ملاحظات الأمين العام أمام جلسة مجلس الأمن بشأن الحالة في الشرق الأوسط

السيد الرئيس، أصحاب السعادة،

أرحب بإعطائي هذه الفرصة لإحاطة مجلس الأمن بشأن تنفيذ القرار 2712، قبل ان يتابع المنسق الخاص لعملية الشرق الأوسط، السيد تور وينيسلاند، إحاطته الإعلامية الشهرية.

السيد الرئيس،

لقد تم اعتماد القرار 2712 ونحن نشهد حالات الموت والدمار الشامل وعلى نطاق واسع بفعل الصراع في غزة وإسرائيل.

ووفقا للسلطات الإسرائيلية، قُتل أكثر من 200 1 شخص - بينهم 33 طفلا - وجُرح الآلاف في أعمال الإرهاب البغيضة التي قامت بها حماس في 7 تشرين الأول/أكتوبر. كما تم اختطاف نحو 250 شخصا، من بينهم 34 طفلا. وهناك أيضًا روايات عديدة عن العنف الجنسي خلال تلك الهجمات، والتي يجب ان ندفع للتحقيق فيها ومقاضاة مرتكبيها.

كما يجب إدانة العنف القائم على النوع الاجتماعي، في أي وقت وفي أى مكان.

السيد الرئيس،

وفقاً للسلطات القائمة على الأرض، قُتل أكثر من 14,000 شخص منذ بدء العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة. كما أصيب عشرات الآلاف من الفلسطينيين، ولا يزال كثيرون آخرون في عداد المفقودين.

وفي غزة، أفادت التقارير أن أكثر من ثلثي القتلى هم من الأطفال والنساء. وفي غضون أسابيع، كان عدد من قُتل من الأطفال بفعل العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة أكبر بكثير من إجمالي عدد الأطفال الذين قُتلوا خلال أي عام على يد أي طرف في أي صراع منذ توليت منصب الأمين العام - كما هو مبين بوضوح في التقارير السنوية حول الأطفال والنزاعات المسلحة والتي قدمتها إلى المجلس.

وعلى مدى الأيام القليلة الماضية، رأى شعب الأرض الفلسطينية المحتلة وإسرائيل بصيصا من الأمل والإنسانية أخيرا في هذا الظلام الدامس. وإنه لأمر مؤثر للغاية أن نرى المدنيين يستريحون أخيرًا من القصف، ويتم لم شمل العائلات، ونرى تتزايد تدفق المساعدات المنقذة للحياة.

 

السيد الرئيس،

يطالب القرار 2712 جميع الأطراف بالامتثال لالتزاماتها بموجب القانون الدولي، بما في ذلك القانون الإنساني الدولي، ولا سيما فيما يتعلق بحماية المدنيين، وخاصة الأطفال.

ومن الواضح أننا شهدنا انتهاكات خطيرة قبل الهدنة. وبالإضافة إلى العدد الكبير من المدنيين الذين قتلوا وجرحوا والذين تحدثت عنهم، فإن 80% من سكان غزة قد أُجبروا على ترك منازلهم، ويتم دفع هذا العدد المتزايد من السكان نحو منطقة أصغر جنوبي قطاع غزة، وبطبيعة الحال، لا يوجد مكان آمن في غزة.

وفي الوقت نفسه، تعرض ما يقدر بنحو 45% من جميع الوحدات السكنية في غزة لأضرار أو الدمار. إن طبيعة وحجم الموت والدمار تدل على استخدام الأسلحة المتفجرة على نطاق واسع في المناطق المأهولة بالسكان وتأثيرها الكبير على المدنيين.

وفي الوقت نفسه، استمرت الهجمات الصاروخية على المراكز السكانية في إسرائيل من قبل حماس وغيرها من الجماعات – إلى جانب مزاعم استخدام الدروع البشرية. وهذا يتعارض أيضًا مع التزامات القانون الإنساني الدولي.

السيد الرئيس،

أود أن أؤكد على حرمة مرافق الأمم المتحدة التي تؤوي اليوم أكثر من مليون مدني يلتمسون الحماية تحت علم الأمم المتحدة. وحيث تقوم الأونروا بمشاركة إحداثيات كافة مرافقها في مختلف أنحاء قطاع غزة مع كافة أطراف النزاع، قامت الوكالة بالتحقق من 104 حادث استهداف أصابت 82 منشأة تابعة للأونروا - 24 منها منذ اعتماد القرار.

وأفادت التقارير الى مقتل ما مجموعه 218 نازحًا ممن لجأوا إلى مدارس الأونروا، وأصيب ما لا يقل عن 894 آخرين. وبالإضافة إلى ذلك، أبلغكم ببالغ الحزن والألم أنه منذ بداية الأعمال العدائية، قُتل 111 فردًا من أسرة الأمم المتحدة في غزة، وهذا يمثل أكبر خسارة للموظفين في تاريخ منظمتنا.

