مزارعون من برقة وهم يزيلون الحجارة التي أغلق بها المستوطنون الطريق المؤدي إلى أراضيهم، برقة، نابلس، تشرين الأول/أكتوبر 2017 © - تصوير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)
مزارعون من برقة وهم يزيلون الحجارة التي أغلق بها المستوطنون الطريق المؤدي إلى أراضيهم، برقة، نابلس، تشرين الأول/أكتوبر 2017 © - تصوير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)

وصول مقيّد إلى أراض زراعية قد إستولى المستوطنون عليها على الرغم من الأحكام القضائية الصادرة عن المحاكم الإسرائيلية

مصادرة الأراضي التي يملكها الفلسطينيون ملكيةً خاصةً لغايات إقامة المستوطنات الإسرائيلية وتوسيعها هي ظاهرة شائعة منذ بداية الإحتلال الإسرائيلي.[1] وعلى مدى السنوات القليلة الماضية، بات المستوطنون الإسرائيليون ينفذون هذه الإجراءات بصورة رئيسية دون إذن أو تفويض رسمي، ويجري ذلك في الغالب بإذعان ودعم نشط من السلطات الإسرائيلية. وقد دفع ما نجم عن ذلك من فقدان الممتلكات ومصادر سبل العيش، وتقييد الوصول إلى الخدمات ونطاق من التهديدات التي طالت الحماية الواجبة للسكان إلى المطالبة بتقديم المساعدات وتوفير تدابير الحماية لهم من قبل المجتمع الإنساني.[2]

وفي العديد من الحالات، فاز أصحاب الأراضي الفلسطينيون المتضررون من توسيع المستوطنات، وبدعم من منظمات حقوق الإنسان، بأحكام قضائية أو قرارات إدارية تقضي بإثبات ملكيتهم لقطع محددة من الأراضي وتأمر بإزالة المتعديين من المستوطنين أو إلغاء أوامر المصادرة الصادرة بشأنها. ومع ذلك، بقيت هذه الأحكام "حبرًا على ورق" في أحيان كثيرة وبقي  أصحاب الأراضي عاجزين عن الوصول إلى أراضيهم أو زراعتها حتى بعد إخلاء المستوطنين منها. 

مزارعون من برقة وهم يزيلون الحجارة التي أغلق بها المستوطنون الطريق المؤدي إلى أراضيهم، برقة، نابلس، تشرين الأول/أكتوبر 2017 © - تصوير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)

أقيمت بؤرة عمونا الإستيطانية في منطقة يملكها فلسطينيون من قرية عين يبرود (رام الله). وقد تمّ إخلاء هذه البؤرة الإستيطانية في شهر شباط/فبراير 2017 عقب معركة قضائية طال أمدها انتهت  بإصدار حكم من محكمة العدل العليا لصالح أصحاب الأرض الفلسطينيين. وبعد إخلائها مباشرة، أصدر الجيش الإسرائيلي "أمرًا بشأن تعيين الحدود"، حيث حظر بموجبه على أي شخص (وبما يشمل الإسرائيليين والفلسطينيين) دخول المنطقة لمدة عامين. 

وردًا على إستئناف رفعته منظمة متطوعون لحقوق الإنسان ("ييش دين") بالنيابة عن أصحاب الأراضي، صرّح الجيش الإسرائيلي: "في ضوء القلق الحقيقي من التوتر في الميدان"، يتطلب الدخول إلى المنطقة "تنسيقًا مسبقًا"، والسياسة المقررة لمنح هذا التنسيق في هذه المرحلة "محدودة جدًا".[3]

وعلى مدى السنوات القليلة الماضية، وسعت السلطات الإسرائيلية شرط "التنسيق المسبق" بإعتباره شرطًا يجب على المزارعين الفلسطينيين الوفاء به لكي يتمكنوا من الوصول إلى أراضيهم الواقعة بالقرب من المستوطنات.[4] 

هذه الممارسة، التي لا تتيح سوى إمكانية محدودة للوصول (على مدى أيام قليلة في السنة في معظم الحالات)، وتقوّض النشاطات الزراعية، وتهدّد سبل عيش المزارعين وتفرض العقاب على المزارعين المتضررين من عنف المستوطنين، عوضًا عن إنفاذ القانون للمستوطنين الذين يرتكبون أعمال العنف.

وفي حالات أخرى، تتسبب أعمال العنف والترهيب المُمنهجة التي يمارسها المستوطنون الإسرائيليون، وهم في الغالب مسلحون، في إعاقة المزارعين الفلسطينيين أو منعهم من الوصول إلى أراضيهم في المناطق التي تمّ إخلاءها. ومن الأمثلة على ذلك الأراضي الخاصة التي يملكها فلسطينيون من قرية برقة (نابلس)، حيث أقيمت مستوطنة حومش وأُخليت لاحقًا في العام 2005 (أنظر إلى دراسة الحالة). 

