لاجئ فلسطيني يستلم سلة غذائية في مركز توزيع الشاطئ، مدينة غزة  © - الأونروا 2017، تصوير رشدي السراج
لاجئ فلسطيني يستلم سلة غذائية في مركز توزيع الشاطئ، مدينة غزة © - الأونروا 2017، تصوير رشدي السراج

53 في المائة من الفلسطينيين في غزة يعيشون في دائرة الفقر، على الرغم من المساعدات الإنسانية

زيادة بلغت 14 نقطة مئوية منذ العام 2011

تشير النتائج التي خلص إليها إستطلاع إنفاق وإستهلاك الأسرة، الذي نشره الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني في شهر أيار/مايو، إلى زيادة معتبرة في معدلات الفقر في قطاع غزة: من 38.8 في المائة في العام 2011 (المرة السابقة التي جرى قياس الفقر فيها) إلى 53 في المائة بحلول نهاية العام 2017، وهو ما يعادل نحو 1.01 مليون شخص، بمن فيهم أكثر من 400,000 طفل.[1] وهذا يعني أن الفقر إرتفع بنسبة تزيد على 14 نقطة مئوية في فترة بلغت ستة أعوام.

لاجئ فلسطيني يستلم سلة غذائية في مركز توزيع الشاطئ، مدينة غزة  © - الأونروا 2017، تصوير رشدي السراج

ويُعرف الفقراء على أنهم أولئك الذين يعيشون على ما يقل عن 4.6 دولار في اليوم، بما يشمل المساعدات والتحويلات الإجتماعية، التي يقدِّر الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني بأنها توفر الحد الأدنى لتغطية الإحتياجات الأساسية للأسرة (المأوى، والملبس والغذاء)، بالإضافة إلى الرعاية الصحية الأساسية، والتعليم والمواصلات.[2] وفضلًا عن ذلك، ما يقارب من ثلثي الفقراء، أو 656,000 شخص، يعيشون في فقر مدقع، أي بأقل من 3.6 دولار في اليوم، وهو الحد الأدنى اللازم لتغطية إحتياجات المأوى والملبس والغذاء دون غيرها.

وقد تبيّن أن أكثر من نصف (53.6 في المائة) أولئك الذين أفادوا بأن مصدر دخلهم الرئيسي يتأتى من المساعدات والتحويلات الإجتماعية فقراء (بعد أخذ ذلك الدخل في الإعتبار)، بالمقارنة مع 29 في المائة ممن يعتمدون على رواتبهم من القطاع الخاص و26 في المائة ممن يعتمدون على رواتبهم من القطاع العام. ووفقًا لهذه النتائج، فدون إحتساب المساعدات والتحويلات الإجتماعية، كان من الممكن أن يصل معدل الفقر في غزة بحلول العام 2017 إلى نحو 60 في المائة، وأن يتجاوز معدل الفقر المدقع 42 في المائة.

 

ويثير المستوى المرتفع من الإعتماد على المساعدات الإجتماعية القلق على نحو خاص، حيث توقفت وزارة المالية في رام الله مؤخرًا عن تحويل الأموال المرصودة لهذه الغاية إلى وزارة التنمية الإجتماعية في غزة. وقد قُدِّمت دفعة التحويلات الأخيرة في شهر كانون الثاني/يناير، حيث غطت مخصصات شهر كانون الأول/ديسمبر. 

ومن النتائج الأخرى التي تؤكد على هشاشة الوضع ما تحتله الحصة الغذائية من إجمالي إستهلاك الأسرة، والتي وصلت في قطاع غزة إلى نحو 35 في المائة. فكلما زادت هذه الحصة، قلّ مستوى المعيشة، بالنظر إلى الموارد الشحيحة المتاحة لسد الإحتياجات الأخرى.

