بعد عام ، الناجون في غزة يكافحون للتكيف مع الخسائر

علاء بلاطة: الناجي الوحيد من أسرته

بحلول تموز/يوليو، يمر عام واحد على اندلاع الأعمال القتالية في قطاع غزة وإسرائيل. وكان لهذه الأعمال القتالية أثر مدمر على المدنيين في قطاع غزة، بما في ذلك عدد غير مسبوق من الضحايا المدنيين والمنازل المدمرة. وثمة جانب مؤلم بشكل خاص لهذا الصراع وهو العدد الكبير من الأسر التي لحقت بها وفيات متعددة: تشير المعلومات التي جمعها مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية إلى أن ما مجموعه 142 أسرة فلسطينية، قتل ثلاثة أو أكثر من أفرادها في نفس الحادث لما مجموعه 742 حالة وفاة. وبعد مرور عام واحد، لا يزال غالبية الناس في قطاع غزة يكافحون للتكيف مع الخسائر الهائلة التي تكبدوها ويحاولون إعادة بناء حياتهم.

حالة منزل أسرة بلاطة، مخيم جباليا للاجئين[i]

بعد بداية الأعمال القتالية بفترة قصيرة، انتقل نعيم نسمي بلاطة، البالغ من العمر 45 عاماً، مع أسرته إلى منزل شقيقه، عبد الكريم، والذي كان مبني من الخرسانة بدلاً من الإسبست، واعتبر أكثر أمنا. في 29 تموز/يوليو، ضربت القوات الجوية الإسرائيلية منزل عبد الكريم بعدة صواريخ، وعلى الأرجح ذخائر موجهة ودقيقة، مما يشير إلى أن المنزل قد تم استهدافه مباشرة. قتل أحد عشر من أفراد الأسرة وأُصيب 41 آخرون من المدنيين بجروح، بينهم 17 طفلاً وخمس نساء.

ممارسات استهداف المباني السكنية

في 15 حزيران/يونيو، نشرت اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق، التي عينها مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة للتحقيق في الانتهاكات المزعومة للقانون الدولي في صراع صيف عام 2014 تقريرها.[ii] إحدى الممارسات التي تمت معالجتها هي استهداف الممتلكات السكنية الفلسطينية، كما يتضح من حالة أسرة بلاطة.[iii]

حققت اللجنة في 15 حالة لضربات جوية استهدفت المباني السكنية قتل فيها ما مجموعه 216 شخصاً، بينهم 115 طفلاً و 50 امرأة. وتشير حقيقة أنه تم استخدام أسلحة موجهة بدقة في جميع هذه الحالات، وفقا للجنة، إلى أنها كانت موجهة ضد أهداف محددة، وأسفرت عن تدمير كلي أو جزئي لأبنية بكاملها. وقعت العديد من الحوادث في المساء أو عند الفجر، عندما تتجمع الأسر لتناول وجبة الإفطار أو جبة السحور في شهر رمضان،  أو في الليل عندما كان الناس نائمين. وزاد توقيت الهجمات من احتمال أن يكون الكثير من الناس، وفي كثير من الأحيان أسر بكاملها، في المنزل.

في تسع من الحالات الخمسة عشر التي تم فحصها، وجدت اللجنة دلائل على أهداف عسكرية محتملة في المنازل المتضررة أو بالقرب منها، وأن من المحتمل أن الأفراد الذي كانوا أو الذين قد يكونوا متواجدين في المبنى في الوقت الذي تعرض فيه للضرب، كانوا متواجدين عموماً بسبب صلاتهم المزعومة بالشرطة، أو بحماس أو بجماعة مسلحة. ولكن نظرا لانعدام التعاون من السلطات الإسرائيلية، لم تتمكن اللجنة من تحديد الدافع الحقيقي لهذه الهجمات. وفي ست حالات أخرى، وجدت اللجنة معلومات قليلة متاحة أو لم تجد أية معلومات يمكن أن تفسر الدافع وراء الهجوم. وأثارت جميع الحالات التي تم فحصها مخاوف بشأن انتهاكات محتملة لمبادئ التمييز، أو التناسب أو الحذر في الهجوم.

