تهجير الرعاة الفلسطينيين وسط تصاعد عنف المستوطنين

لم يزل عنف المستوطنين يشهد تصاعدًا في شتى أرجاء الضفة الغربية على مدى السنوات الماضية. فقد وقعت ثلاثة حوادث مرتبطة بالمستوطنين في اليوم بالمتوسط خلال الأشهر الثمانية الأولى من العام 2023، بالمقارنة مع ما متوسطة حادثين في اليوم خلال العام 2022 وحادث واحد في اليوم في العام الذي سبقه. وهذا أعلى متوسط يومي للحوادث المرتبطة بالمستوطنين وتلحق الضرر بالفلسطينيين منذ أن استهلت الأمم المتحدة تسجيل هذه البيانات في العام 2006.

حوادث عنف المستوطنين*

في آب/أغسطس 2023، أجرت الأمم المتحدة وشركاؤها من المنظمات الإنسانية تقييمًا للاحتياجات الإنسانية لدى 63 تجمعًا رعويًا فلسطينيًا («التجمعات») في مختلف أنحاء الضفة الغربية من خلال مقابلات مع مقدمي المعلومات الرئيسيين فيها. وقد اختيرت هذه التجمعات التي تؤوي 10,000 شخص، 24 بالمائة منهم من النساء و51 بالمائة من الأطفال، بناءً على ارتفاع مستوى ضعفها وقربها من المستوطنات وتعرّضها لعنف المستوطنين.

تهجير السكان

هُجر ما مجموعه 1,105 أشخاص من 28 تجمعًا – نحو 12 بالمائة من سكان التجمعات – من أماكن إقامتهم منذ العام 2022، حيث أشاروا إلى عنف المستوطنين ومنعهم من الوصول إلى أراضي الرعي باعتبارهما السبب الرئيسي وراء رحيلهم عنها. وانتقل هؤلاء المهجرون إلى بلدات أو مناطق ريفية أخرى عدّوها أكثر أمنًا. وكان معظم المهجرين في محافظات رام اللة ونابلس والخليل، التي يوجد فيها أعلى عدد من البؤر الاستيطانية الإسرائيلية كذلك. وهُجر جميع سكان أربع تجمعات وباتت خالية الآن، بما فيها تجمعان أُخليا في أثناء إجراء التقييم المذكور. وفي ست تجمعات أخرى، رحل أكثر من 50 بالمائة من سكانها منذ العام 2022 ورحل أكثر من 25 بالمائة من سبع تجمعات أخرى. ولا يشمل العدد الموثق للأشخاص المهجرين الرعاة الفلسطينيين الذين رحلوا لأسباب تتعلق بالمواسم، ويتضمن أولئك الذين أشاروا إلى رغبتهم في العودة في حال تحسن الظروف.

الأشخاص المهجرون حسب المحافظة منذ العام 2022 بسبب عنف المستوطنين

أنواع عنف المستوطنين

أشار نحو 93 بالمائة من التجمعات إلى ارتفاع وتيرة عنف المستوطنين، وأفاد 90 بالمائة منها إلى ازدياد حدة هذا العنف منذ مطلع العام 2022.

أكثر الحوادث المرتبطة بالمستوطنين شيوعًا*

التغير في حجم السكان

أتاح تقييم أجرته الأمم المتحدة وشركاؤها من المنظمات الإنسانية في العام 2013 البيانات المقارنة بشأن 41 تجمعًا من التجمعات. وقد سجل 24 تجمعًا من هذه التجمعات انخفاضًا نسبته 39 بالمائة في حجم سكانها. ففي هذه التجمعات، تراجع نمو السكان الإجمالي بما نسبته 10 بالمائة عن معدل النمو المتوقع على أساس متوسط الضفة الغربية. وتتولى السلطات الإسرائيلية المصادقة على «المخططات الهيكلية» للتجمعات التي سجلت أعلى معدل لنمو السكان فيها.

انخفاض عدد المواشي وتقلص مساحة أراضي الرعي المزروعة

أشارت كل التجمعات تقريبًا (55 تجمعًا) إلى تناقص أعداد مواشيها، وأفاد ما لا يقل عن 90 بالمائة منها إلى تقلص مساحة أراضي الرعي المزروعة. وما عاد في استطاعة نحو 79 بالمائة من التجمعات الوصول إلى أراضيها بسبب هجمات المستوطنين، وأشارت 60 بالمائة من تلك التجمعات إلى توسع المستوطنات في أراضي الرعي أو استيلاء المستوطنين عليها باعتبارها من الأسباب التي تقف وراء تقلص مساحتها.