وقد أدّت التقلبات الشديدة التي عصفت بإقتصاد قطاع غزة، والتي إتصفّت بفترات قصيرة من النمو وأعقبتها فترات طويلة من الكساد المستشري، إلى إرتفاع معدلات الفقر في القطاع، على نحو ما تعكسه البيانات الصادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني. وقد تمخض هذا الوضع عن إرتفاع معدلات البطالة التي تُعد من بين الأعلى على مستوى العالم: فخلال الربع الأول من العام 2018، وصلت معدلات البطالة إلى 49.1 في المائة. ومن جملة العوامل الرئيسية التي تؤثر على هذا الوضع الحصار الذي تفرضه إسرائيل على قطاع غزة منذ أمد طويل، والذي يزيد من تفاقمه الإنقسام الداخلي الفلسطيني وتكرار إندلاع حالات التصعيد وأزمة الطاقة المزمنة.

إنعدام الأمن الغذائي

وفقًا لما يؤكّده مسح الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، يعود السبب الرئيسي وراء إنعدام الأمن الغذائي في غزة إلى الإفتقار إلى القدرة الإقتصادية للحصول على الغذاء، أي الفقر، وليس عدم توفر الغذاء في الأسواق. ونتيجة لذلك، عمدت الأمم المتحدة، ومن خلال وكالة الأونروا وبرنامج الأغذية العالمي، إلى زيادة حجم المساعدات الغذائية التي تقدمها. ومع ذلك، يكتنف الخطر إستمرار تقديم هذه المساعدات في هذه الآونة بسبب النقص الحاد في التمويل.

وحاليًا، تقدم الأونروا المساعدات الغذائية لما يربو على 996,000 لاجئ فلسطيني في غزة، ممن لا يملكون الإمكانيات المالية التي تلزمهم لتغطية إحتياجاتهم الغذائية الأساسية، وذلك من خلال برنامج المساعدة الغذائية في حالات الطوارئ وبرنامج شبكة الأمان الإجتماعي.

وقد إرتفعت نسبة الأفراد الذين يتلقون المساعدات الغذائية من الأونروا من أقل من 10 في المائة من إجمالي تعداد اللاجئين في غزة خلال العام 2000، إلى نحو 70 في المائة في العام 2017 (أنظر الرسم البياني أدناه). وتقدّم الأونروا لأُسر اللاجئين المؤهلة سلة غذائية تغطي معظم إحتياجات المستفيدين من السعرات الحرارية اليومية، وذلك مرة كل ثلاثة أشهر.[3]

وإضافة لما تقدّم، تشير السجلات الداخلية في وكالة الأونروا إلى زيادة كبيرة في عدد اللاجئين الذين تراجعت أوضاعهم من الفقر المطلق إلى الفقر المدقع في قطاع غزة: فما نسبته 46 في المائة من أولئك الذين كانوا في الأصل في دائرة الفقر المطلق باتوا الآن يعيشون في فقر مدقع.[4] ولم تجرِ إعادة تصنيف سوى 11 في المائة من الأسر الفقيرة التي تمّ تقييمها في الأصل بإعتبارها تعاني من الفقر المدقع إلى أسر تعيش في فقر مطلق بفضل التحسن الذي طرأ على أوضاعها.

مستفيدون من مساعدات غذائية يقدمها المكتب الميداني للأونروا في غزة

 

كما يستهدف برنامج الأغذية العالمي عددًا إضافيًا يبلغ 245,000 شخص من غير اللاجئين، حيث يعيش جميع هؤلاء تحت خط الفقر المدقع، فإنّه يقدّم المساعدات والتحويلات النقدية لهم. وقد أشار الرصد الذي أجراه البرنامج في شهر نيسان/أبريل إلى زيادة الإستراتيجيات السلبية التي يعتمدها هؤلاء في سبيل التأقلم مع الأوضاع المتردية التي يعيشونها. فالدَّيْن يزداد بوتيرة تشهد تسارعًا أكبر من أي وقت مضى بالنظر إلى التدهور الذي طرأ على دخل الأشخاص وعلى قدرتهم الشرائية. ويعيش جميع المستفيدين من برنامج الأغذية العالمي، ممن شملهم الإستطلاع منذ مطلع هذا العام، على أقل من دولار واحد في اليوم، كما يرزح 70 في المائة منهم تحت وطأة الديون، بمتوسط دين يبلغ 4,500 دولار: 2,900 دولار للكهرباء والماء، و260 دولار لمحلات البقالة، وما قيمته 1,340 دولار على شكل قروض من الأصدقاء والأقارب.