وقد بررت حكومة إسرائيل مشروعية هذه الممارسة مدعية أنه "في بعض الحالات، هاجم الجيش الإسرائيلي – بعد اتخاذ جميع الاحتياطات المناسبة وإجراء تقييمات التناسب - أهدافا عسكرية كانت تقع ضمن المباني السكنية".[iv] ويتضح ذلك من إحدى الغارات الجوية المماثلة التي جرت في يوم 8 تموز/يوليو، حيث تم الهجوم على منزل قائد عسكري لفصيل مسلح بعد أن وجد الجيش الإسرائيلي أن "الموقع كان يستخدم كموقع للتخطيط للعمليات ولأنه كان قد تم تخزين كميات كبيرة من الأسلحة هناك وخصص لهجمات ضد المواطنين الإسرائيليين".[v]

 

تلبية احتياجات الأطفال النفسية الاجتماعية [vi]

خلال الأعمال القتالية، ركزت منظمات حماية الطفل على تقديم المساعدات النفسية الاجتماعية العاجلة للأطفال والأسر المنكوبة. وبعد وقف إطلاق النار، تحول التركيز إلى التدخلات النفسية الاجتماعية الأكثر تركيزاً وتنظيماً لمعالجة مستويات ضخمة من الأعراض المرتبطة بالتوتر بين الأطفال. وشمل هذا نظام إحالة متكامل للأطفال والأسر الضعيفة، وتدريب مدراء الحالة الذين يتابعون حالة الأطفال المعرضين للخطر. وبين تموز/يوليو 2014 وتموز/يوليو 2015، خدم أعضاء حماية الطفل والمجموعات العاملة في الصحة النفسية والدعم النفسي الاجتماعي أكثر من 138,000 طفل من خلال التدخلات النفسية الاجتماعية، ما يقرب من 134,000 بالتوعية ضد مخلفات الحرب من القنابل التي لم تنفجر، و171,000 طفل من خلال تدخلات أخرى لحماية الطفل شملت التفاعل الوظيفي للطفل، وإدارة الحالة وتعليم مهارات الحياة. بعد مرور سنة واحدة على الأحداث، يُقدر أن هناك أكثر من 300,000 طفل في قطاع غزة لا يزالون بحاجة إلى الدعم النفسي الاجتماعي.

ذكر الناجون أن الأسرة قد انتهت لتوها من تناول وجبة طويلة في اليوم الثاني للاحتفال بعيد الفطر، ومعظم أفراد الأسرة كانوا يأخذون قيلولة في وقت الهجوم. وأشارت لجنة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق إلى أنه، فيما يتعلق بالحالة، لم تتلق اللجنة أية معلومات توحي بأنه كان هناك هدف عسكري في المنزل، وحتى اليوم، لم يصدر الجيش الإسرائيلي أية بيانات متعلقة بالحادث. ويبدو أنه لم يصدر أي تحذير.[vii]

نعيم وزوجته سها، البالغة من العمر 42 عاماً، وبناته الست قتلوا على الفور. وتوفي ابنهما البالغ من العمر ثماني سنوات وهو في طريقه إلى المستشفى. كما قتل ابن إحدى البنات البالغ من العمر سنة واحدة وابن عبد الكريم. وكان علاء البالغ من العمر ثمانية عشر عاما، والذي كان خارج المنزل في وقت الهجوم، هو الناجي الوحيد من أفراد الأسرة.

التكيف مع الخسائر

وبعد عام، يروي عم علاء، جميل بلاطة،  الأحداث المأساوية والعام الذي مضى منذ أن قتلت غارة جوية أخيه وأسرة أخيه. يعمل جميل سائقا لدى المجلس الثقافي البريطاني، وأصر على سرد القصة باللغة الإنجليزية حتى لا يفهم علاء ويكون بمنأى عن أن تستعيد ذاكرته والخسائر، ويبقى مركزا على المستقبل.

يتذكر جميل كيف انتقل علاء مع عم آخر له بعد وقف إطلاق النار مباشرة، ومكث لمدة ثلاثة أشهر قبل أن ينتقل إلى بيت جميل، حيث شعر بارتياح أكبر مع أبناء عمه الذين الأقرب إليه عمراً . أنهى علاء دراسته الثانوية، قبل الحرب بفترة قليلة، وأراد والده له أن ينجح في دراسته، وكان علاء مصمما على رفع علاماته ليتمكن من الذهاب مباشرة إلى الجامعة. وفي العام المنصرم، سجلفي برنامجين للدراسة ، لكنه لم ينجح في إتمامهما. ويخطط علاء للتسجيل في الجامعة في أيلول/سبتمبر ليحصل على الدبلوم الذي سيمكنه فيما بعد من مواصلة الدراسة لدرجة البكالوريوس في حال كانت علاماته مرتفعة بما يكفي. حصلت الأسرة مؤخرا على مبلغ 5,000 دولار لكل فرد قتل في الحادثة، مقدمة من لجنة تمولها الإمارات العربية المتحدة، لدعم الناجين. وبعيدا عن هذه الدفعات وتوزيع الغذاء المنتظم من وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، عبّر جميل عن أسفه "لعدم تلقي علاء الدعم النفسي، والذي لم نتلقاه نحن أيضا". والسبب في ذلك هو ترتيب الأولويات للأطفال من الوكالات المتخصصة في التدخلات النفسية (انظر الإطار أعلاه). وبعد هذه المقابلة، تمت إحالة حالة علاء إلى قسم الخدمات النفسية الاجتماعية التابع للأنروا من أجل المزيد من المتابعة.

