ملاحظات الأمين العام أمام مجلس الأمن بشأن الشرق الأوسط

نيويورك، 18 نيسان/أبريل 2024

[كما تم إلقاؤها]

السيد الرئيس، أصحاب السعادة،

يقف الشرق الأوسط على حافة الهاوية.

لقد شهدت الأيام الأخيرة تصعيداً محفوفاً بالمخاطر – بالأقوال وبالأفعال.

قد تؤدي أي حالة سوء تقدير واحدة، أو سوء تواصل واحدة، أو خطأ واحد إلى ما لا يمكن تصوره – نزاع إقليمي واسع النطاق وسيكون مدمّراً لجميع المنخرطين فيه ولبقية العالم.

يجب أن تكون هذه اللحظة المحفوفة بالمخاطر القصوى وقتًا لممارسة أقصى درجات ضبط النفس.

 وأكررّ إدانتي الحازمة للتصعيد الخطير الممثل بالهجوم الواسع النطاق الذي شنّته جمهورية إيران الإسلامية على إسرائيل في 13 نيسان/أبريل. ويحظر ميثاق الأمم المتحدة استخدام القوة ضد النزاهة الإقليمية أو الاستقلال السياسي لأي دولة، أو بأي طريقة غير متسقة مع مقاصد الأمم المتحدة.

وكما ذكرت في وقت سابق من هذا الشهر عندما أدنت الهجوم ضد القنصلية الإيرانية في دمشق، يجب احترام مبدأ حرمة المباني الدبلوماسية والقنصلية والموظفين الدبلوماسيين والقنصليين في جميع الحالات، حسبما يقتضيه القانون الدولي.

لقد حان الوقت لوضع حد للدوامة الدموية من الانتقام.

لقد حان الوقت للتوقف.

وعلى المجتمع الدولي أن يعمل معا لمنع أي اجراءات قد تدفع الشرق الأوسط بأسره إلى حافة الهاوية، والذي سيكون له أثر مدمر على المدنيين.

اسمحوا لي أن أكون واضحا: إن المخاطر تتصاعد على أوجه عدة.

وتقع على عاتقنا مسؤولية مشتركة لمعالجة تلك المخاطر وإبعاد المنطقة عن حافة الهاوية. 

والسبيل لذلك هو اعتماد العمل الدبلوماسي الشامل لخفض التصعيد في الشرق الأوسط.

السيد الرئيس،

يبدأ الأمر بغزة.

سينزع وضع حدّ للأعمال القتالية في غزة فتيل التوترات على نحو كبير في شتّى أرجاء المنطقة. وأكررّ دعواتي إلى وقف فوري لإطلاق النار لدواعٍ إنسانية وإطلاق سراح جميع الرهائن المحتجزين في غزة على الفور.

إن الهجمات الإرهابية المروّعة التي شنّتها حماس وغيرها من الجماعات المسلّحة  الفلسطينية في 7 تشرين الأول/أكتوبر، بما في ذلك عمليات القتل الجماعي واستخدام العنف الجنسي والتعذيب واحتجاز الرهائن، كانت إنكارا غير مقبول لأبسط القيم الإنسانية، وانتهاكا لأبسط قواعد القانون الدولي.

في غزة، أدّت ستة أشهر ونصف من العمليات العسكرية الإسرائيلية إلى خلق جحيم على الصعيد الإنساني. حيث قُتل عشرات الآلاف من الأشخاص وعانى مليوني فلسطيني من القتل والدمار والحرمان من المساعدات الإنسانية المنقذة للحياة. وأصبحوا الان على حافة المجاعة. ومن شأن عملية إسرائيلية في رفح أن تفاقم هذه الكارثة الإنسانية.

كانت أعداد الضحايا مروّعة وغير مسبوقة من حيث السرعة والحجم خلال فترة ولايتي كأمين عام. ووفقًا لليونيسف، أفادت التقارير بمقتل ما يزيد عن 13,900 طفل فلسطيني خلال هجمات مكثفة وعشوائية في كثير من الأحيان. 

