عائلة خضر في منزلها المتنقل والذي سكنت فيه منذ أكتوبر\تشرين أول 2014 في بيت حانون. أغسطس\آب. تصوير مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية.
عائلة خضر في منزلها المتنقل والذي سكنت فيه منذ أكتوبر\تشرين أول 2014 في بيت حانون. أغسطس\آب. تصوير مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية.

29,000 شخص ما يزالون مهجرين بعد مرور ثلاث سنوات على صراع العام 2014

سببت الأعمال القتالية التي اندلعت بين إسرائيل ومجموعات فلسطينية مسلحة والتي امتدت من 8 تموز/يوليو إلى 26 آب/أغسطس 2014 الدمار الأكبر لقطاع غزة منذ بداية الاحتلال الإسرائيلي في العام 1967. وقد أفضت هذه الأعمال القتالية إلى مقتل 2,251 فلسطينيًا، منهم 1,462 مدنيًا، و71 إسرائيليًا، منهم خمسة مدنيين. وأصيبَ ما يربو على 11,000 فلسطيني، من بينهم المئات من الأشخاص الذين أصيبوا بإعاقات طويلة الأمد، وأصيبت أعداد هائلة من السكان، ولا سيما الأطفال، بصدمات نفسية. وأدى الدمار أو الأضرار الفادحة التي لحقت بنحو 17,800 وحدة سكنية إلى تهجير ما يقرب من 100,000 شخص. كما تكبدت البنية التحتية والمصالح التجارية والأراضي الزراعية أضرارًا جسيمة. وما يزال معظم سكان غزة يعانون من تبعات هذا الصراع بدرجات متفاوتة بعد مرور ثلاث سنوات على انقضائه.

وقد أقدم الجانبان على ارتكاب انتهاكات خطيرة للقانون الدولي الإنساني في أثناء الأعمال القتالية. ومع ذلك، فلم تزل المساءلة مستعصية على التحقيق. وأفضت التحقيقات الجنائية التي فتحتها إسرائيل في ادعاءات بانتهاك قوانين الحرب إلى محاكمة جنود في قضية نهب.[2] ولم تُجرِ السلطات الفلسطينية أية تحقيقات وافية في هذا المقام.

الأشخاص المهجرين داخليًا

بناءً على الحالات التي سجلتها مجموعة العمل المعنية بالأشخاص المهجرين داخليًا (انظر الإطار الذي يستعرض خلفية هذه المجموعة أدناه)، ما يزال 29,000 شخص (أكثر من 5,500 أسرة) من أصل 100,000 شخص هُجروا مع انتهاء الصراع مهجرين حتى نهاية آب/أغسطس 2017. ويجري العمل في هذه الآونة على إعادة بناء المنازل التي تعود لنحو ثلث هؤلاء الأشخاص (9,800 شخص). وفي المقابل، لم يُخصص أي تمويل لإعادة بناء المنازل التي كان يملكها  المهجرون الآخرون، الذين يبلغ عددهم 19,200 شخص، وهم لا يرون نهاية منظورة لتهجيرهم.

ويُعَدّ نقص التمويل السبب الرئيسي الذي يقف وراء التأخر المستمر الذي طرأ على أعمال إعادة الإعمار، فوفقاً للمكتب الوطني لإعادة إعمار غزة التابع للسلطة الفلسطينية، لم يُصرف سوى ثلثيّ المبلغ، المقدَّر بـ500 مليون دولار والضروري لإعادة إعمار المنازل المدمرة بالكامل، حتى شهر تموز/أغسطس 2017.[3]

كما تأخرت عملية إعادة الإعمار بدرجة أقل بسبب القيود التي تفرضها إسرائيل على استيراد مواد البناء الأساسية إلى غزة لدواعٍ أمنية. ومع ذلك، فلم تزل المواد المقيدة تدخل إلى غزة بصورة منتظمة عبر آلية إعادة إعمار غزة المؤقتة، التي جرى الاتفاق عليها بين الأمم المتحدة والسلطة الفلسطينية وإسرائيل في العام 2014. [4]

ووفقًا لمجموعة العمل المعنية بالأشخاص المهجرين داخليًا، أشارت غالبية الأشخاص المهجرين داخلياً (88%) إلى أنهم يقيمون في مساكن مستأجرة، بينما يقيم من تبقى منهم في منازلهم المتضررة أو بجوارها (7%) أو عند أقاربهم (3%) أو في مساكن مؤقتة/بيوت متنقلة (2%). ونظراً لمحدودية عدد المساكن، يُعتقد أن بعض العائلات التي تنتمي إلى الفئة الأولى تستأجر مساحات في منازل أقاربهم من عائلاتهم الممتدة أو في عقارات ليست مخصصة لغايات السكن.