وهناك حالات مماثلة يواجه فيها المزارعون الفلسطينيون قيودًا رسمية أو غير رسمية مفروضة على الوصول إلى أراضيهم على الرغم من الأحكام القضائية التي أبطلت إستيلاء المستوطنين عليها. وتشمل هذه الحالات بؤرتيّ ميغرون وأولبانا الإستيطانيتين (بيت إيل)، وكلاهما في محافظة رام الله، وقطع الأراضي المحددة الواقعة ضمن حدود مستوطنات عوفرا وألون موريه وشيلو أو حولها في محافظتيّ رام الله ونابلس.

وتشكّل مصادرة الأراضي الخاصة لغايات النشاطات الإستيطانية مخالفة لمجموعة  من أحكام القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان. وبحسب ما بينّا أعلاه، فعلى الرغم من أنّ بعض الفلسطينيين حالفهم النجاح في إثبات ملكيتهم من خلال وسائل الإنتصاف القانونية، فقد ثبت أن ترجمة الأحكام القضائية إلى وقائع على الأرض يواجه تحديات كثيرة. وفي بعض الحالات، سعت الحكومة الإسرائيلية إلى تنظيم إجراءات المصادرة بأثر رجعي من خلال سن تشريعات جديدة.[5]

حالة برقة

تمّ إقامة مستوطنة حومش في العام 1978 على أراضي  خاصة للفلسطينيين من سكان قرية برقة جرى الإستيلاء عليها لـ"أغراض عسكرية". وقد تمّ إخلاء هذه المستوطنة في العام 2005، في سياق خطة فك الإرتباط، وجرى هدم معظم المنازل وشبكات البنية التحتية التي كانت قائمة فيها.[6] 

المناطق المتضررة من قيود الوصول وعنف المستوطنين

لم تقم السلطات الإسرائيلية بإلغاء الأمر العسكري الذي صدر بشأن الإستيلاء على الأراضي التي كانت المستوطنة السابقة مقامة عليها. ومع ذلك، أطلقت وزارة الزراعة الفلسطينية، بعد سنة تقريبًا من إخلائها، مشروعًا لإعادة تأهيل الأراضي من أجل السماح لأصحابها بإستعادة إمكانية الوصول إلى الأراضي وإستئناف زراعتها في المنطقة الواقعة في محيط المنطقة المبنية من المستوطنة  التي تمّ إخلاءها، وليس داخلها. 

ومنذ العام 2011، شرعت مجموعات من المستوطنين الإسرائيليين، الذين تفيد التقارير بأنهم من كلية دينية قريبة (ييشيفات حومش)، في زيارة المنطقة بصورة منتظمة ومهاجمة المزارعين الفلسطينيين أو مضايقتهم، ومنعهم من الوصول إلى أراضيهم وتخريب ممتلكاتهم. وفي حوادث متفرقة، إدّعى ممثلون عن المستوطنين أن وصول المزارعين إلى المنطقة كان غير قانوني لأنّ الأرض لم تزل مصادرة لأغراض عسكرية. ووفقًا لأبي قتيبة، وهو أحد أصحاب الأراضي، إنتقلت مجموعة تضم 8-12 مستوطنًا إلى مغارة قريبة وأقاموا فيها خيام بغرض مراقبة المنطقة بإستمرار. وعندما يحاول المزارعون الوصول إلى أراضيهم، يقترب المستوطنون منهم أو يهددونهم بالسلاح أو يلقون الحجارة عليهم أو يعتدون عليهم جسديًا. وفي حالات قليلة حاول فيها المزارعون الدخول إلى أراضيهم بأعداد كبيرة لضمان سلامتهم، إستدعى المستوطنون الجيش الذي أبعد المزارعين الفلسطينيين عن المنطقة بحجة أنها منطقة عسكرية مغلقة.

وفي شهر أيار/مايو 2013، وبعد إلتماس رفعته منظمة "ييش دين" إلى محكمة العدل العليا الإسرائيلية بالنيابة عن المزارعين من قرية برقة، ألغت السلطات الإسرائيلية أمر المصادرة الذي صدر في العام 1978. وبعد ذلك بشهور قليلة، ألغت السلطات أمرًا يصنّف المنطقة كمنطقة عسكرية مغلقة، مما أدى إلى إزالة جميع العقبات القانونية التي كانت مفروضة أمام أصحاب الأراضي في الوصول إلى أراضيهم والإنتفاع بها. وعلى الرغم من هذه الخطوات القانونية، فما يزال الواقع القائم على الأرض على ما هو دون تغيير، ويواصل المستوطنون الإسرائيليون تنفيذ نشاطاتهم دون هوادة.

