تصوير اليونيسف/UNI453254/البابا
تصوير اليونيسف/UNI453254/البابا

في غزة لا يوجد مكان آمن، لا بالشمال ولا بالجنوب

«أسرتي واحدة من مئات آلاف الأسر التي فرّت من مدينة غزة في 13 تشرين الأول/أكتوبر بعدما أعلن الجيش الإسرائيلي أنه يتعين علينا الانتقال إلى الجنوب من أجل سلامتنا. 

كان الكثير منا يخشى أن اجتياحًا بريًا كان على وشك الوقوع، وما زلنا نخشى ذلك. 

عندما توجهنا إلى خانيونس، لم نجد مأوى ولا كهرباء ولا غذاء ولا رعاية صحية. ولا وجود للنظافة الصحية. ويتعرض الجنوب للقصف أيضًا، ولا يقتصر الأمر على الشمال. وقد أدركنا هناك أنه ليس ثمة مكان آمن نلجأ إليه في غزة فعلًا. 

لم يبرح الآلاف أماكنهم في مدينة غزة بعد الإعلان الإسرائيلي. فلم يكن لديهم وقود ليقودوا سياراتهم إلى الجنوب ولا مكان يقصدونه في حال ذهبوا إلى هناك، أو أنهم أرادوا البقاء في منازلهم فحسب. وبقي أخرون لأنهم كانوا يخشون من أنهم لن يتمكنوا من العودة أبدًا أو أنهم سيفقدون سبل عيشهم أو لأنهم كانوا يعتقدون أن بقاءهم سيحول بين الإسرائيليين وبين تدمير مدينتهم. 

اعتقد الناس الذين انتقلوا إلى الجنوب أنه سيكون ثمة معونات هناك، ولكن أسرتي أمضت ليلتها الأولى في خانيونس في مدرسة تابعة للأونروا مع نحو 23,000 شخص آخرين. ولم تكن المدرسة مجهزة كمركز للإيواء، لذا لم يتوفر فيها ما يكفي من الماء أو الغذاء أو المساحة أو الفرشات. 

وفي اليوم التالي، انتقلنا إلى بناية خاصة كانت مجهزة كمركز للإيواء. وهناك، تقاسمنا مساحة مع 120 شخصًا في شقتين تقارب مساحة كل منهما 165 مترًا مربعًا. ويفصل الرجال عن النساء في الشقتين، حتى أن الأسر لا تكون مع بعضها بعضًا. 

وعلى الرغم من الظروف المعيشية المتردية للغاية وتقنين الطعام والمياه، نشعر بأننا من بين المحظوظين لأن بعض المياه لا تزال تصل عبر الصنابير، بفضل نظام توليد الطاقة الشمسية الذي ييسر عمل مضخة المياه قليلًا. الوضع هنا لاإنساني، وكرامتنا مهانة. ويفتقر الناس الذين اجبروا على الانتقال إلى الجنوب إلى الأساسيات، ناهيك عن القصف والموت اللذين لا نهاية لهما. 

وفي هذه الظروف، اتخذ الكثير من الناس الذين أعرفهم شخصيًا القرار الصعب بالعودة مع أطفالهم إلى مدينة غزة أو شمال غزة. فالبقاء جنوب وادي غزة لم يجلب لهم أي قدر من الأمان. 

تحتاج شقيقتي إلى الدواء الذي لا يتوفر في جنوب غزة، لذا قررت هي وزوجها وأطفالها العودة إلى مدينة غزة. وبالمثل، قرر أحد أصدقائي، الذي يعاني ابنه من الربو ويحتاج إلى أجهزة الاستنشاق، العودة إلى حي الدرج. 

إننا نكابد العذاب بفعل هذه المعضلة في كل يوم؛ فهل نبقى هنا أم نعود إلى منازلنا؟ تريد زوجتي أن تذهب على الرغم من أن المربع المحيط بمنزلنا سُوّي بالأرض عن آخره. وكان منزلنا لا يزال قائمًا بطريقة أو بأخرى عندما رحلنا عنه. وتقول لي: ’ على الأقل، نستطيع أن نستخدم اللوحة الشمسية لكي نحصل على بعض الكهرباء وننام في أسرّتنا.‘ 

وسوف يكون في مقدرونا أن نساعد أسرتنا وأصدقاءنا وأن نحصل على المساعدة منهم لو ذهبنا إلى منزلنا. فالناس يعرفوننا هناك ونستطيع أن نتقاسم الموارد معهم. 

لقد خلصتُ إلى أنه من الأفضل لي أن أموت في منزلي مع من أحبهم في ظل هذا الموت الذي يخيم على كل مكان.» 

* مواطن فلسطيني في قطاع غزة