ووداد تتفقدان خرافهما التي تشكل قاعدة مشروعهما.  © - تصوير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية
ووداد تتفقدان خرافهما التي تشكل قاعدة مشروعهما. © - تصوير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية

إنعدام الأمن الغذائي في الأرض الفلسطينية المحتلة: 1.3 مليون فلسطيني في قطاع غزة يعانون من إنعدام الأمن الغذائي

يعاني ما يربو على 68 ب المائة من الأُسر في قطاع غزة، أو نحو 1.3 مليون نسمة، من إنعدام الأمن الغذائي بدرجة حادة أو متوسطة، وفقًا للنتائج الأولية التي خلص إليها الإصدار الأخير من مسح الحالة الإجتماعية والإقتصادية والأمن الغذائي الذي أُجريَ خلال العام 2018. [1] ويأتي هذا على الرغم من أن 69 ب المائة من الأسر في غزة أشارت إلى أنها تحصل على شكل من أشكال المساعدات الغذائية أو أشكال أخرى من التحويلات الإجتماعية من الهيئات الحكومية الفلسطينية أو المنظمات الدولية. ويشكّل المعدل الحالي لإنعدام الأمن الغذائي في غزة زيادة تبلغ تسع نقاط مئوية بالمقارنة مع الرقم الذي يقابلها في العام 2014 (59 ب المائة)، وهو المرة الأخيرة التي أُجريَ فيها المسح المذكور. وفي المقابل، تبلغ نسبة إنعدام الأمن الغذائي في الضفة الغربية 12 ب المائة تقريبًا في أوساط الأسر، وفقًا للمسح نفسه، بالمقارنة مع 15 ب المائة في العام 2014.

وكالة الأونروا أثناء توزيع الطرود الغذائية على اللاجئين الفلسطينيين الذين يعانون من إنعدام الأمن الغذائي، غزة، 11 كانون الأول/ديسمبر 2018 © - تصوير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية

وتُعَدّ محدودية القدرة الإقتصادية على تأمين الغذاء السبب الرئيسي الذي يقف وراء إنعدام الأمن الغذائي. ويشير البنك الدولي إلى أن توقعات النمو الإقتصادي التي بلغت 1.7 ب المائة في الأرض الفلسطينية المحتلة خلال العام 2018 "تشهد تراجعًا ملموسًا من حيث نصيب الفرد". [2] وفي غزة، يُعدّ الإقتصاد "في حالة هبوط حادّ، حيث سجّل نموًا نسبته سالب 6 ب المائة خلال الربع الأول من العام 2018... (بينما) تبيّن المؤشرات الأولية بأن غزة شهدت المزيد من التدهور خلال الربع الثاني." وفي الوقت الذي لا يُعد فيه الوضع في الضفة الغربية بهذا السوء، "يُتوقع أن يطرأ تباطؤ كبير على الإقتصاد خلال الفترة المقبلة."[3]

كما إرتفع معدل البطالة في الأرض الفلسطينية المحتلة على مدى السنوات القليلة الماضية، حيث إقترب من 32 ب المائة خلال الربع الثالث من العام 2018. وفي غزة، بلغ معدل البطالة نحو 55 بالمائة، وهو أعلى معدل يُسجَّل على الإطلاق. فمن بين 244,000 شخص سُجِّل باعتباره "يعمل"، هناك 62,000 موظف من موظفي القطاع العام المسجلين على كشف رواتب السلطة الفلسطينية، والذين ما تزال رواتبهم مقطوعة منذ شهر آذار/مارس 2017. ويتقاضى 22,000 موظف آخر ممن عيّنتهم سلطات حماس رواتبهم على أساس غير منتظم منذ العام 2014. وفي شهر تشرين الثاني/نوفمبر، تمّ دفع رواتب شهر آب/أغسطس لبعض هؤلاء الموظفين من التمويل القطري. وتجاوز معدل البطالة في أوساط الشباب 70 بالمائة، وبلغ حدًا أعلى منه بين صفوف الإناث، حيث سجّل 78 بالمائة خلال النصف الثاني من العام 2018. [4] 

إنعدام الأمن الغذائي حسب المنطقة، بالنسبة المئوية للأُسر

ويُعَدّ الفقر أحد العوامل المحدِّدة الرئيسية لإنعدام الأمن الغذائي. وقد خلص مسح إنفاق وإستهلاك الأسرة الصادر في العام 2017 إلى أن معدلات الفقر في قطاع غزة إرتفعت من 38.8 ب المائة إلى 53 ب المائة منذ المسح الأخير الذي أجريَ في العام 2011. وفضلًا عن ذلك، يُعد ثلثا الفقراء، أو نحو 656,000 شخص، بأنهم يعيشون في "فقر مدقع".[5]