وقد أطلقت خطة الإستجابة الإنسانية للعام 2018 مناشدة لتقديم 224.8 مليون دولار لتغطية إحتياجات الأمن الغذائي في قطاع غزة. وحتى نهاية شهر أيار/مايو 2018، تلقت المنظمات الشريكة 37.7 مليون دولار، أو 16.7 في المائة من المبلغ المطلوب. وعلى الرغم من هذا العجز الكبير في التمويل، فما تزال وكالة الأونروا تضع الأولوية تقديم المساعدات الغذائية للاجئين الضعفاء، وقد يسّرت المساهمات التي قدمتها الجهات المانحة المختلفة في الوقت المطلوب ضمان الإستمرارية في تقديم هذه المساعدات. وما تزال المساعي جارية على مختلف المستويات لحشد التمويل من مانحين مختلفين لضمان تغطية الإحتياجات الغذائية حتى نهاية هذا العام. وفي الوقت الذي تمكّن فيه برنامج الأغذية العالمي من الإبقاء على برنامج المساعدات الغذائية الذي يديره، فسوف يضطر إلى تعليقه بحلول مطلع شهر تموز/يوليو في حال لم يحصل على تمويل إضافي في غضون الأسابيع المقبلة.

أكافح لأطعم عائلتي: قصة سنيورة

تعيش سنيورة، التي تبلغ 35 عامًا من عمرها ومطلقة وأم وحيدة، في ظروف من الفقر المدقع في منزل والديها في بيت لاهيا، شمال غزة، وتكافح لإعالة أطفالها الستة. وهي واحدة من المستفيدات من برنامج المساعدات الغذائية الذي يقدمه برنامج الأغذية العالمي. 

وبالنسبة لسنيورة، يُعد العثور على وظيفة من ضرب المستحيل بسبب إفتقارها إلى التعليم وخبرة العمل في منطقة تشهد أحد أعلى معدلات البطالة في العالم. وقد إضُّطرت إلى ترك مقاعد الدراسة عندما كان عمرها 11 عامًا. ولكونها أمًا مطلقة، فهي تحاول أن تتدبر أمور معيشتها وتؤمّن نفقاتها بمساعدة صديقاتها وأقربائها، وبإعتمادها على المساعدات الخارجية. وقد سجلت في عدة برامج محلية لتقديم المعونات الإجتماعية. وتتلقى سنيورة المساعدات الغذائية والنقدية والطبية، وتعتمد على حصة من الدخل الضئيل الذي يجنيه شقيقها من عمله المؤقت في قطاع البناء. ومع التدهور المستمر الذي يطال الأحوال المعيشية في غزة، فلم يعد في وسع سنيورة أن تعتمد على كرم صديقاتها وأقاربها.

"لقد تراكمت الكثير من الديون على كاهلي، والتي يتعين على أن أسددها كل شهر. وكان علينا أن نقترض 5,000 شيكل (1,500 دولار) من أقاربنا لكي نشيد غرفة إضافية تؤويني أنا وأطفالي. وعليَّ ديون تقدَّر بـ3,000 شيكل (850 دولار) مستحقة عن الغذاء لعدد من أصحاب المحال، كما أدين بمبلغ لا أحصيه من الشواكل لشركة الكهرباء والماء المحلية."