اسمحوا لي أن أقول وبوضوح:

يجب حماية المدنيين – بما في ذلك العاملين في الأمم المتحدة.

ويجب حماية المرافق المدنية – بما في ذلك المستشفيات.

ويجب عدم استهداف منشآت الأمم المتحدة.

ويجب احترام القانون الإنساني الدولي من قبل جميع أطراف النزاع وفي جميع الأوقات.

السيد الرئيس،

يدعو قرار مجلس الأمن رقم 2712 إلى هدنة إنسانية عاجلة وممتدة وتأمين ممرات في جميع أنحاء قطاع غزة لتمكين وصول المساعدات الإنسانية وبشكل كامل وسريع وآمن ودون عوائق. وإنني لأرحب بالترتيب الذي توصلت إليه إسرائيل وحماس – بمساعدة حكومات قطر ومصر والولايات المتحدة، ونحن نعمل على تعظيم المكتسبات الإيجابية لهذه الترتيبات على الوضع الإنساني في غزة. وقد مكنتنا هذه الهدنة من تعزيز إيصال المساعدات إلى غزة وعبرها.

فعلى سبيل المثال، ولأول مرة منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر، قامت قافلة مشتركة من الوكالات بتسليم الغذاء والمياه والإمدادات الطبية ولوازم الإيواء إلى شمال غزة - وتحديدا إلى أربعة ملاجئ تابعة للأونروا في مخيم جباليا. وقبل ذلك، لم يصل إلى هذه المواقع سوى الحد الأدنى من المساعدة أو لم تصلها المساعدات على الإطلاق - حتى مع تكدس عشرات الآلاف من الأشخاص هناك بحثًا عن مأوى.

ولأول مرة أيضاً، دخلت إمدادات غاز الطهي إلى غزة حيث انتظر الناس في طوابير امتدت لمسافة كيلومترين. كما عملت وكالات الأمم  المتحدة وشركاؤها في الجنوب، حيث الاحتياجات ماسة وجمة، على زيادة حجم المساعدات المقدمة ولعدد اكبر من المواقع التي تم الوصول إليها.

وأود أن أعرب عن تقديري لحكومة مصر لمساهمتها في جعل هذه المساعدة ممكنة. ولكن مستوى المساعدات المقدمة للفلسطينيين في غزة يظل غير كاف على الإطلاق لتلبية الاحتياجات الهائلة لأكثر من مليوني شخص. وعلى الرغم من أن الحجم الإجمالي للوقود المسموح بدخوله إلى غزة قد زاد أيضًا، إلا أنه لا يزال غير كاف على الإطلاق لدعم العمليات الأساسية.

يحتاج المدنيون في غزة إلى التدفق المستمر للوقود وللمساعدات الإنسانية المنقذة للحياة إلى المنطقة وعبرها. إن الوصول الآمن دون عوائق للمساعدات الإنسانية إلى جميع المحتاجين أمر بالغ الأهمية. وقد نفذ الشركاء في المجال الإنساني عدة عمليات إجلاء طبية من شمال غزة إلى جنوبها، بما في ذلك نقل العشرات من الأطفال الخدّج ومرضى العمود الفقري ومرضى غسيل الكلى من مستشفى الشفاء و المستشفى الأهلي. كما تم إجلاء العديد من المرضى المصابين بأمراض خطيرة لتلقي العلاج في مصر.

وتفتقر المستشفيات في جميع أنحاء غزة إلى الإمدادات الأساسية وتعاني من نقص الموظفين والوقود اللازم لتقديم الرعاية الصحية الأولية بالمستوى المطلوب، ناهيك عن امكانية علاج الحالات الطارئة بشكل آمن. لقد انهار النظام الصحي في ظل تعاظم عدد الاصابات والنقص الحاد وأثر الأعمال العدائية.

السيد الرئيس،

يدعو قرار مجلس الأمن رقم 2712 إلى الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع الرهائن الذين تحتجزهم حماس والجماعات الأخرى. وقد أفضت الترتيبات التي أُعلن عنه في 22 تشرين الثاني/نوفمبر وحتى الآن، وعلى مدى خمسة أيام، إلى إطلاق سراح 60 رهينة - منهم 29 امرأة و31 طفلاً - كانت حماس وجماعات أخرى تحتجزهم منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر. وخلال نفس الفترة، تم إطلاق سراح 21 رهينة أخرى خارج نطاق هذه الترتيبات.

ان هذه بداية مرحب بها، ولكني اقول كما قلت منذ اليوم الأول: يجب إطلاق سراح جميع الرهائن فورًا ودون قيد أو شرط. وحتى ذلك الحين، يجب معاملتهم بشكل إنساني والسماح للجنة الدولية للصليب الأحمر بزيارتهم.

كما شهد الاتفاق ايضا إطلاق سراح 180 أسيرًا ومعتقلًا فلسطينيًا من السجون الإسرائيلية، معظمهم من النساء والأطفال.