"لو كنت أستطيع الوصول إلى أرضي، لجنيتُ 8,000 شيكل من موسم قطف الزيتون"

يقول أبو قتيبة، أحد أصحاب الأراضي وأب لثلاثة أطفال، وهو يشير إلى أرضه: "في العام 2008، زرعت مئتي شجرة لوز. وفي العام 2011، إقتلعها المستوطنون الإسرائيليون كلها، بإستثناء 60 شجرة منها. وبعد ذلك بثلاث سنوات، زرعت 150 شجرة زيتون. وبعدما بلغت هذه الأشجار ثلاث سنوات من عمرها، جاء المستوطنون الإسرائيليون وقطعوها، مع أشجار اللوز الستين". 

ويقول أبو قتيبة: "لو كنت أستطيع الوصول إلى أرضي، في هذا الوقت من السنة، لجنيت ربحًا يصل إلى 8,000 شيكل من موسم قطف الزيتون، ولكان بإمكاننا أن نطلق مشاريع كثيرة في هذه الأرض، مثل تربية الأبقار وزراعة الخضار الموسمية وغيرها. هناك الكثير من الإمكانيات".

وعندما سُئل عما إذا كان قد رفع شكوى بحق المستوطنين الإسرائيليين لدى مركز الشرطة الإسرائيلية، بعد هجوم تعرّض له، قال أبو قتيبة:

"في شهر نيسان/أبريل 2017، بعد أن إعتدى مستوطن إسرائيلي جسديًا عليّ، رفعتُ شكوى لدى مركز الشرطة الإسرائيلية في حوارة، بمساعدة منظمة "ييش دين". كما رافقني ممثل عن مكتب الإرتباط اللوائي الفلسطيني. وكان لدي صورة للمستوطن الإسرائيلي الذي هاجمني، حيث إلتقطتها على هاتفي النقال. وخلال الإجتماع، قال الضابط الإسرائيلي أنّ الشكوى لن تعود عليّ بأي فائدة، بل على العكس من ذلك، فإنها سوف تثير المزيد من المشاكل حيال قدرتي على الوصول إلى أرضي، ملمّحًا إلى إصدار الأوامر التي تحظر وصولي إلى أرضي بصورة فعلية. وإنتهى بي المطاف إلى سحب الشكوى التي رفعتها خوفًا من التداعيات المترتبة عليها. والمضحك في الأمر أنني عندما قدّمت طلبًا للحصول على بطاقة ممغنطة[7]، رُفض طلبي بحجة إعتراض الشرطة عليه".

* ساهمت منظمة "ييش دين"، الشريكة في مجموعة الحماية في كتابة هذا القسم


[1] حتى العام 1979، كانت الطريقة الرئيسية المتبعة في إقامة المستوطنات الإسرائيلية تجري من خلال الإستيلاء على الأراضي الفلسطينية الخاصة لـ"أغراض عسكرية". ومع ذلك، أجبر حكم تاريخي صدر عن المحكمة العليا السلطات الإسرائيلية على وقف هذه الممارسة والإعتماد على ما يسمى "أراضي الدولة".

[2] أنظر إلى مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، "تأثير توسيع المستوطنات الإسرائيلية القائم لفرض الأمر الواقع على الأوضاع الإنسانية "، نشرة الشؤون الإنسانية، شباط/فبراير 2017.

[3] رسالة وجّهها المستشار القانوني للضفة الغربية إلى المحامي شلومو زاخري، أحد أعضاء الطاقم القانوني في منظمة "ييش دين"، 2 تموز/يوليو 2017، ردًا على طلب لتنسيق إجتماع مع مقدّمي الإلتماس: محكمة العدل العليا، القضية رقم 9499/08 مريم حسن عبد الكريم حمد ضد وزير الدفاع.

[4] وفقًا للسلطات الإسرائيلية، يُشترط التنسيق المسبق لوصول الفلسطينيين إلى مناطق محددة من أجل تقليص التوتر وضمان سلامة المزارعين الفلسطينيين.

[5] في 7 شباط/فبراير 2017، صادق الكنيست الإسرائيلي على قانون التسويات، الذي ينص على إضفاء صفة قانونية على المستوطنات المقامة دون تصريح على الأراضي الفلسطينية الخاصة بأثر رجعي، شريطة الوفاء ببعض الشروط المحددة. وقد جرى تعليق تنفيذ هذا القانون إلى حين صدور قرار من محكمة العدل العليا الإسرائيلية بشأنه.

[6] تضمنت خطة فك الإرتباط إخلاء جميع المستوطنات والقواعد العسكرية الإسرائيلية من جانب واحد من قطاع غزة، بالإضافة إلى أربع مستوطنات إسرائيلية في شمال الضفة الغربية.

[7] بطاقة هوية تصدرها السلطات الإسرائيلية، وتُعدّ شرطًا مسبقًا للحصول على تصريح للدخول إلى الأرض الفلسطينية المحتلة، التي يُمنع السكان الفلسطينيون في الضفة الغربية وقطاع غزة من الدخول إليها دون الحصول عليه.