التحقيقات الإسرائيلية [viii]

في أعقاب الأعمال القتالية في عام 2014، أنشأ الجيش الإسرائيلي آلية لتقييمات تقصي الحقائق من أجل فحص "الحوادث الاستثنائية" التي وقعت أثناء العملية العسكرية في غزة، وبناء على النتائج يتخذ النائب العسكري العام قراراً بشأن إجراءات المتابعة. ووفقا لمعلومات إسرائيلية رسمية تم نشرها في تموز/يوليو 2015، تلقّت لجنة وآلية تقييم تقصي الحقائق ادعاءات متعلقة بـ 190 حالة، تم فحص 105 حالات منها وتم تقديم نتائجها للنائب العسكري العام. وبعد المراجعة قرر الأخير إغلاق 19 من هذه الحالات دون فتح تحقيق جنائي فيها، وأحال 7 حالات إلى التحقيقات. وفي 15 حالة أخرى، حيث أشار الادعاء الأولي إلى شبهة معقولة لسوء سلوك جنائي، أمر النائب العسكري العام بفتح تحقيقات جنائية فيها دون الحاجة إلى فحص مسبق من لجنة وآلية تقييم تقصي الحقائق. تم الانتهاء من التحقيق في إحدى هذه الحالات وتمت إدانة ثلاثة جنود مشتبه بهم بسرقة 2,420 شيقل من أسرة فلسطينية. التقرير الذي نشره النائب العسكري العام مؤخرا لا يحتوي أية معلومات بشأن حالة أسرة بلاطة.

وبمساعدة عمه، يقوم علاء الآن بإعادة بناء بيت أسرته، ويستبدل الإسبست بالإسمنت - وهو ما دفع الأسرة إلى مغادرة بيتها بحثا عن مكان أكثر أمانا قبل عام واحد. خطب علاء فتاة عمرها 16 عاماً من مخيم جباليا، وسيتزوج الشابان هذا العام، إنهما يأملان بإنهاء أعمال البناء في بيتهما الشهر المقبل، حتى يستطيع علاء وعروسه أن يبدءا بداية جديدة هناك. قال علاء بابتسامة خجولة حين سئل عن آماله في المستقبل: "إنني أتطلع إلى الزواج".

وبالنسبة لأعمام علاء وأبناء أعمامه فإنهم يأملون بالحصول على فرص عمل. قال عمه جميل: "الوضع هنا مستحيل، تخرج أحد أبنائي من الجامعة كممرض في عام 2007 ولا يزال بدون وظيفة. وابني الآخر تخرج في عام 2008 بتخصص تكنولوجيا المعلومات وهو أيضا بدون وظيفة. وابني الأكبر يحمل درجة الماجستير ويعمل معلما للغة العربية. وهو موظف مدني يعمل في مدرسة حكومية وهو الوحيد الذي لديه وظيفة. نأمل أن يتحسن الوضع وأن يستطيع علاء أن يجد وظيفة في المستقبل ويعيش حياة كريمة".

يمضي علاء معظم أوقاته حاليا مع أصدقائه ومع أبناء عمومته، وخلال شهر رمضان، تم تنظيم سلسلة من مباريات كرة القدم في المخيم، حيث ارتدى اللاعبون قمصانا تحمل اسم نعيم في ذكرى والد علاء.

 

[i] تم استخراج التفاصيل حول هذا الحادث من تقرير صادر عن اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق التابعة للأمم المتحدة، الفقرات. 145-152.

[ii] تقرير النتائج المفصلة للجنة المستقلة لتقصي الحقائق المشكلة عملا بقرار مجلس حقوق الإنسان S-21/1 (والتي تعرف فيما بعد بـ: لجنة تقصي الحقائق).

[iii] لجنة تقصي الحقائق، ملخص، الفقرات. 35-45.

[iv] حكومة إسرائيل، حرب غزة في عام 2014: وقائع وجوانب قانونية، الفقرة 276. ماتح على الرابط

[v] المصدر نفسه

[vi] المعلومات قدمها الفريق العامل في حماية الطفل الذي تقوده منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف).

[vii] لجنة تقصي الحقائق، تقرير كامل، الفقرة 152.

[viii] قرارات النائب العسكري العام في الجيش الإسرائيلي المتعلقة بالأحداث الاستثنائية التي حدثت خلال عملية "الجرف الصامد" بحسب الادعاءات - تقرير رقم 4، 11 حزيران / يونيو 2014، متاحة على الرابط