فتى فلسطيني بعد أن سبح على شاطئ ملوث في مخيم دير البلح للاجئين، غزة © - تصوير رهف بطنيجي، منظمة أوكسفام، 2018
فتى فلسطيني بعد أن سبح على شاطئ ملوث في مخيم دير البلح للاجئين، غزة © - تصوير رهف بطنيجي، منظمة أوكسفام، 2018

نظرة عامة: تموز/ يوليو 2018

في شهر تموز/ يوليو، شدّدت إسرائيل الحصار الذي تفرضه منذ أمد بعيد على قطاع غزة، مما تسبّب في تفاقم الحالة الإنسانية البائسة في الأصل. ومن جملة التدابير التي إتخذتها السلطات الإسرائيلية حصر الواردات في المواد الغذائية والأدوية بصورة رئيسية، ووقف كامل لخروج كافة البضائع، وتقليص مساحة صيد الأسماك من ستة أميال إلى ثلاثة أميال بحرية على ساحل غزة. كما جرى تعليق دخول الوقود وغاز الطهي خلال شهر تموز/ يوليو لفترة زادت على أسبوع واحد، ومرة أخرى منذ يوم 2 آب/أغسطس (وما يزال تعليق دخولهما مستمرًا حتى وقت كتابة هذه النشرة). وفي نهاية الشهر، أشار الإتحاد العام للصناعات الفلسطينية إلى تسريح أكثر من 4,000 عامل في قطاع البناء بصورة مؤقتة منذ فرض القيود على الواردات. ويعود السبب الرئيس وراء ذلك إلى نقص مواد البناء.

فتى فلسطيني بعد أن سبح على شاطئ ملوث في مخيم دير البلح للاجئين، غزة © - تصوير رهف بطنيجي، منظمة أوكسفام، 2018

وتفيد التقارير الواردة بأن هذه القيود فُرضت ردًا على مواصلة إطلاق الطائرات الورقية والبالونات المحمّلة بمواد مشتعلة من غزة باتجاه إسرائيل، والتي تسببت في إضرام نحو 1,200 حريقًا حتى هذا اليوم في الأراضي الزراعية والمحميات الطبيعية. وقد دفعت هذه الممارسة، وما أقترن بها من إستمرار المظاهرات والإشتباكات بمحاذاة السياج الحدودي وعدة حالات محدودة من التصعيد العسكري، بإسرائيل وحركة حماس إلى الإقتراب من هاوية جولة جديدة من الأعمال القتالية الشاملة. ففي شهر تموز/ يوليو وحده، قُتل 21 فلسطينيًا، من بينهم 14 مدنيًا منهم سبعة أطفال، إلى جانب جندي إسرائيلي واحد، (أو تُوفوا متأثرين بالجروح التي أُصيبوا بها في وقت سابق)، وذلك في الحوادث المتصلة بالصراع في قطاع غزة وإسرائيل. وبينما جرى تفادي حالة شاملة من التصعيد عقب التوصل إلى وقف لإطلاق النار، توسّطت فيه الأمم المتحدة ومصر، فإن حدّة التوتر ما تزال مرتفعة.  

وفي هذه الأثناء، ما تزال الظروف المعيشية في غزة تشهد تدهورًا بسبب الآثار التي يسببها النقص الحاد في إمدادات الكهرباء، مما يتسبّب في إنقطاعها لفترة تصل إلى 20 ساعة في المتوسط يوميًا. ويركز عدد نشرة الشؤون الإنسانية لهذا الشهر على الأثر الذي يخلّفه ذلك على محطات معالجة مياه الصرف الصحي التي تعمل فوق طاقتها وتعاني من سوء الصيانة، حيث يجري تصريف ما يزيد على 100 مليون لتر من مياه الصرف الصحي ذات المعالجة السيئة في البحر كل يوم، مما يشكّل مخاطر صحية وبيئية جسيمة. ويثير هذا الوضع القلق بوجه خاص خلال أشهر الصيف، حيث تُعَدّ السباحة في البحر إحدى الأنشطة الترويحية القليلة المتاحة أمام سكان غزة.

ولتفادي إنهيار الخدمات الأساسية في غزة، بما فيها المستشفيات ومنشآت المياه ومعالجة مياه الصرف الصحي، فقد دأبت الأمم المتحدة على تزويد نحو 250 منشأة حيوية بوقود الطوارئ لتشغيل المولدات الإحتياطية. ومع ذلك، فقد نفدت الأموال المتوفرة لشراء الوقود. ودون تأمين تبرعات جديدة، فسوف يتوقف توزيع الوقود بحلول منتصف شهر آب/أغسطس. وحسبما شدّد عليه المنسق الإنساني، جيمي ماكغولدريك، في البيان الذي أصدره في يوم 7 آب/أغسطس، فإن "غزة بحاجة ماسّة إلى حلول طويلة الأمد لكي نستطيع أن نتخطى هذه الحلقة من الأزمات المتكررة أو المتفاقمة، بما فيها قيام السلطات الفلسطينية بإيلاء الأولوية لتقديم الوقود للخدمات الأساسية. وإلى أن يتحقق ذلك، يجب على إسرائيل أن تتراجع عن القيود التي فرضتها مؤخرًا، بما فيها تقييد دخول وقود الطوارئ، وعلى المانحين التدخل وتمويل وقود الطوارئ، لكي نتجنب إنتشار الأمراض أو غيرها من الشواغل الرئيسية المتعلقة بالصحة العامة."

