاق صواريخ متفرقة على إسرائيل والغارات الجوية في قطاع غزة مصدر قلق

قُتِل خلال آذار/مارس، 22 فلسطينياً، بينهم خمسة أطفال، على يد القوات الإسرائيلية في حوادث مختلفة في أنحاء الأرض الفلسطينية المحتلة وإسرائيل، ويشمل ذلك 19 شخصاً يشتبه أنهم منفذون للهجمات؛ وهذا أعلى قليلاً من عدد القتلى في أول شهرين من السنة، ولكن أقل بكثير من ذلك العدد المسجل في الربع الأخير من العام 2015. ووفقا لوكالة الأمن الإسرائيلية، انخفض العدد الإجمالي للهجمات الفلسطينية (انطوت غالبيتها على هجمات بالزجاجات الحارقة دون أن تؤدي إلى وقوع إصابات) خلال آذار/مارس بنسبة تزيد عن 25 بالمائة مقارنة مع الشهرين السابقين.[1] كان آذار/مارس هو الشهر الأول منذ تصاعد أعمال العنف في تشرين الأول/أكتوبر 2015 لم تسجل فيه وفيات بين الإسرائيليين، ولكن قتل شخص أجنبي في هجوم بالطعن في يافا (إسرائيل) في 8 آذار/مارس وأصيب 11 إسرائيليا.

في إحدى الهجمات، في 24 آذار/مارس، قام فلسطينيان بطعن وجرح جندي إسرائيلي في مدينة الخليل: أحدهما قتل بعد إطلاق النار عليه والآخر أصيب بجراح على يد القوات الإسرائيلية. مقطع فيديو للمشهد بعد دقائق قليلة من الحادث، سجل جنديا إسرائيليا يطلق النار على رأس الفلسطيني الجريح، والذي كان راقداً على الأرض ولا يشكل أي تهديد واضح. وعبر الناطق بلسان مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان عن قلقه حول "الإعدام الواضح خارج نطاق القضاء" وحقيقة أن هذا قد لا يكون الحادث الوحيد. اعتقلت السلطات الإسرائيلية الجندي وبعد ذلك اتهم بالقتل غير المتعمد.[2]

وخلال آذار/مارس، أصابت القوات الإسرائيلية 348 فلسطينياً بجراح، بينهم 94 طفلاً، وغالبيتهم خلال احتجاجات ومصادمات. تشير هذه الأرقام إلى استمرار الاتجاه نحو الانخفاض. 10 بالمائة من هذه الإصابات تقريباً نتجت عن الذخيرة الحية والباقي عن استنشاق الغاز المسيل للدموع والذي استلزم علاجا طبيا، أو عن الرصاص المعدني المغلف بالمطاط أو الاعتداء الجسدي.

وقع أحد أخطر الحوادث في 12 آذار/مارس عندما ضربت شظايا من صاروخ أطلقته طائرة حربية إسرائيلية على منشأة للتدريب العسكري في شمال قطاع غزة منزلا قريبا، وقتلت شقيقين فلسطينيين وأصابت آخر بجراح (انظر دراسة الحالة). وقالت السلطات الإسرائيلية إن الغارة الجوية نُفذت رداً على إطلاق فصيل فلسطيني صواريخ على إسرائيل في اليوم السابق، والذي لم يؤد إلى وقوع إصابات أو أضرار. ونُفذت غارة جوية إسرائيلية في ظروف مشابهة في 11 تشرين الأول/أكتوبر 2015 وقتلت امرأة حامل عمرها 26 عاما وابنتها البالغة من العمر ثلاث سنوات.

وفي حين أن وقف إطلاق النار في آب/أغسطس 2014 بين إسرائيل وحماس قد صمد إلى حد كبير، منذ نيسان/أبريل 2015 لم يكن يمر شهر واحد دون إطلاق صاروخ واحد على الأقل أو قذيفة هاون من غزة على إسرائيل. ووفقا لوكالة الأمن الإسرائيلية، سُجل أكبر عدد من الصواريخ/قذائف الهاون التي أُطلقت في تشرين الأول/أكتوبر 2015 وكانون الثاني/يناير 2016، بمعدّل سبعة كل شهر، يليه آذار/مارس 2016 بمعدل خمسة.[3] ووفقا للسلطات الإسرائيلية، فإن الغارات الجوية الإسرائيلية والأعمال المسلحة الأخرى في غزة تأتي رداً على هذه الحوادث بالرغم من أنها تستهدف في العادة منشآت تدريب عسكرية أكثر منها مصدر النار.