وما يزال نقص المساكن في غزة يشكل أحد الجوانب التي تثير القلق، حيث يشير أحد التقارير الصادرة عن فريق قطري تابع للأمم المتحدة في الأرض الفلسطينية المحتلة إلى زيادة النقص الذي طرأ على الوحدات السكنية من 71,000 وحدة في العام 2012 إلى 120,000 وحدة في يومنا هذا. ويعود السبب الرئيسي وراء ذلك إلى النمو السكاني الطبيعي، إلى جانب جهود إعادة الإعمار المترتبة على الصراع. [5]

وتُعَد المساعدات النقدية للمأوى المؤقت، التي تتراوح قيمتها من 200 دولار إلى 250 دولار شهريًا وتُدفع لكل أسرة، الشكل الرئيسي من أشكال المساعدات التي يقدمها مجتمع العمل الإنساني للأسر المؤهلة، مما يمكنها من استئجار مساكن إلى حين إعادة إعمار منازلها أو إعادة تأهيلها. وقد توقف العمل على توزيع هذه المساعدات بسبب النقص الحاد الذي شهده التمويل. فلم يوزع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، الذي يُتوقع منه أن يغطي 500 أسرة غير لاجئة مهجرة داخليًا، أية مساعدات منذ مطلع العام 2017، بينما استنفدت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، المسؤولة عن نحو 4,500 أسرة لاجئة مهجرة، كل احتياطاتها النقدية المخصصة لهذه الاستجابة في شهر حزيران/يونيو 2017. وتتلقى 450 أسرة أخرى من الأسر غير اللاجئة والمهجرة من منطقة الشجاعية في مدينة غزة دفعات من جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني كجزء من مشروع تموله تركيا لسنة واحدة وينتهي في شهر كانون الأول/ديسمبر 2017. وفي هذه الآونة، يحتاج برنامج الأمم المتحدة الإنمائي إلى 1.5 مليون دولار، في حين تحتاج وكالة الأونروا إلى 4 مليون دولار لتغطية الحالات التي تتولى المسؤولية عنها خلال العام 2017.

وأثارت حالة عدم اليقين والانقطاعات التي طرأت على تقديم المساعدات النقدية للمأوى المؤقت المخاوف من إخلاء الأسر التي لا تملك القدرة على تسديد إيجارات المساكن التي تقطن فيها وانتقالها إلى مساكن أخرى. وتشير الأدلة المروية التي جمعها شركاء العمل الإنساني، الذين يقدمون الدعم للأشخاص المهجرين داخليًا، إلى أن تعليق العمل على تقديم هذه المساعدات تسبب في تراكم الديون على الأسر وتوجهها إلى اعتماد آليات سلبية تيسر لها التأقلم مع أوضاعها، كسحب أطفالها من المدارس من أجل تخفيض المصاريف و/أو إشراكهم في أعمال تدر الدخل عليها. وتُحال هذه الحالات إلى مجموعة التعليم أو المجموعات ذات العلاقة لتقديم المساعدات لها.

ما يزال 200,000 طفل في حاجة إلى دعم نفسي واجتماعي

ساهمت منظمة اليونيسيف في كتابة هذا القسم

ألقت الصدمات النفسية التي خلّفتها الأعمال القتالية المتتالية، وما اقترن بها من حصار إسرائيلي على مدى عشر سنوات وانقسام فلسطيني داخلي، بظلالها على قدرة مليونيّ إنسان يقيمون في الجيب الساحلي، ونصفهم من الأطفال، على الصمود.

عائلة خضر في منزلها المتنقل والذي سكنت فيه منذ أكتوبر\تشرين أول 2014 في بيت حانون. أغسطس\آب.

وتوصل تقييم أعدته وكالة الأونروا في شهر أيار/مايو 2017، في سياق برنامج الصحة النفسية المجتمعية الذي تنفذه، حول  رفاهية اللاجئين الفلسطينيين البالغين والأطفال إلى نتيجة مفادها أن 30% من الأطفال يعانون من مشاكل خطيرة، كالنشاط المفرط (الاضطراب أو التململ أو التشتت بسهولة) وأعراض عاطفية (الشعور بالتعاسة أو الخوف أو القلق). ويعاني حوالي 48% من البالغين الذين يقصدون عيادات الأونروا من "رفاهية رديئة".[7] كما أشار الأطفال والأهالي إلى معاناتهم من مشاكل عاطفية، يعزى الكثير منها إلى الصراع والحصار والانقسام الفلسطيني، وهي عوامل تفرز آثارها على إمدادات الكهرباء.