وقد فرض العجز المزمن في إمدادات الطاقة ضغطًا إضافيًا على المزارعين والرعاة وصيادي الأسماك، الذين يواجهون في الأصل إرتفاعًا في أسعار المدخلات الزراعية على الرغم من إنخفاض أسعار الخضروات والفواكه في السوق، مما يعرّض قدرتهم على الربح والإستدامة للخطر. وبات من الصعب على الأُسر أن تحفظ المواد الغذائية في الثلاجات بسبب أزمة الكهرباء، مما تسبّب في زيادة النفقات وزاد من عبء العمل على كاهل النساء بالنظر إلى أن الطهي بات مطلوبًا منهن بصورة يومية أو إستخدام المواد الغذائية المعلّبة.[6] وقد تحسّن هذا الوضع بفضل الزيادة التي طرأت مؤخرًا على إمدادات الكهرباء.

وزاد من تفاقم إنعدام الأمن الغذائي نقص التمويل لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) وتراجُع مستوى الدعم الذي تقدمه وزارة التنمية الإجتماعية الفلسطينية للأُسر الأشدّ ضعفًا، مما أدى إلى إرتفاع مستويات الديْن الذي ترزح الأسر تحت وطأته. وبسبب توقيت جمع البيانات، فقد لا تعكس نتائج مسح الحالة الإجتماعية والإقتصادية والأمن الغذائي للعام 2018 الأثر الكامل لهذه التحديات، حيث تشير إلى أن إنتشار إنعدام الأمن الغذائي في أوساط اللاجئين في قطاع غزة يقلّ بقليل (67.3 بالمائة) عما هو عليه في أوساط غير اللاجئين (70.3 بالمائة).

ووداد تتفقدان خرافهما التي تشكل قاعدة مشروعهما. © - تصوير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية

تقويض إستجابة المساعدات النقدية بسبب شحّ التمويل

يُنظر إلى العمل على إعداد برامج التحويلات النقدية، على نحو متزايد، باعتبارها وسيلة رئيسية من وسائل المساعدات الإنسانية. وينطبق  هذا الأمر بالذات على قطاع غزة، حيث تسبّبت أعوام من الحصار والصراع في تقويض الصادرات وإستثمارات القطاع الخاص، مما جعل المساعدات والتحويلات المصدر الحصري تقريبًا لتدفق العملات الأجنبية.

وفي خطة الإستجابة الإنسانية للأرض الفلسطينية المحتلة للعام 2018، أطلق مجتمع العمل الإنساني مناشدة لتقديم مبلغ قدره 130 مليون دولار لتنفيذ مختلف تدخلات المساعدات المالية في قطاع غزة، بما فيه 95 مليون دولار للأمن الغذائي و34 مليون دولار لتأمين المساعدات النقدية للمأوى المؤقت لأولئك الذين ما يزالون مهجَّرين منذ الأعمال القتالية التي شهدها العام 2014. وبحلول نهاية شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2018، لم تتلقَّ المنظمات الإنسانية سوى 23 مليون دولار، أو 18 بالمائة من جملة المبلغ المطلوب. وقد حال هذا الأمر دون تنفيذ معظم التدخلات المقررة. واضُطرت وكالة الأونروا إلى وقف توزيع المساعدات النقدية للمأوى المؤقت خلال النصف الثاني من العام 2018.

وتتمثل الوسيلتان الرئيسيتان المعتمدتان في تقديم المساعدات النقدية في قطاع الأمن الغذائي في تدخلات النقد مقابل العمل والنقد لدعم سُبل العيش. وفي العام 2018، أطلقت وكالة الأونروا مناشدة لتقديم 63.6 مليون دولار من أجل تأمين فرص عمل قصيرة الأمد لما يزيد على 54,000 شخص، أو ما يعادل 5.5 مليون يوم عمل. وكان من شأن هذه الفرص أن تضخّ الملايين في الإقتصاد المحلي، ولكن لم تتلقَّ الوكالة سوى نسبة تقلّ عن 10 ب المائة من المبلغ المستهدف في المناشدة بسبب شحّ التمويل. وقد طلبت 12 منظمة أخرى من المنظمات الشريكة في مجال العمل الإنساني مبلغًا قدره 5.7 مليون دولار لصالح تدخل النقد لدعم سُبل العيش، ولكنها لم تستلم سوى 1و1 مليون دولار بحلول نهاية شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2018.