أسباب تناقص أعداد المواشي*

أسباب تقلص مساحات الأراضي المزروعة*

إتلاف المحاصيل

تعرضت محاصيل نحو 62 بالمائة من التجمعات التي أشارت إلى عنف المستوطنين باعتباره السبب الرئيسي وراء تضاؤل إمكانية الوصول إلى أراضي الرعي المزروعة للإتلاف بسبب إضرام النار عمدًا فيها أو تخريبها أو برعي المستوطنين قطعان مواشيهم في الأراضي التي كان الرعاة الفلسطينيون يعتمدون عليها.

المناطق العسكرية المغلفة ومصادرة الأراضي

تسبب الإعلان عن المناطق العسكرية المغلقة، والذي غالبًا ما تفرضه السلطات الإسرائيلية بعد اندلاع المواجهات بين أبناء التجمعات السكانية والمستوطنين الإسرائيليين، في إلحاق الضرر بنحو 64 بالمائة من التجمعات التي قالت إن التدابير الإدارية كانت سببًا من أسباب تراجع إمكانية الوصول إلى أراضي الرعي المزروعة. وتلقى نحو 71 بالمائة من التجمعات التي أشارت إلى العقبات الإدارية أوامر بمصادرة أراضيها، بما فيها أوامر جرى تنفيذها، في حين صادرت السلطات الإسرائيلية ما نسبته 32 بالمائة من أراضي تلك التجمعات جزئيًا أو كليًا.

إلحاق الأضرار بمصادر المياه

أفاد نحو 66 بالمائة من التجمعات إلى أن قدرتها على الوصول إلى المياه تأثرت سلبًا بسبب عنف المستوطنين. وأفادت 46 بالمائة منها بأن المستوطنين عملوا على تلويث مصادر المياه التي يعتمد الرعاة الفلسطينيون عليها أو تخريبها أو الاستيلاء عليها.

إمكانية الوصول إلى الصحة والتعليم

أشار أكثر من نصف التجمعات التي أفادت بأنها تواجه عقبات على صعيد التعليم إلى عنف المستوطنين باعتباره سببًا وراء صعوبة الوصول إلى المؤسسات التعليمية، في حين أشارت 36 بالمائة من التجمعات إلى عنف المستوطنين باعتباره يؤثر على إمكانية وصول أبنائها إلى خدمات الرعاية الصحية.

غياب المساءلة عن عنف المستوطنين

في 81 بالمائة من التجمعات، قدم السكان شكاوى للشرطة الإسرائيلية في بعض أو معظم حوادث عنف المستوطنين التي تعرضوا لها. ولكن لم يكن سوى 6 بالمائة من ممثلي التجمعات على علم بأي من إجراءات المتابعة التي اتخذتها السلطات الإسرائيلية.

عمليات الهدم

حال نظام التخطيط التمييزي في المنطقة (ج) بين 71 بالمائة من التجمعات وبين تشييد مبانٍ جديدة. وفي كل التجمعات، وثق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية 59 عملية هدم نفذتها السلطات الإسرائيلية في العامين 2022 و2023. وفقد 262 شخصًا منازلهم نتيجة لهذه العمليات.

آليات التأقلم

للتأقلم مع عنف المستوطنين المتصاعد وفقدان القدرة على الوصول إلى أراضي الرعي، باع السكان في 95 بالمائة من التجمعات بعضًا من مواشيهم، واقترض سكان 71 بالمائة منها المال لدفع ثمن العلف، وغيّر سكان 35 بالمائة منها سبل عيشهم، وأطعم 30 بالمائة من سكان التجمعات مواشيهم طعامًا رديئًا.

ينبغي أن يعتمد الرعاة الفلسطينيون على أنفسهم حسب سبل عيشهم. وعوضًا عن ذلك، يحتاج هؤلاء الرعاة إلى المساعدات الإنسانية بسبب عنف المستوطنين وتقصير السلطات الإسرائيلية في مساءلة منفذي الهجمات التي تستهدفهم. ويهيئ هذا الوضع، وما يقترن به من عجز الفلسطينيين عن الحصول على الموافقات على البناء وعمليات الهدم والإخلاء والقيود المفروضة على الوصول واستمرار التوسع الاستيطاني، بيئة قسرية تسهم في التهجير الذي قد يرقى إلى مرتبة الترحيل القسري ويشكل مخالفة جسيمة لاتفاقية جنيف الرابعة.1

وفضلًا عن الحاجة الماسة إلى الحماية من عنف المستوطنين ووضع حد للبيئة القسرية، يحتاج الرعاة الفلسطينيون إلى دعم سبل عيشهم، بما يشمل إطعام مواشيهم وحمايتها، كما يحتاجون إلى المساعدات الإنسانية للوفاء باحتياجاتهم الأساسية من المأوى والمياه والتعليم والرعاية الصحية.

التجمعات الرعوية الفلسطينية وقربها من المستوطنات والبؤر الاستيطانية الإسرائيلية


[1] تقرير الأمين العام بشأن المستوطنات الإسرائيلية في الأرض الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية، والجولان السوري المحتل. A/74/357. آب/أغسطس 2019.