وورد في الاستعراض العام للاحتياجات الإنسانية، الصادر في العام 2016، أن 253,633 طفل في حاجة إلى خدمات حماية الطفل بما تشمله من خدمات الدعم النفسي والاجتماعي. وقد طرأ انخفاض طفيف على هذا العدد في العام 2017 (حيث بلغت نسبته 3%). ومن جملة الأطفال الذين يحتاجون إلى هذه الخدمات الأطفال الضعفاء الذين يعيشون في المناطق المقيد الوصول إليها بالقرب من السياج الفاصل بين قطاع غزة وإسرائيل، والأشخاص المهجرين داخلياً، والأطفال من أبناء الفئات المهمشة والضعيفة من النواحي الاجتماعية والاقتصادية والمجتمعات التي تعاني من نقص الخدمات في جميع أنحاء قطاع غزة.

وقُدمت خدمات حماية الطفل وخدمات الدعم النفسي والاجتماعي، التي وفرتها 29 منظمة في العام 2016، لـ195,400 طفل (83% من مجموع المستهدفين لسنة 2016). وقدمت هذه الخدمات لـ42,500 طفل خلال النصف الأول من العام 2017 (19% من الفئات المستهدفة). وتشمل هذه الخدمات إدارة حالات فردية، وتقديم الدعم النفسي والاجتماعي الجماعي والفردي، وبرامج تعليم مهارات الحياة، وبرامج تفاعلية بين الأطفال وذويهم وبرامج الفنون التعبيرية والبرامج التثقيفية التي تتناول مخاطر المتفجرات من مخلفات الحروب والأنشطة الرياضية والترويحية.

ويمثل الانقسام السياسي بين السلطات الإدارية في غزة والضفة الغربية أحد أبرز التحديات، حيث يزيد هذا الانقسام من استفحال الأزمة الإنسانية وتدنى مستويات تمويل العمل الإنساني، مما يقوض القدرات اللازمة لتقديم الاستجابة المطلوبة.

الخدمات التي قدتمها مجموعة الحماية ومستويات التمويل للأعوام 2016 و2017

Table: Protection Cluster services provided and funding levels for 2016 and 2017

المصدر: خطة الاستجابة الإنسانية 2016 و2017، وخدمة التتبع المالي لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية

مجموعة العمل المعنية بالأشخاص المهجرين داخليًا

شكّل فريق التنسيق المشترك بين المجموعات مجموعة العمل المعنية بالأشخاص المهجرين داخليًا في أعقاب الصراع الذي نشب في العام 2014 من أجل متابعة الأشخاص المهجرين داخليًا وتبادل المعلومات بشأنهم وضمان توفير استجابة متكاملة لاحتياجاتهم. ويرأس مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية هذه المجموعة، التي تضم في عضويتها جميع وكالات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية المحلية والدولية والسلطات المحلية التي تشارك في تقديم المساعدات للأشخاص المهجرين داخليًا. وقد أعدت مجموعة العمل المعنية بالأشخاص المهجرين داخليًا دراسة استقصائية لإعادة تسجيل المهجرين داخليًا وتحديد مواطن الضعف التي يعانون منها خلال النصف الثاني من العام 2015 لغايات تعزيز التنسيق وإعداد البرامج والمناصرة الإنسانية. وقد استهدفت هذه الدراسة الاستقصائية أكثر من 16,000 أسرة مهجرة داخليًا. [6]

الصعوبات التي تواجه الفلسطينيين المهجرين الذين يقيمون في بيوت متنقلة لفترات طويلة

غادر خضر المصري وزوجته وأطفاله منزلهم في بيت حانون، في أثناء الأعمال القتالية التي اندلعت في العام 2014 في غزة، ولجأوا إلى إحدى مدارس الأونروا في المنطقة ذاتها وأمضوا فيها ليلة واحدة. ثم انتقلوا إلى جباليا بسبب كثافة القصف الذي استهدف المنطقة، وأقاموا في مدرسة أخرى من مدارس الأونروا حتى الإعلان عن وقف إطلاق النار، بعد 51 يوماً من نشوب الأعمال القتالية. وبعدما عادت الأسرة إلى منزلها في بيت حانون، وجدته مدمرًا بالكامل. ولذلك، توجهت إلى مدرسة أخرى تابعة للأونروا "مركز جماعي" في بيت حانون. ووفرت وزارة الأشغال العامة والإسكان الفلسطينية بيتين متنقلين للأسرة في منتصف شهر تشرين الأول/أكتوبر بعد أن تنقلت خمس مرات بين مدارس الأونروا والمدارس الحكومية.

