أكثر من 700 حاجز يتحكّم في تنقُّل الفلسطينيين داخل الضفة الغربية

في شهر تموز/ يوليو 2018، فرغ مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية من إعداد ’مسح الإغلاق‘ الشامل، الذي سجّل وجود 705 عوائق دائمة في مختلف أنحاء الضفة الغربية، حيث تقيّد حركة المركبات الفلسطينية، وتنقّل المشاة الفلسطينيين في بعض الحالات. ويشكّل هذا العدد إرتفاعًا تبلغ نسبته 3 بالمائة عمّا كان عليه الحال في شهر كانون الأول/ ديسمبر 2016، وهو تاريخ المسح السابق. وقد بات نشر الحواجز يتصّف بقدر أكبر من المرونة. فمع مستوى العنف المتدني نسبيًا منذ إعداد المسح السابق، باتت هذه الحواجز تحدث آثارًا أقل في تعطيل الحياة اليومية للفلسطينيين الذين يتنقلون بين التجمعات السكانية الفلسطينية (باستثناء القدس الشرقية والمنطقة الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية في مدينة الخليل) مما كان عليه الحال في السابق.

أنواع الإغلاقات في الضفة الغربية

وتشمل العوائق المذكورة 140 حاجزًا يتمركز عليه الجنود على الدوام أو بين الفينة والأخرى، و165 بوابة طريق لا يتمركز عليها الجنود (ونحو نصف هذه البوابات مغلق في الأحوال العادية)، و149 ساترًا ترابيًا و251 عائقًا غير مأهول (متاريس الطرق، والخنادق، والجدران الترابية، وغيرها). ويكمن أهم الإختلافات التي لوحظت منذ نشر المسح الأخير من ناحية فئة العوائق في إضافة 39 بوابة طريق وإزالة 31 ساترًا ترابيًا. وسُجلت أكبر زيادة صافية في محافظة رام الله، حيث شملت ما مجموعه 15 عائقًا إضافيًا.

عوائق في المنطقة الوسطى والشمالية بالضفة الغربية

وتضم الحواجز البالغ عددها 140 حاجزًا بنية تحتية دائمة، غير أن 64 منها فقط مأهول بالقوات الأمنية بصورة دائمة، بما فيها 32 حاجزًا يقع على إمتداد الجدار أو على الطرق المؤدية إلى إسرائيل، و20 حاجزًا في المنطقة الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية في مدينة الخليل، و12 حاجزًا آخر في مناطق أخرى من الضفة الغربية. أما الحواجز (الجزئية) الأخرى، التي يبلغ عددها 76 حاجزًا، فقد يتمركز عليها أفراد القوات الأمنية بين الفينة والأخرى أو في برج، وليس على الأرض. وتُستثنى من هذه الأرقام ثمانية حواجز تقع على الخط الأخضر (خط الهدنة لسنة 1949).

وبين شهر كانون الثاني/ يناير 2017 ونهاية شهر تموز/ يوليو 2018، أقامت القوات الإسرائيلية 4,926 حاجزًا "مفاجئًا" إضافيًا، أو ما يقرب من 60 حاجزًا في الأسبوع. وهذه تشمل نشر القوات الإسرائيلية لعدة ساعات على طريق بعينه لغايات إيقاف السائقين الفلسطينيين ومركباتهم وتفتيشها، دون أن يكون لهذه الحواجز بنية تحتية مادية دائمة على الأرض.

نظام سيطرة قابل للمواءمة 

في غضون السنوات القليلة الماضية، بات نظام عوائق الطرق يسمح، وبصورة متزايدة، للقوات الإسرائيلية بإغلاق أي منطقة بعينها أو فتحها حسب مستوى التوتر القائم. فمعظم الحواجز (التي تبلغ نسبتها 80 بالمائة) غير مأهولة، وهي تُستخدم لتوجيه حركة مرور الفلسطينيين في إتجاه عدد محدود من المفترقات التي تقع تحت سيطرة هذه الحواجز. وخلال الفترات التي يعمّها الهدوء، غالبًا ما تكون تلك الحواجز غير مأهولة أو يعمد أفراد الأمن المتمركزين عليها إلى تفتيش المركبات التي تمرّ عبرها بين الحين والآخر. وفي المقابل، عندما تزداد حدة التوتر، تصبح الحواجز مأهولة في معظمها، حيث يوقف أفراد الأمن المركبات بوتيرة أكبر، مما يتسبب في حالات التأخير. وقد حدث هذا الأمر على نطاق واسع خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام 2015 عقب تصاعُد الهجمات والمظاهرات العامة الفلسطينية، ما سبب آثارًا إنسانية وإقتصادية كبيرة، ولا سيما في مختلف أنحاء محافظة الخليل.[1]