كما أجبر إنقطاع الكهرباء سنيورة على أن تولي عنايتها لشراء السلع الجافة عوضًا عن مشتقات الألبان، لأنه لم يعد في إستطاعتها أن تخزن المواد الغذائية في ثلاجتها ولا أن تستخدم فرنها التقليدي. ولجأت إلى طهي الطعام على الحطب لأن الغاز بات باهظ الثمن. 

"كل يوم أسوأ من اليوم الذي يسبقه. فما عاد شقيقي يعمل، وما عاد في وسع صديقاتي وأقاربي أن يساندوني. وليس أمامي من خيار سوى أن آخذ المزيد من القروض لأجنّب أطفالي أن يناموا وأمعاؤهم خاوية." 

وفي كل شهر، تستخدم سنيورة المساعدة النقدية التي تستلمها من برنامج التحويلات الإجتماعية الوطني لتسديد ديونها المتراكمة عليها منذ أمد بعيد. وتحتل المساعدات الغذائية التي يقدمها برنامج الأمن الغذائي أهمية قصوى بالنسبة لسنيورة، حيث تعينها على إطعام عائلتها وشراء مستلزماتها الضرورية الأخرى، كالثياب والصابون.

* ساهم قطاع الأمن الغذائي في كتابة هذه المقالة


[1] الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، "النتائج الرئيسية لمستويات المعيشة في فلسطين (الإنفاق، الإستهلاك، الفقر)"، 2017، على الموقع الإلكتروني. وسجلت معدلات الفقر الإجمالية زيادة من 25.8 بالمائة في العام 2011 إلى 29.2 بالمائة في العام 2017. وفي الضفة الغربية، بلغت معدلات الفقر 17.8 بالمائة، بالمقارنة مع 13.9 بالمائة في العام 2011.

[2] ويسري مستوى الدخل هذا على أسرة معيشية تتألف من بالغيْن وثلاثة أطفال يعيشون على أقل من 2,470 شيكلًا في الشهر، حيث يُعتبرون فقراء، أو على أقل من 1,974 شيكلًا في الشهر، حيث يُعتبرون بأنهم يعيشون في فقر مدقع.

[3] يجري تحديد الأهلية لتلقى المساعدات الغذائية في حالات الطوارئ على أساس نتائج مسح تقييم الفقر الذي يجريه موظفو الإغاثة التابعون لوكالة الأونروا مرة كل سنتين من خلال الزيارات المنزلية. ويقف هذا النظام على السمات الأساسية للأسر المعيشية، كالسن، والجنس وظروف السكن، وتركيبة الأسرة المعيشية، وملكية الأصول وحالة العمل. كما يأخذ هذا النظام حالات الضعف في الاعتبار، من قبيل حالات اللاجئين الذين لا يملكون القدرة على الوصول إلى المساعدات الغذائية من خلال القنوات الإعتيادية، والزوجات في حالات تعدد الزوجات، والمطلقات أو النساء اللواتي إنفصلن عن أزواجهن أو هجرهن أزواجهن. ويتلقى الأفراد المؤهلون السلال الغذائية التي تحتوي على الدقيق والأرز والسكر وزيت عباد الشمس والحليب الكامل الدسم والحمص والعدس وعلب الساردين (وقد وزعت الأونروا، خلال العام 2017، ما مجموعه 6,538,850 طنًا متريًا من هذه المواد).

[4] تعرف وكالة الأونروا اللاجئين الذين يعيشون في فقر مدقع بأنهم أولئك الذين يعيشون تحت خط الفقر المدقع الذي يبلغ 1.74 دولار للفرد في اليوم. بينما تعرف الوكالة اللاجئين الذين يعانون من فقر مطلق بأنهم أولئك الذين يعيشون بين خط الفقر المدقع وخط الفقر المطلق، حيث يبلغ ما يجنونه 3.87 دولار للفرد في اليوم.