©  Photo by OCHA
© Photo by OCHA

ما لا يقلّ عن 1,200 شخص أُصيبوا بجروح في مظاهرات غزة في حاجة إلى ترميم أطرافهم

فرضت الإصابات البالغة التي تسبّبها الذخيرة الحية في أطراف المصابين عبئًا ثقيلًا على كاهل النظام الصحي المنهَك في الأصل في قطاع غزة. ففي الفترة الواقعة بين يوميْ 30 آذار/مارس 2018 و31 تموز/يوليو 2019، أُصيبَ أكثر من 7,500 فلسطيني بالذخيرة الحية على يد القوات الإسرائيلية خلال مظاهرات "مسيرة العودة الكبرى" بمحاذاة السياج بين غزة وإسرائيل.[1] ووفقًا لمجموعة الصحة في الأرض الفلسطينية المحتلة، تبلغ نسبة الإصابات بالأطراف 87 بالمائة من إجمالي الإصابات، وتمثّل الإصابات بالبطن والحوض نحو 5 بالمائة منها.

ومن بين أكثر من 6,500 إصابة في الأطراف، أفضت 148 إصابة منها إلى بتر الأطراف المصابة بصورة مباشرة (122 حالة بتر في الأطراف السفلية و26 حالة في الأطراف العلوية). ومن هذه الحالات، نجمت 108 حالة على الأقل عن عمليات بتر ثانوية، أُجريت بسبب الالتهابات التي أصابت العظام في وقت لاحق. وعادةً ما تحدث هذه الالتهابات عندما يتفاقم الجرح الذي يصيب الطرف بضرر جسيم في الجلد والأنسجة والأعصاب والأوعية الدموية. وتشير التقديرات إلى أن ما بين 25 إلى 40 بالمائة من المرضى الذين يعانون من هذه المضاعفات ينتهي بهم المطاف إلى الإصابة بشكل من أشكال إلتهاب العظم على مدى فترة تصل إلى 12 شهرًا بعد إصابتهم. وفي حالات أخرى، يؤدي الجرح إلى كسر مفتوح لا يشفى أو يترك فجوات في العظم، وهو ما يستدعي إجراء عمليات جراحية ترميمية وتجميلية متخصصة للعظام.

وتشير تقديرات منظمة الصحة العالمية إلى أن 1,200 مصاب على الأقل من بين أولئك الذين أُصيبوا بجروح في أطراقهم يحتاجون إلى علاج متخصص لترميم أطرافهم. وعادةً ما يمتد هذا العلاج من ستة أشهر إلى ثلاثة أعوام، حسب خطورة الحالة، ويشمل ما يتراوح من عمليتين إلى ثماني عمليات و12 إلى 30 جلسة من جلسات العلاج الطبيعي. وقد تصل تكلفة علاج كل حالة على حدة إلى 40,000 دولار.

وتحذّر منظمة الصحة العالمية من أنه من المرجح أن تطرأ زيادة على عدد عمليات ’البتر الثانوية‘ ما لم تشهد القدرات الحالية في مجال الإختبارات الميكروبيولوجية، وعلاج التهابات العظم والنِّقْي وترميم الأطراف تحسّنًا معتبرًا. وقد أطلقت مجموعة الصحة مناشدةً لتأمين مبلغ قدره 28.2 مليون دولار لدعم احتياجات الرعاية الصحية الطارئة في غزة خلال العام 2019. وقُدِّم ما مجموعه 16.2 مليون دولار من هذا المبلغ، مما يترك فجوة تمويلية قدرها 12 مليون دولار.

كما يثير العدد الكبير من الإصابات التي سبّبتها الذخيرة الحية بين صفوف المتظاهرين العزل القلق إزاء الإستخدام المفرط للقوة على يد الجيش الإسرائيلي. فبموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان، لا يُسمح باستخدام القوة المميتة في سياق أنشطة إنفاذ القانون إلا كملاذ أخير وردًا على تهديد داهم للحياة أو الإصابة بإصابة خطيرة.

الوفاء بالاحتياجات اللازمة لترميم الأطراف

أفضت أعوام من الحصار والقيود الأخرى المفروضة على حركة الأفراد والبضائع، بما فيها الموارد الطبية، واستفحال الإنقسام السياسي الداخلي الفلسطيني وأزمة الطاقة المزمنة إلى تدهور خطير في توفُّر الخدمات الصحية في قطاع غزة وفي نوعيتها. فوفقًا لمنظمة الصحة العالمية، أفادت التقارير بأن 254 صنفًا (أو 49 بالمائة) من الأدوية الأساسية و225 صنفًا (أو 26 بالمائة) من المستهلكات الطبية في مستودع الأدوية المركزي في غزة كانت تكفي لتأمين الإمدادات اللازمة لمدة تقل عن شهر واحد.