القيود المفروضة على مشاريع الأعمال الصغيرة تعدّ مؤشرًا على أزمة أعم تطال سبل العيش

تُعَدّ مشاريع الأعمال في قطاع غزة صغيرة في معظمها، من ناحيتيْ عدد العاملين فيها وقيمة أصولها. ووفقًا لمسح نشره برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في العام 2017، توظّف غالبية مشاريع الأعمال (88.8 بالمائة منها) عاملًا واحدًا إلى أربعة عمال. ويواصل هذا القطاع الخاص الصغير العمل في ظل ضغط داخلي وخارجي متزايد بسبب الحصار الذي تفرضه إسرائيل والإنقسام السياسي الداخلي الفلسطيني.

وفي شهر أيلول/سبتمبر 2018، أجرى الفريق المعني بالأمن الغذائي وسبل العيش في منظمة العمل  لمكافحة الجوع مسحًا شمل عدة مستفيدين من أنشطة توليد الدخل التي ينفّذها، من أجل تقييم الأثر الذي أفرزته التطورات التي شهدها العام 2018 على أداء مشاريع الأعمال الصغيرة. وصرّح جميع من أُجريت المقابلات معهم بأن الإفتقار إلى النقد في التجمعات السكانية التي تقع مشاريع الأعمال فيها تجبر زبائنها وتجبرهم هم أنفسهم على الشراء بالدين.

وأُجري هذا المسح بالنيابة عن الفريق العامل المعني بإعداد برامج التحويلات النقدية، الذي يعمل ضمن قطاع الأمن الغذائي، من أجل تنسيق الأنشطة المستدامة المتعلقة بإعداد برامج التحويلات النقدية في فلسطين وتعزيزها وتيسيرها. وتتمثل الولاية الرئيسية التي يضطلع بها هذا الفريق في دراسة جميع المنهجيات والمعايير المرتبطة بإعداد برامج التحويلات النقدية والمتصلة بالتدخلات في حالات الطوارئ وبرامج الأمن الغذائي المتوسطة الأمد والطويلة الأمد.

إحدى المستفيدات من المساعدات النقدية تنتقل من الكفاح لإطعام أطفالها إلى تقديم الإستشارات لمشاريع الأعمال

تعيش أسبيطة علي المصري مع إبنها وزوجته وداد وأطفالهما الأربعة في مدينة غزة. وقد تمّ إختيار هذه الأسرة كأسرة مستفيدة من برنامج المساعدات النقدية الذي تنفذه منظمة العمل لمكافحة الجوع. ويستهدف هذا البرنامج النساء ويُعنى بدعم الأنشطة الصغيرة المدرّة للدخل، إلى جانب تقديم التدريب في مجال الإدارة وإعداد خطط العمل من أجل زيادة الدخل المتاح للإنفاق لدى الأسر الأشدّ ضعفًا.   

وقد خلّفت الأعمال القتالية أثرًا مدمرًا على هذه الأسرة. ففي العام 2014، أصاب صاروخ "تحذيري" [7] منزلها، مما أدى إلى مقتل إبن وداد البالغ من العمر 13 عامًا، وتدمير المنزل باستثناء غرفتين منه. وهُجرت الأسرة مرتين نتيجة للأعمال القتالية التي دارت في العامين 2009 و2012.

وقالت أسبيطة: ’كما فقدنا ما كنا نملكه من خراف ودجاج وأرانب. وكانت تلك هي المشروع الذي تولّيْتُ العمل فيه بعدما تُوفي زوجي.‘

ومنذ العام 2014، ما تزال أسبيطة وأسرة إبنها، التي تتألف من أربعة أطفال، يقطنون في الغرفتين الوحيدتين اللتين لم يطالهما التدمير. وبالنظر إلى الوضع الإقتصادي المتردي للأسرة، إضُطرت وداد إلى الإنتقال للسكن مع والديها لفترة من الوقت، وذلك حسب العادة المتبعة في غزة، حيث يُتوقع من المرأة أن تعود إلى منزل أهلها في حال لم يَعُد زوجها قادرًا على تغطية مصاريف أسرته. وفي مثل هذه الحالات، يبقى الأطفال مع والدهم في بيت أهله. ومع ذلك، وعلى خلاف العديد من الأزواج، عادت وداد لتعيش مع أسرتها في منزل حماتها. 

