غزة: انعدام التسجيل الشامل وعدم وجود تصنيف للمهجرين داخليا يستمر في تقويض جهود الاستجابة

فجوات خطيرة في التمويل تعيق إيصال المساعدات وترجئ إعادة الإعمار

أدت الأعمال القتالية في الصيف إلى واحدة من أكبر موجات التهجير الداخلي في قطاع غزة إذ لا يزال ما يقرب من 100,000 شخص مهجرين. وقد أعاقت الثغرات الكبيرة في التسجيل الشامل وعدم وجود تصنيف للمهجرين داخليا قدرة العاملين في المجال الإنساني على الاستجابة للاحتياجات. وتعتبر هذه الأنشطة أنشطة حاسمة في تحديد موقع المهجرين داخليا، وبالتالي ظروفهم المعيشية، ومواطن الضعف والاحتياجات الخاصة، وكذلك تقييم الآثار على المجتمعات المستضيفة.

وأجرت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) ووزارة الشؤون الاجتماعية في غزة خلال الحرب تسجيلا أوليا للمهجرين داخليا. بالرغم من ذلك، أصبحت هذه السجلات قديمة بعد بدء وقف إطلاق النار في 26 آب/أغسطس، حين ترك غالبية المهجرين في وقت واحد الملاجئ والمنازل المضيفة دون إتاحة الفرصة لإجراء عملية إلغاء منظمة للتسجيل.

وفي الوقت الحالي لا يوجد سوى حوالي 10,500 مهجر داخليا يمكثون في 15 مركز جماعي تابع لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، وحوالي 1,400 يعيشون في وحدات سكنية جاهزة، وهم مسجلون بشكل ملائم. وتتميز المعلومات المتعلقة ببقية السكان المهجرين داخليا (حوالي 88,000)، بما في ذلك أولئك الذين يقيمون في ملاجئ مؤقتة، مع عائلات مضيفة، ومساكن مستأجرة، بأنها جزئية وغير مركزية.

وقد اتخذت مختلف المنظمات الشريكة في المجال الإنساني، بما في ذلك وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، والمجلس النرويجي للاجئين، ووزارة الشؤون الاجتماعية ومكتب تنسيق الشؤون الإنسانية، الخطوات الأولية لمعالجة هذه الفجوة، بما في ذلك تشكيل فريق عمل لإدارة المعلومات حول المهجرين داخليا. وفور تشغيله، يتوقع من الفريق تحديد الفجوات وتبادل البيانات ووضع آلية تتبع مناسبة لجميع المهجرين في أنحاء قطاع غزة.

في تشرين الأول/أكتوبر عام 2014، قاد المجلس النرويجي للاجئين، بالتعاون مع بلدية خزاعة (خان يونس)، مشروعا للتنميط الذاتي ينطوي على قيام المهجرين داخليا بالإبلاغ عن أماكن وجودهم، ووضع المأوى الخاص بهم ونقاط الضعف الرئيسية لديهم. ونتيجة لذلك، تتوفر الآن معلومات أساسية تمكن هذه البلدية والجهات الإنسانية الفاعلة من تنفيذ أنشطة الحماية، وتحسين فرص الحصول على الخدمات وتحديد الأولوية لتقديم الخدمات على أساس حالة الضعف في هذا المجتمع. وتم توسيع المشروع لاحقا إلى الشوكة، ووادي غزة، وجباليا، وبيت لاهيا وبلديات أم ناصر. ويتطلب استمرار وتوسيع المشروع بشكل أكبر الحصول على تمويل إضافي.

تقييم الأضرار وفجوات التمويل

إن تقييم الأضرار للمنازل الذي أجرته وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) للأسر اللاجئة، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي ووزارة الأشغال العامة والإسكان للأسر غير اللاجئة، يمكن العاملين في مجال المأوى من تحديد الأشخاص المؤهلين للحصول على مساعدة المأوى، ولكن لم يتم تتبع موقعهم الحالي أو احتياجاتهم بشكل منهجي.

وبحلول نهاية عام 2014، تم الانتهاء من تقييم الأضرار لأكثر من 63,000 فرد (11,232 أسرة) الذين دمرت منازلهم كليا أو تضررت بشدة مما جعلها غير صالحة للسكن وتم التحقق من صحة التقييم. غير أنّ مجموعة المأوى تقدر أن العدد الإجمالي للأسر التي دمرت منازلها أو تضررت بشدة مرتفع، حيث يصل إلى 18,000. وفي بداية شهر شباط/فبراير عام 2015، تلقت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) وحدها حوالي 44,000 استئنافا للتقديرات الأولية مما أدى الى إعادة استئناف عملية التقييم.

اعتبارا من 11 شباط/فبراير 2015، اكتمل تقييم الأضرار التي لحقت بما يقرب من 84 بالمائة من العائلات المهجرة داخليا (9,422 أسرة) وتلقت مساعدات نقدية للمأوى المؤقت من وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) أو من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، مغطية جزءا من الفترة منذ تهجيرهم.

بالرغم من ذلك ما زالت فجوات التمويل الكبيرة قائمة، مما يعيق قدرة الوكالات على مساعدة أولئك المهجرين. واضطرت في 27 كانون الثاني/يناير وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) إلى تعليق برنامجها للمساعدة النقدية الذاتية. وكذلك لم يكن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي قادرا على تقديم المساعدات النقدية لجميع المهجرين، والأسر غير اللاجئة بسبب نقص خطير في التمويل، تاركين غالبية الأسر الأكثر ضعفا في غزة يحدوها أمل ضئيل في إعادة بناء حياتهم.