وحسبما يرِد بيانه في هذه النشرة، فهذا لا يُعد سوى أثرًا واحدًا من الآثار القائمة والمحتملة للنقص الحاد الذي يعصف بالتمويل الإنساني في مختلف أنحاء الأرض الفلسطينية المحتلة. ففي نهاية شهر تموز/ يوليو، لم يتم تمويل سوى 24 بالمائة من متطلبات خطة الإستجابة الإنسانية، وهذه نسبة تقل كثيرًا عن المتوسط العالمي الذي يبلغ 36 بالمائة. ويشكّل تراجع تمويل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) العامل الأكبر الذي يقف وراء الإنخفاض العام الذي يشهده تمويل خطة الإستجابة الإنسانية. فقد إضطُّرت الوكالة إلى وقف عدد من البرامج في الضفة الغربية وتعديل التدخلات الرئيسية في غزة، بما فيها المساعدات الغذائية والنقدية التي تقدمها لما يربو على مليون لاجئ. كما يواجه عدد من وكالات الأمم المتحدة الأخرى والمنظمات غير الحكومية الدولية نقصًا حادًا في التمويل، مما يضع المنظمات الشريكة في مجال العمل الإنساني في موقف ضعيف لا تقوى معه على الوفاء بالإحتياجات الطارئة أو الإستجابة لأي تدهور.

وعلى مدى الشهور القليلة الماضية، واجهت العمليات الإنسانية في قطاع غزة أيضًا قيودًا مشددة فرضتها السلطات الإسرائيلية على تنقُّل العاملين في المجال الإنساني، بحجة المخاوف الأمنية، وفرضها حماس بدرجة أقل كذلك. وتبيّن هذه النشرة أن السلطات الإسرائيلية مدّدت الفترة اللازمة لدراسة جميع طلبات تصاريح المغادرة، وزادت نسبة رفض إصدارها وفرضت المنع من السفر لمدة سنة. كما فرضت القيود على المواد التي يسمح بأخذها من غزة ونفذت إجراءات جديدة على العبور على مسارب المركبات.

وقد بثّ إعلانان صدرا خلال هذا الشهر بعض الأمل في خضمّ الحالة الكئيبة التي يعيشها قطاع غزة. فقد أعلن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي عن إطلاق مبادرات تهدف إلى توفير ما يزيد على 2,500 فرصة عمل فورية وقصيرة الأمد في غزة على مدى فترة تصل إلى 12 شهرًا، بحيث تستفيد منها فئتا الشباب والنساء بصفة خاصة. وفضلًا عن ذلك، أوصى مجلس إدارة البنك الدولي في الضفة الغربية بزيادة إعتماداته المخصصة للتدخلات التنموية في غزة من 55 مليون إلى 90 مليون دولار، بحيث تركّز على خلق فرص العمل في القطاع الخاص.

وشدّد منسق الأمم المتحدة الخاص، نيكولاي ملادينوف، في الإحاطة التي قدمها لمجلس الأمن في يوم 24 تموز/ يوليو على أنه في غزة: "إن لم نباشر بجدية العمل الضروري المطلوب لتغيير الأوضاع المتدهورة حاليًا، فإن إنفجارًا آخر يكاد يكون مؤكدًا... ينبغي أن يحتل البعد الإنساني موقع الصدارة في مساعينا كافة. فالغزيون يستحقون أن يعيشوا حياتهم في حرية وكرامة. فهذا حقهم. وهو ليس إمتيازًا يمكن إحتجازه كرهينة، أو منحه أو حجبه على يد آخرين لا يعيرون أي إهتمام لمعاناتهم. كما يستحق الإسرائيليون الذين يعيشون على مقربة من غزة أن يتحرروا في نهاية المطاف من الهجمات العشوائية، سواء كانت بالصواريخ أم بالقذائف أم بالعبوات الحارقة. وقد تترتب تداعيات كارثية على ضياع فرصة أخرى، بما يشمله ذلك من التوصل إلى سلام أوسع نطاقًا بين الإسرائيليين والفلسطينيين على أساس حل الدولتين، الذي تشكّل غزة فيه جزءًا لا يتجزأ من الدولة الفلسطينية العتيدة."