وتنفَّذ إجراءات تفتيش صارمة في جميع الأوقات على الحواجز المقامة على إمتداد الجدار أو على الطرق المؤدية إلى القدس الشرقية المحتلة أو إسرائيل، ولا يُسمح إلاّ للمشاة الفلسطينيين الذين يحملون تصاريح خاصة بالمرور عبرها. وتحظر هذه الحواجز على الغالبية العظمى من السكان الفلسطينيين الوصول إلى المناطق الواقعة خلف الجدار ("منطقة التّماس") والقدس الشرقية، بينما تتحكّم في وصول من يحملون التصاريح الخاصة إلى هذه المناطق أو إلى أماكن عملهم في إسرائيل.

وفي وسع المرء أن يعاين توسيع هذا النظام الذي يتّصف بقدر أكبر من المرونة في إرتفاع عدد البوابات المقامة على الطرق، والتي يمكن فتحها وإغلاقها حسب الظروف القائمة، مقابل إنخفاض عدد السواتر الترابية. وبالنظر إلى الظروف الهادئة نسبيًا والسائدة خلال الفترة التي تغطيها هذه النشرة، صُنِّف أكثر من نصف بوابات الطرق باعتبارها "مفتوحة غالبًا". كما يتواءم هذا الإتجاه مع نشر الحواجز طيارة في حالات كثيرة، وهي أكثر أنواع العوائق المتنقلة.

الإغلاق في المنطقة الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية في مدينة الخليل © - تصوير مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية

إغلاق مداخل القرى

في غضون السنوات القليلة الماضية، منع الجيش الإسرائيلي المركبات من الوصول إلى المفترقات الرئيسية للتجمعات السكانية الفلسطينية، التي تُلقى الحجارة منها على المركبات الإسرائيلية أو التي تقع فيها منازل منفّذي هجمات أو من يُشتبه بهم في تنفيذ هجمات ضد إسرائيليين. ومنذ شهر كانون الثاني/ يناير 2017، وثّق مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية 93 حادثة من هذا القبيل، حيث ألحقت الضرر بما مجموعه 30 تجمعًا سكانيًا.[2]

وفي تقرير صدر في العام 2017 عن مجلس حقوق الإنسان، صرّح الأمين العام للأمم المتحدة بأن تدابير من قبيل إغلاق القرى والبلدات الفلسطينية عقب الهجمات التي تستهدف إسرائيليين "قد تبلغ حد العقاب الجماعي".[3]

وفي معظم الحالات، يُطلِع ضباط الجيش الإسرائيلي مكاتب التنسيق والإرتباط أو المجالس القروية الفلسطينية على أن الإغلاق يرتبط بحوادث كتلك المبيّنة آنفًا. وفي أغلب هذه الحالات، لا يمنع الإغلاق الشباب الفلسطينيين بصورة مباشرة من الوصول إلى الطرق الرئيسية سيرًا على الأقدام وإلقاء الحجارة على مركبات إسرائيلية. وعلى نحو مماثل، يفرض الإغلاق في أعقاب الهجمات بالطعن أو إطلاق النار في التجمعات التي ينحدر منها منفّذوها، بصرف النظر عن الموقع الفعلي الذي تقع فيه تلك الهجمات.

وتتفاوت حالات الإغلاق في حدّتها (حيث تتراوح من فرض الإغلاق الشامل إلى تفتيش المركبات تفتيشًا دقيقًا) وقد يتواصل من عدّة أيام إلى عدد من الأسابيع. ويُضطر السكان إلى إجتياز عائق أو حاجز مقام على الطريق سيرًا على الأقدام للوصول إلى وسائل المواصلات العامة على الجانب الآخر منه، أو يسلكون طرقًا التفافية أطول. ويتسبب ذلك في تعطيل قدرة السكان على الوصول إلى الخدمات وسبل العيش، ويحدث أثرًا غير متناسب على الأطفال وكبار السن والأشخاص ذوي الإعاقة.