وتُعَدّ منظمة المساعدات الطبية للفلسطينيين – المملكة المتحدة المنظمة الوحيدة التي تتعامل في هذه الآونة مع إصابات الأطراف المتأخرة والمعقدة التي تحتاج إلى ترميم في قطاع غزة، بالتنسيق مع وزارة الصحة ومجموعة الصحة. وقد أنشأت المنظمة أول وحدة لترميم الأطراف في الأرض الفلسطينية المحتلة، حيث تضمّ في طاقمها استشاريّيْن في جراحة العظام وممرضيْن ومختصيْن في العلاج الطبيعي، إلى جانب أطباء واختصاصيين آخرين يعملون مع الفرق المحلية. وتقدّم هذه الوحدة الدعم للخدمات المتوفرة في مستشفيات غزة من خلال استقدام البعثات الطبية التي تقدّم التدريب في أثناء العمل، وتقديم المساعدة في الحالات المعقدة، وتوريد المعدات، وإجراء الإتصالات المنتظمة بين غزة ولندن عبر تقنية "سكايب"، وتنسيق الجهود مع أصحاب المصلحة.

وفي شهر آذار/مارس 2019، رصد المنسق الإنساني للأرض الفلسطينية المحتلة مبلغًا قدره 2.3 مليون دولار من الصندوق الإنساني، الذي يديره مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، لمنظمة المساعدات الطبية للفلسطينيين – المملكة المتحدة من أجل تحسين خدمات ترميم الأطراف في غزة. وحتى شهر آب/أغسطس 2019، أحضرت المنظمة بعثتين طبيتين إلى غزة لمساعدة الفرق المحلية في علاج حالات ترميم الأطراف المعقدة. وقدّمت هاتان البعثتان المواد الجراحية التي كانت الحاجة ماسَّة إليها، وعيّنت مساعديْن في مشروع ترميم الأطراف لتسجيل بيانات المرضى ومساعدتهم على تعبئة النماذج، والتنسيق مع الفرق المحلية.

ومنظمة أطباء بلا حدود إحدى المنظمات غير الحكومية الدولية الأخرى التي تتعامل مع الأشخاص الذين يعانون من التهابات في العظام بعد أن أصابتهم الذخيرة الحية بجروح في أطرافهم. ولا تزال المنظمة تعمل، منذ وقت قريب، مع وزارة الصحة في غزة على تحديث مختبر لكي يتمكّن من تحليل عيّنات العظام، حيث يُعَدّ تحليلها عاملًا حاسمُا في تشخيص التهابات العظام على الوجه الصحيح ومعرفة المضادات الحيوية التي تناسبها. وفي السابق، كان يتعين إرسال كل عينة إلى المختبرات في إسرائيل لاختبارها.[2]

وتعمل وزارة الصحة في غزة، وبدعم من منظمة الصحة العالمية، على بناء قاعدة بيانات لترميم الأطراف، والتي من شأنها أن تيسّر متابعة الحالات بصورة آنيّة وتأمين الإحالة المناسبة للمرضى الذين يحتاجون إلى ترميم أطرافهم. وسوف تسمح قاعدة البيانات للوزارة وشركائها بتحميل بيانات المرضى والوصول إليها، وتحديد المرضى الذين هم في حاجة إلى فحص ترميم الأطراف وإحالتهم وتقديم الإستشارات قبل العمليات الجراحية وبعدها، بما يشمل خطط العلاج الطبيعي.  

ومن شأن الآلية المتَّبعة في هذا النظام أن تسهّل متابعة المرضى وضمان إيلاء الأولوية لأكثر الحالات خطورة، إلى جانب الاحتفاظ بالمعلومات الطبية السريرية في جميع مسارات العلاج. وسوف تتيح قاعدة البيانات القدرة على تقييم نتائج تدخلات ترميم الأطراف وآثارها، كالتدخل الذي تنفذه منظمة المساعدات الطبية للفلسطينيين – المملكة المتحدة. وقد جرى فحص نحو 900 مرشح محتمل لإجراء عمليات جراحية معقدة لترميم أطرافهم حتى الآن.