وقالت وداد: ’من الصعب للغاية أن أنفصل عن زوجي، فهو سندي. لقد كافحنا لكي نطعم أطفالنا وقلّصنا وجباتنا. ولم نكن نُلقي بالًا لجودة الطعام. كل ما أردناه هو أن ألّا يجوعوا.".

وحتى قبل إندلاع الحرب الأخيرة في العام 2014، وفي الوقت الذي كانت فيه وداد تتسلّم المسؤوليات شيئًا فشيئًا من أسبيطة التي أصابها المرض، فقد واجهت الكثير من الأيام العصيبة لسد رمق أسرتها. ’كان عليَّ أن أدّخر المال لأشتري الحليب لأطفالي. وقد باتت المواد الغذائية بعمومها أغلى، وإزدادت شحًا منذ بداية الحصار.‘ 

وعلى الرغم من الخسائر الفادحة التي لحقت بها خلال الأعمال القتالية الأخيرة، إستأنفت الأسرة مشروع تربية الخراف بعد الحرب بفضل المساعدات النقدية والتدريب الذي أمدّته بها منظمة العمل لمكافحة الجوع. واليوم، تتكفل أسبيطة بالجانب المالي في المشروع، بينما تتولى وداد المسؤولية عن المواشي. 

وقالت أسبيطة: ’لقد تعلمنا أن نتخذ قرارات تجارية سليمة، كشراء العلف بكميات كبيرة لنضمن توفُّره ونتجنب الإرتفاع المفاجئ في الأسعار. وقد جهّزنا الحظيرة بالدفعة الأولى، وإشترينا الخراف بالدفعة الثانية.‘ 

وتصف وداد، وبكل فخر، كيف أنهم غدوا قادرين الآن على تقديم الخضروات والفواكه لأطفالهم، وحتى اللحوم مرتين في الأسبوع. وقد أعدّت الأسرة خططًا مستقبلية لمشروعها، حيث تنوي التوسع إلى تربية الدواجن والأرانب مرة أخرى. وتقول وداد والإبتسامة تعلو محيّاها: ’لقد طلبت مني إحدى صديقاتي مؤخرًا نصيحة حول كيفية إنشاء مشروعها، وقدمت لها خطة مشروع أعمالي!‘


[1] الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني وقطاع الأمن الغذائي، النتائج الأولية لمسح الحالة الاجتماعية والاقتصادية والأمن الغذائي، 2018.

[2] World Bank, Economic Monitoring Report to the Ad Hoc Liaison Committee, 27 September 2018, para. 1. 
"وفضلًا عن ذلك، فهذه التوقعات محفوفة بمخاطر هبوط كبيرة، ولا سيما في ظل القلق إزاء التشريعات الإسرائيلية التي تزمع تقليص إيرادات المقاصة، وإحتمالية تحول التصاعد في حدة التوتر إلى إضطرابات تعم قطاع غزة."

[3] المصدر السابق.

[4] المصدر السابق، الفقرة 15.

[5] يُعرف الفقراء على أنهم أولئك الذين يعيشون على ما يقل عن 4.6 دولار في اليوم، بما يشمل المساعدات والتحويلات الإجتماعية، وهو الحد الأدنى لتغطية الإحتياجات الأساسية للأسر المعيشية. ويعد كل شخص من بين إثنين في غزة فقيرًا، أي أكثر من مليون شخص، بمن فيهم أكثر من 400,000 طفل. ووفقًا لنتائج المسح، فدون إحتساب المساعدات والتحويلات الإجتماعية، كان من الممكن أن يصل معدل الفقر في غزة بحلول العام 2017 إلى نحو 60 ب المائة، وأن يتجاوز معدل الفقر المدقع 42 ب المائة.

[6] مجموعة فرعية للعنف القائم على النوع (2017). الأـثر الإنساني لأزمة الطاقة والوقود في غزة على العنف القائم على النوع والخدمات. مايو 2017.
GBV Sub-Cluster (2017). The Humanitarian Impact of Gaza’s Electricity and Fuel Crisis on Gender-based Violence and Services, May 2017.

[7] تشير "الصواريخ التحذيرية"، التي يشار إليها أيضًا بـ"طَرْق الأسطح"، إلى صواريخ صغيرة تطلقها القوات الإسرائيلية بهدف تحذير السكان للإخلاء قبل إطلاق صواريخ أكبر أو صواريخ ذات أثر أكبر. يمكن الإطلاع على المزيد من المعلومات حول هذا الجانب في:  
Report of the United Nations High Commissioner for Human Rights on the implementation of Human Rights Council resolution S-9/1 and S-12/1, A/HRC/22/35/Add.1, 6 March 2013.