على الرغم من أن الهجمات الصاروخية وقذائف الهاون الفلسطينية خلال هذه الفترة لم تسفر عن وقوع إصابات، فإنها تعرض أرواح المدنيين الإسرائيليين والفلسطينيين الذين يعيشون في مناطق الإطلاق أو السقوط للخطر أو بالقرب منها. ويتعرض المدنيون الفلسطينيون أيضا للغارات الجوية الإسرائيلية التي تعقب هذه الهجمات؛ وتتفاقم المخاطر جراء موقع المنشآت العسكرية داخل المناطق المدنية أو بالقرب منها، وكذلك الكثافة السكانية العالية في غزة والطبيعة غير المستقرة للعديد من المنازل. وفضلا عن ذلك، تشير تجارب العقد الماضي إلى أن الهجمات الفلسطينية والاسرائيلية على حد سواء يمكن لها أن تشكل الشرارة للتصعيد تبعا لخطورة النتائج.

دراسة حالة: "قتلا وهما نائمان"

بيت عائلة أبو كوسا في غزه

أم كرم أبو خوصة، أم لطفلين قتلا في غارة جوية إسرائيلية

أنا وزوجي وأطفالنا الستة، كنا نيام عندما قصفت القوات الإسرائيلية موقع تدريب تابع لمجموعة مسلحة يقع على مسافة 50 مترا تقريبا من منزلنا. عشنا في غرفتين مصنوعتين من الإسبست ومواد أخرى لعمل مطبخ وحمام. عندما قصفوا موقع المجموعة المسلحة، تطاير الحطام في كل مكان وبعضه سقط في منزلنا. فقدت كلا من ياسين (10 سنوات) وإسراء (7 سنوات)، أما أيوب (12 عاماً) فأصيب بجروح طفيفة.

ياسين كان مرحاً جداً. اعتاد أن يأتي بالحياة إلى المنزل بحيله وروح الدعابة لديه. واعتاد كذلك أن يدافع عن إخوته وأخواته كلما أراد والدهم معاقبتهم لخطأ ما ارتكبوه. اعتاد أن يتحمل اللوم بدلا منهم. لقد أحبه كل أخوته وأخواته.

أيوب وياسين كانا صديقين حميمين للغاية. اعتادا أن يدرسا، ويتناولا الطعام، ويلعبا ويفعلا كل شيء معا. أنا في الحقيقة قلقة جدا عليه لأنه يرفض تماما الحديث عما جرى. إنه يوقظني مرات عديدة وهو يصرخ وينادي اسم ياسين. وهو أيضا يستيقظ ليلا لينام في حضني. وكلما شاهد أيوب أي شيء يتعلق بالحرب وإطلاق النار في التلفاز يفقد أعصابه ويطلب منا إطفاءه. أنا لا ألومه، أكاد لا أستطيع النوم لوحدي، وأحاول ألا أبكي امامهم. 

لا أستطيع النوم جيدا في الليل، أنا لا أستطيع أن أصمد أمام المزيد من الغارات أو الاعتداءات. هذه المرة الثالثة التي أفقد فيها بيتي وأضطر لأن أبدأ من الصفر. تم تهجيرنا للمرة الأولى في عام 2002 عندما أجبرنا الجيش الإسرائيلي على مغادرة منطقتنا وهدم جميع المنازل هناك. ثم دمر منزلنا في حرب عام 2014، والآن يحدث لنا هذا مرة أخرى. ولكن عليّ أن أدعم أولادي لأنهم حزانى بالفعل من أجل أشقائهم.


[1]  انظر وكالة الأمن الإسرائيلية، بيانات واتجاهات الإرهاب، تقرير شهري، آذار / مارس 2016، متاح على الرابط: http://www.shabak.gov.il

[2]  بيان صحفي، 30 آذار / مارس 2016، متاح على الرابط.

[3]  نفس المصدر.