السيد الرئيس،

يدعو قرار مجلس الأمن رقم 2712 جميع الأطراف إلى الامتناع عن حرمان السكان المدنيين في قطاع غزة من الخدمات الأساسية والمساعدات الإنسانية التي لا غنى عنها لبقائهم على قيد الحياة وبما يتفق مع القانون الإنساني الدولي. وما زال هناك الكثير مما هو مطلوب فعله للبدء في تلبية الاحتياجات الإنسانية في غزة. كما يجب استعادة خدمات الماء والكهرباء بشكل كامل. لقد انهارت النظم الغذائية وانتشر الجوع، خاصة في الشمال. كما ان الظروف الصحية في الملاجئ مروعة مع وجود عدد قليل من المراحيض، ومع فيضان مجاري الصرف الصحي والذي بات يشكل تهديداً خطيراً للصحة العامة.

ويظل الأطفال والنساء الحوامل وكبار السن والأشخاص الذين يعانون من ضعف جهاز المناعة الأكثر عرضة للخطر. وتحتاج غزة إلى زيادة فورية ومستمرة في المساعدات الإنسانية بما في ذلك الغذاء والماء والوقود والبطانيات والأدوية ومستلزمات الرعاية الصحية.

ومن المهم أن ندرك أن معبر رفح الحدودي ليس لديه القدرة الاستيعابية الكافية، خاصة مع الأخذ في الاعتبار بطء وتيرة الإجراءات الأمنية المتبعة. ولهذا السبب، ظللنا نحث على فتح المعابر الأخرى، بما في ذلك معبر كرم أبو سالم، وتبسيط آليات التفتيش للسماح بالزيادة الضرورية في عبور المساعدات المنقذة للحياة. كما ان المساعدات الإنسانية وحدها لن تكون كافية، فنحن بحاجة أيضًا إلى تمكن القطاع الخاص من إحضار السلع الأساسية الحيوية لسد النقص في المتاجر المستنفدة تمامًا في غزة.

السيد الرئيس،

أخيرًا، يؤكد قرار مجلس الأمن رقم 2712 على أهمية التنسيق والإخطار الإنساني وآليات تفادي التصادم لحماية جميع الطواقم الطبية والإنسانية والمركبات، بما في ذلك سيارات الإسعاف والمرافق الإنسانية والبنية التحتية الحيوية، بما في ذلك مرافق الأمم المتحدة. ويوجد الآن نظام للإخطارات الإنسانية، وتتم مراجعته وتعزيزه باستمرار، بما في ذلك من خلال خطط لإرسال خبراء مدنيين وعسكريين إضافيين لدعم هذا التنسيق.

السيد الرئيس،

إنني أرحب باعتماد القرار 2712 – ولكن تنفيذه من قبل الأطراف هو الأهم. ووفقا للقرار، سأعود إلى رئيس مجلس الأمن بمجموعة من المقترحات بشأن المراقبة الفعالة لتنفيذ ولاية القرار. ولقد قمت بالفعل بإنشاء فريق عامل يتألف من إدارة الشؤون السياسية وبناء السلام وإدارة عمليات السلام ومكتب تنسيق الشؤون الإنسانية ومكتب الشؤون القانونية من أجل إعداد مقترحات على وجه السرعة في هذا الصدد.

ومن الواضح حتى الآن أن تنفيذ القرار كان جزئياً في أحسن الأحوال، وغير كاف على الإطلاق.

وفي نهاية المطاف، نحن نعلم أن مقياس النجاح لن يكون في عدد الشاحنات التي يتم إرسالها أو كم الأطنان من الإمدادات التي يتم تسليمها ــ على الرغم من أهمية هذه الأمور. ولكن سيتم قياس النجاح بعدد الأرواح التي يتم إنقاذها، ومستوى المعاناة التي ستنتهي، والأمل والكرامة التي يتم استعادتها.

إن سكان غزة يعيشون في خضم كارثة إنسانية ملحمية أمام أعين العالم. ويجب ألا نلتفت بعيدا عنهم.

وبينما تجري مفاوضات مكثفة لإطالة أمد الهدنة، وهو ما نرحب به بشدة، نعتقد أننا بحاجة إلى وقف إطلاق نار إنساني حقيقي. ويتعين علينا أن نضمن أن يكون لدى شعوب المنطقة أخيراً أفق من الأمل من خلال التحرك بطريقة حازمة ولا رجعة فيها نحو إقامة حل الدولتين على أساس قرارات الأمم المتحدة والقانون الدولي، حيث تعيش إسرائيل وفلسطين جنباً إلى جنب. جنبا إلى جنب في سلام وأمن.

إن الفشل سيُطبق حلقة لا مخرج لها من الموت والدمار على الفلسطينيين والإسرائيليين والمنطقة والعالم.

شكرًا لك.