تحديث لآلية إعادة إعمار غزة

اعتبارا من 4 شباط/فبراير تم مسح أكثر من 60,000 فردا طلبوا مواد بناء لإصلاح المأوى أُجيز لهم شراء المواد بموجب آلية إعادة إعمار غزة المؤقتة المتفق عليها بين الحكومتين الإسرائيلية والفلسطينية وبتسهيل من مكتب الأونسكو. من هؤلاء الأفراد، حوالي 40,000 حصلوا على مواد البناء بحلول ذلك التاريخ. ولا يزال المزيد من التقييمات بشأن إصلاح المأوى يرفع إلى وزارة الشؤون المدنية للمعالجة. واستورد 14 من تجار القطاع الخاص ما مجموعه 56,009 طنا (أو ما يقرب من 1,300 شاحنة) من مواد البناء، منها أكثر من 43,561 طنا حصل عليها الأفراد.

"هذا كان بيتنا:"  حالة أسرة السعودي، شرق مدينة غزة

فاطمة سعودي، أرملة من الشجاعية، إحدى المناطق الأكثر تضررا نتيجة الأعمال القتالية في الصيف، كانون الثاني/يناير 2015,تصوير مكتب تنسيق الشؤون الإنسانيةفاطمة مرضي سعودي، 56 عاما، أرملة وأم لثمانية، هي من الشجاعية، إحدى أكثر المناطق تضررا خلال الأعمال القتالية في الصيف. وكان منزل عائلتهم قد أُصيب بأضرار بالغة وهُجروا لأكثر من ستة أشهر.

بعد أكثر من خمسة أشهر على وقف إطلاق النار، شهدت الشجاعية تقدما لا يكاد يذكر من حيث الانتعاش أو إعادة الإعمار. فاطمة وأولادها الثلاثة غير المتزوجين كانوا يعيشون في وحدتين سكنيتين جاهزتين قدمتهما وزارة الأشغال العامة والإسكان للأشهر الأربعة الماضية. ظروف المعيشة فيها مكتظة وباردة للغاية، لذلك قضوا معظم وقتهم في الخارج. أحد أبناء فاطمة، نور الدين، 13 عاما، يعاني من متلازمة داونز ويذهب إلى مدرسة خاصة. إنه لا يزال يبحث بين الأنقاض وفي كل يوم عن جهاز الكمبيوتر المحمول الخاص به، والذي فقده عندما تعرض منزلهم للقصف. فاطمة تخشى أن يتعرض نور لمخلفات الحرب من المتفجرات، حيث أن المنطقة لا تزال مليئة بالانقاض بسبب الأعمال القتالية.

عمل زوجها الراحل مع السلطة الفلسطينية، ولذلك تحصل الأسرة على معاش شهري قدره 1,300 شيكل. ولكن، من أجل بناء منزلها، أخذت فاطمة قرضا من البنك في العام الماضي. والآن، وعلى الرغم من أن المنزل تضرر بشدة، لا تزال فاطمة مستمرة في الدفع لسداد ديونها، بحيث يبقى لها ولأبنائها القليل جدا.

خلال عاصفة كانون الثاني/يناير، كان البقاء في وحدة سكنية جاهزة لا يطاق. تعاني فاطمة من آلام شديدة في الظهر وهي بحاجة ماسة لعملية جراحية. انتقلت هي وأطفالها مؤقتا إلى منزل والدتها. "نحن في الحقيقة بحاجة لمواد لتغطية المنطقة الخارجية بين غرفتي البيت المتنقل، للحفاظ على سلامة الأطفال وتقديم القليل من الخصوصية لهم. الوضع هنا صعب جدا جدا".

اثنان من أشقاء فاطمة يعيشان في منزل الأسرة الذي أُصيب بأضرار بالغة. وبما أن أسرة سعودي غير لاجئة، كان برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ووزارة الأشغال العامة والإسكان المسؤولين عن تقييم الأضرار التي لحقت بهم. قال أخوها عبد الله، "قالوا لنا أن نخلي المنزل لأنه غير صالح للسكن ويحتمل أن يكون خطرا، ولكن ليس لدينا أي مكان آخر لنذهب إليه، وليس لدينا أي مبلغ من المال للاستئجار، وبالتالي ماذا يمكننا أن نفعل؟".

تلقى كل واحد من إخوة فاطمة ما مجموعه 1,700 دولار أمريكي من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي. عبد الله وعائلته كانوا مستأجرين لشقة منذ شهر تشرين الأول/أكتوبر عام 2014، ولكن بعد ثلاثة أشهر أجبروا على العودة إلى منزلهم الذي تضرر بشدة لأنه لم يكن لديهم أية أموال لمواصلة دفع الإيجار. ويحاول الأخوان أن يتدبرا قدر استطاعتهما من خلال تنفيذ إصلاحات صغيرة في المنزل القديم باستخدام مواد وجدوها تحت الانقاض. ويجمعان الحطب الذي يجدانه في المنطقة وفي المساء، يشعلان نارا صغيرة في محاولة للحفاظ على الدفء.

فاطمة تشير إلى هيكل لبناء على مسافة 50 مترا، وتقول بهدوء، "كان ذلك منزلنا".