قصة شخصية: "أثمّن عاليًا اختياري للتقييم الذي تُجريه منظمة المساعدات الطبية للفلسطينيين"

أُصيبَ محمد أبو جزر، البالغ من العمر 41 عامًا وأب لستة أطفال، بجروح في يوم 14 أيار/مايو 2018، الذي شهد أشدّ المظاهرات فتكًا في مسيرة العودة الكبرى حتى هذا اليوم، حيث قُتل 59 شخصًا وأُصيبَ أكثر من 2,600 آخرين بجروح.

"كانت تلك المرة الثالثة التي شاركتُ فيها في مظاهرة. وكنتُ قبل ذلك أجلس في الخيام، ولكني كنت في هذه المرة أبحث عن أبنائي الذين وصلوا إلى هناك قبلي. وبعد خمس دقائق من وصولي، وعندما كنت على بعد نحو 150 مترًا من السياج، أُصِبتُ بجروح في رجلي اليمنى.

© - تصوير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية

شعرتُ بألم شديد بعد أن أُصبت. فقد سبّبت الرصاصة جرحًا ألحق الضرر بالأوعية والشرايين والعظم. وبينما كنت أنتظر العلاج، انفجر الشريان الرئيسي في رجلي وأُدخِلتُ إلى غرفة العمليات في المستشفى الأوروبي بخانيونس.

وخضعتُ لعدد من العمليات الجراحية، بما فيها عمليتان لتركيب المثبِّت الخارجي، الذي زاد وضع إصابتي سوءًا. وبعد ذلك، تم تركيب مثبّت أكثر تعقيدًا يُستخدم في حالات الكسور المعقدة. [3] وكنت محظوظًا للغاية لحصولي على هذا المثبت، على الرغم من أنني لم أكن أستطيع المشي طوال هذه الفترة. فقد كنت أعتمد على الكرسي المتحرك اعتمادًا كاملًا.

لا يعمل محمد، ولا يتلقى سوى 1,300 شيكل من وزارة التنمية الإجتماعية كل ثلاثة أشهر. "كنا نشتري كل الأدوية من جيبنا الخاص، واضطررتُ إلى اقتراض المال من آخرين والغرق في الدين. وبعد سبعة أشهر من إصابتي، بدأت اللجنة العليا لمسيرة العودة الكبرى في توزيع 600 شيكل كل 30-40 يومًا وإجراء الفحوصات الطبية لتقييم الإصابات.

"قال الأطباء، مؤخرًا، أن حالتي تشهد تحسّنًا وأنه يمكن إزالة إطار تايلور الحيّزي. ومنذ ذلك الحين، تزورني فرق من إخصائي العلاج الطبيعي كل شهر، ولا أزال أراجع العيادات الخارجية لترميم الأطراف التي تديرها منظمة المساعدات الطبية للفلسطينيين. وأنا أثمّن عاليًا اختياري للتقييم الذي تُجريه البعثة وأريد فعلًا أن أستمر في تلقّي الرعاية منها."

ويستطيع محمد الآن الوقوف والمشي مع أطفاله دون مساعدة الكرسي المتحرك أو العكازات، وهو الآن يبحث عن عمل يتناسب مع وضعه.


[1] لا يشمل هذا العدد سوى الأشخاص الذين نُقلوا إلى المستشفيات عقب إصابتهم بجروح. ولم يتلقَّ نحو 600 متظاهر آخر أُصيبوا بالذخيرة الحية العلاج إلا في النقاط الطبية المنتشرة في الميدان. إضافة إلى ذلك، قُتل 206 متظاهرين، من بينهم 44 طفلًا، في هذا السياق وأُصيبَ أكثر من 26,000 آخرين بجروح بوسائل أخرى غير الذخيرة الحية. للإطّلاع على المزيد من التفاصيل وتوزيع الضحايا، انظر قاعدة بيانات الضحايا التي يديرها مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية على شبكة الإنترنت Casualties Online Database ونشرة "لقطات" Snapshot التي يصدرها المكتب.

[2]  للإطّلاع على المزيد من التفاصيل حول هذا التدخل، انظر منظمة أطباء بلا حدود، "علاج الالتهابات في قطاع غزة في ظل الحصار والعزل"، أيلول/سبتمبر 2019.

[3] إطار تايلور الحيّزي (Taylor spatial frame) عبارة عن مثبّت خارجي يُستخدم في حالة الكسور المعقدة لدى البالغين والأطفال. ومنظمة المساعدات الطبية للفلسطينيين هي المنظمة الوحيدة التي تقدم المساعدة في توريد هذا الجهاز إلى قطاع غزة.