أثر الإغلاق على الوكالات الإنسانية

إضافة إلى ما ذكر سابقاً ، تتسبب الحواجز المقامة في مختلف أنحاء الضفة الغربية، وخاصة تلك التي تتحكم في الوصول إلى القدس الشرقية وإسرائيل و"منطقة التّماس"، في تعطيل العمليات التي تنفذها المنظمات الإنسانية. ويشترط الأفراد الذين يتمركزون على 11 حاجزًا تديره شركات أمنية خاصة، وبصورة منهجية، تفتيش المركبات التابعة للمنظمات غير الحكومية الدولية، بما فيها وكالات الأمم المتحدة، مما يشكل إنتهاكًا لإمتيازات الأمم المتحدة وحصاناتها. ونتيجةً لذلك، يُضطر موظفو الأمم المتحدة إلى تجنّب هذه الحواجز وسلوك طرقًا إلتفافية طويلة. ويستدعي مرور الموظفين المحليين عبر خمسة حواجز أخرى يتمركز عليها أفراد القوات الإسرائيلية ’تنسيقًا مسبقًا‘ وتصريحًا خاصًا.

وخلال العام 2017، أشارت تقارير عن الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية دولية أن 341 حادثة شهدت فرض القيود على الوصول على الحواجز المقامة في الضفة الغربية، وهي زيادة كبيرة بالمقارنة مع العام السابق (131 حالة). وشهد عدد ساعات العمل التي ضاعت في سياق هذه الحوادث إرتفاعًا ملموسًا من 1,262 ساعة في العام 2016 إلى 10,473 ساعة في العام 2017. وشملت غالبية الحوادث المذكورة المطالبة بتفتيش الحافلات التابعة للأمم المتحدة وإجبار الموظفين على متنها على النزول خلال إجراءات التفتيش. وسُجِّل العدد الأكبر من هذه الحوادث خلال العام 2017 (37 بالمائة) على حاجز الوَلَجة، المقام على الخط الأخضر والذي يتحكم في الوصول بين جنوب الضفة الغربية والقدس. وقد تراجع عدد تلك الحوادث منذ مطلع العام 2018 عقب تعليمات أصدرتها السلطات الإسرائيلية بالسماح لموظفي الأمم المتحدة بالبقاء على متن حافلاتهم، وتفتيش المركبات في حال ثار شك محّدد لدى الأفراد المتمركزين على الحاجز.

نظام أوسع لفرض القيود على الوصول

تشكّل العوائق المقامة على الطرق جزءًا لا يتجزأ من نظام أوسع يُعنى بفرض القيود على الوصول. فبحجة الدواعي الأمنية، يعرقل هذا النظام تنقّل الفلسطينيين داخل الضفة الغربية ويسهم في تفتيتها وتقطيع أوصالها من الناحية الجغرافية. ويشمل هذا النظام الجدار، الذي يتغلغل 85 بالمائة منه داخل أراضي الضفة الغربية. وينبغي على الفلسطينيين الحصول على تصاريح أو طلب ’التنسيق المسبق‘ لكي يتمكنوا من الوصول إلى أراضيهم ومنازلهم الواقعة بين الجدار والخط الأخضر. ويُشترط على حملة هوية الضفة الغربية إستصدار تصاريح للدخول إلى القدس الشرقية (باستثناء الرجال الذين تزيد أعمارهم على 50 عامًا والنساء اللواتي يتجاوزن  50 عامًا). كما يُفرض الحظر والقيود على إستخدام 400 كيلومتر من الطرق المخصَّصة للمستوطنين الإسرائيليين بصورة حصرية تقريبًا، ويُمنع الوصول إلى ما نسبته 20 بالمائة من أراضي الضفة الغربية على أساس تصنيفها كـ’مناطق إطلاق نار‘ لأغراض التدريب العسكري أو ’مناطق عازلة‘ بعمومها، ويمتد هذا الحظر ليشمل ما يزيد على 10 بالمائة من أراضي الضفة الغربية الواقعة داخل الحدود البلدية التابعة للمستوطنات الإسرائيلية.