وخضر عاطل عن العمل حاليًا، ويعتمد اعتمادًا كاملًا على المساعدات الغذائية التي تقدمها وكالة الأونروا لمن تصنفهم على أنهم يعانون من فقر مدقع. وقد وصف خضر العيش في البيت المتنقل بأنه "حل قاتل. فهذا المكان خانق، والزواحف تدخل إليه وتحفر حفرًا فيه. ودرجات الحرارة مرتفعة جدًا في الصيف ومنخفضة جدًا في الشتاء." وقد توفي ابن شقيق خضر الذي كان يقيم في يبت متنقل بعد أن سقط عليه الباب، وأجهضت زوجة شقيقه وتعرض شقيقه لحروق في يده بسبب تماس كهربائي. وفي حادثة أخرى، انهار جزء من سقف البيت المتنقل على أطفال خضر، ولم يصب أحد منهم بأذى.

ويعاني أطفال خضر السبعة (الذين تتراوح أعمارهم من سنة إلى 12 سنة) من مشاكل جلدية بسبب البعوض والحشرات الأخرى. ولا تصلهم المياه من البلدية إلا مرة واحدة كل ثلاثة أيام. ولذلك، فهم يضطرون إلى شراء مياه الشرب، ويطفؤون الكهرباء خوفًا من حدوث تماس كهربائي قاتل.

كما يعاني أطفال خضر من ضغط نفسي واجتماعي وتراجع تحصيلهم الأكاديمي بصورة ملحوظة، حيث بات عدد منهم يرسبون في مواد كان أداؤهم جيدًا فيها من قبل.

وفي الواقع، أشار خضر أن بناته رفضن العودة إلى المدرسة بعد انقضاء عطلة الصيف لأنهن لم يمتلكن زيًا مدرسيًا ولا حقائب. وقال إنه يئس من المحاولات التي بذلها في البحث عن شخص يقرضه المال لكي يشتري اللوازم المدرسية لبناته.

وقال خضر: "نأمل أن لا يحلّ فصل الشتاء أبداً، ونحن لا نحب فصل الصيف." وأضافت إحدى بناته: "الشتاء بارد جدًا ولا نستطع أن نتحرك فيه. وفي الصيف، الحر شديد للغاية ولا نستطيع أن نتنفس."

ومن الممكن إعادة إعمار منزل خضر في المستقبل القريب بدعم من وكالة الأونروا، بعد تأخر إعادة إعماره بسبب قضية تتعلق بملكيته. وعلى الرغم من أن مساحة المنزل ستكون أقل مما كانت عليه، فسوف تتحسن ظروف هذه الأسرة على نحو ملموس. كما أُحيلت قضية خضر إلى منظمات تسعى إلى توفير الدعم اللازم لكي تتمكن بناته من العودة إلى مدارسهن.


[2] أحدث الأرقام من المدعي العام العسكري، 24 آب/أغسطس 2016 (باللغة العبرية فقط)

[3] قدمت مجموعة الإيواء هذه المعلومات في شهر آب/أغسطس 2017.

[4] يسرت آلية إعادة إعمار غزة استيراد 2.3 مليون طن من مواد البناء (الإسمنت والحصمة وحديد التسليح). واشترى نحو 120,000  شخص ممن تضررت منازلهم أو دُمرت الإسمنت من خلال هذه الآلية، كما أُنجز 380 مشروع بناء واسع النطاق من خلالها. والعمل جارٍ على 330 مشروع آخر.

[5] الفريق القطري للأمم المتحدة، غزة بعد عشر سنوات، تموز 2017، متوفر هنا

[6] انظر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، "الأشخاص المهجرين داخلياً"، نيسان/أبريل 2016.

[7] استخدم تقييم الأونروا مؤشر الرفاهية الخماسي لمنظمة الصحة العالمية. وبالتالي، تشير النتائج إلى رفاهية رديئة.