وبموجب القانون الدولي، تقع إسرائيل تحت إلتزام يملي عليها تيسير حرية الفلسطينيين في التنقل في جميع أنحاء الأرض الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية. ولا يُعترف بالإستثناءات الواردة على هذا الإلتزام إلاّ لأسباب أمنية قاهرة لا تُنفَّذ إلاّ في إطار ردّ على تهديدات أمنية محددة. وقد قررت محكمة العدل الدولية في فتواها الصادرة في العام 2004 بأن مقاطع الجدار التي تتوغّل في أراضي الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، ونظام البوابات والتصاريح المرتبط به، تخالف الإلتزامات التي يرتبها القانون الدولي على إسرائيل.

حالة قرية حزما

حزما قرية فلسطينية يزيد عدد سكانها على 7,000 نسمة وتقع في محافظة القدس. ويقع معظم المنطقة المأهولة في القرية ضمن المنطقة (ب)، غير أن أجزاء صغيرة منها تقع ضمن المنطقة (ج) أو ضمن حدود بلدية القدس، ويعزلها الجدار عن بقية أنحاء المدينة. وفي القترة الواقعة بين 28 كانون الثاني/ يناير ونهاية شهر آذار/ مارس 2018، أغلق الجيش الإسرائيلي الطرق الثلاث المؤدية إلى قرية حزما بصورة كلية أو جزئية أمام حركة مرور الفلسطينيين. كما علّق الجيش الإسرائيلي ملصقات على أبواب المحال التجارية في القرية، حيث صرّح فيها بأن الجيش "سوف يواصل عمله ما دمتم [السكان] تخرّبون". وأظهرت ملصقات أخرى صور زجاج أمامي محطم للمركبات. وأشارت رئيسة المجلس القروي، بناءً على إتصالات مع الجيش الإسرائيلي، إن الملصقات تبرر الإغلاق على أنه ردًا على ما قام به شبان فلسطينيون من إلقاء الحجارة على مركبات تحمل لوحات تسجيل إسرائيلية. وخلال العام 2017 والشهرين الأولين من العام 2018، سجّل مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية 11 حادثة ألقى فيها فلسطينيون الحجارة على مركبات إسرائيلية بالقرب من حزما وأدّت إلى وقوع إصابات بين الإسرائيليين أو إلحاق أضرار بمركباتهم.

وتسبّبت الإغلاقات في تعطيل قدرة سكان حزما على الوصول إلى الخدمات وسبل العيش. كما جرى تحويل حركة المرور العامة بين شمال الضفة الغربية وجنوبها والتي كانت تمرّ عبر القرية، مما أدى إلى تقويض الحياة التجارية فيها. ويواجه مقدّمو الخدمات، بمن فيهم ثلث المعلمين في مدارس القرية والذين ينتقلون إليها كل يوم، التأخير في الوصول إلى أماكن عملهم في القرية. ولحقت الأضرار بما يزيد على 50 محلًا تجاريًا/ مشروع أعمال تشكّل مصدر الدخل الرئيسي لـ150 أسرة بسبب تحويل حركة مرور الفلسطينيين من القرية. كما تضرّرت الحياة الأسرية بطبيعة الإغلاقات التي لا يمكن التكهّن بها.


[1] أنظر, OCHA, Humanitarian Bulletin, January 2016.

[2] وهذه التجمعات المتضررة هي: يعبَد (جنين)؛ وأوصرين، ومادما، واللُّبَّن الشرقية، وحوّارة، وتِلّ وبِيتا (نابلس)؛ وعزّون وعزبة الطبيب (قلقيلية)؛ وكفر الديك (سلفيت)؛ وحوسان، وبيت تعِمِّر وجنّاتا (بيت لحم)؛ ومخيم الفوار ومراح رباح (الخليل)؛ وحزما، والبلدة القديمة، وبِدّو، وبيت إكسا وبيت سوريك (القدس)؛ ودير أبو مَشعل، وعين يبرود، وكوبر، وبيتلّو، ومخيم الجلزون، والبيره، ودير نظام، والمغيِّر وسِنجل (رام الله).

[3] تقرير الأمين العام، حالة حقوق الإنسان في الأرض الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية، وثيقة الأمم المتحدة (A/HRC/34/38)، نيسان/أبريل 2017، الفقرتان 32-33.