وطرأ ذلك مع القيود المشدّدة التي تفرضها السلطات الإسرائيلية على إيصال المساعدات الإنسانية إلى سكان غزة، الذين يواجهون مجاعة واسعة النطاق.

أبدت إسرائيل مؤخرا عدة التزامات بتيسير تقديم المساعدات - وكانت هناك بعض الأمثلة على التقدم المحدود.

تم توصيل ثلاث قوافل تابعة لبرنامج الأغذية العالمي تتكون من ما مجموعه 25 شاحنة عبر معبر إيريز في شمال غزة في 14 و15 و16 نيسان/أبريل لتقديم الطرود الغذائية ودقيق القمح.

وتم تمديد ساعات عمل معبري كرم أبو سالم ونيتسانا من الجانب الإسرائيلي. لكن الشواغل الأمنية تعني أنه لا يمكن تمديد ساعات العمل بنفس القدر على جانب غزة.

واستأنفت بعض المخابز عملياتها في شمال غزة ووسطها. وكانت هذه المخابز الأولى التي أُعيد فتحها منذ أشهر.

ولكن التقدم الذي يبدو أنه قد أحرز في أحد المجالات لا ينعكس في كثير من الأحيان بسبب التأخيرات والقيود من جوانب أخرى. 

فعلى سبيل المثال، على الرغم من أن السلطات الإسرائيلية قد سمحت بدخول المزيد من قوافل المساعدات، إلا أن تلك التصاريح كثيرا ما تُصدر في وقت متأخر من اليوم حينما يكون من الصعب تقديم الإمدادات والعودة بأمان. ويمكن القول إن أفراد طواقمنا لا يمكنهم العمل في الظلام في منطقة حرب مليئة بالذخائر غير المنفجرة. 

لذا فإن الأثر محدود، وفي بعض الأحيان يكون معدومًا. وفي حين أن عدد التصاريح أخذت في الارتفاع، لا تزال هناك عقبات متواصلة تحول دون وصول المساعدات إلى الأشخاص الذين هم في أمس الحاجة إليها.

وخلال الأسبوع الممتد من 6 إلى 12 نيسان/أبريل، رفضت إسرائيل ما يزيد عن 40 بالمائة من طلبات الأمم المتحدة التي تطالب بالمرور عبر الحواجز الإسرائيلية.

نحن بحاجة ماسة إلى إحراز تقدم ملموس وقابل للقياس، بما في ذلك، على سبيل المثال، إيصال المساعدات دون قيود عبر ميناء أشدود وإعادة فتح خط مياه ناحال عوز.

ولتفادي المجاعة الوشيكة، والمزيد من الوفيات التي يمكن تجنبها بسبب الأمراض، نحتاج إلى قفزة نوعية في المساعدات الإنسانية للفلسطينيين في غزة. فالغذاء ضروري، كما هو الحال بالنسبة للمياه النظيفة والصرف الصحي والرعاية الصحية.

وهذا يعني التصدي للتحديات التي تقوّض عمليات التوصيل الميدانية.

ويجب أن تكون الوكالات الإنسانية، بقيادة وكالة الأونروا التي تعتبر حجر الزاوية لعملياتنا، قادرة على نقل المواد الغذائية وغيرها من الإمدادات بأمان وعبر كافة الطرق والمعابر الممكنة داخل غزة وفي شتّى أرجائها.

ويتطلب ذلك تحسين نظم الإيصال عبر كافة خطوط الإمداد ونقاط الدخول.

ويحتاج العاملون في المجال الإنساني  إلى الأمن أيضا. وقد قُتل ما يقرب من 250 من العاملين في المجال الإنساني في غزة، بمن فيهم أكثر من 180 من موظفينا. وأكررّ دعوتي لإجراء تحقيقات شاملة في هذه الوفيات المأساوية.

وفي الأسبوع الماضي، تم اطلاق النار على مركبة تابعة لليونيسيف كانت ترافق القوافل.

يتطلب تقديم المساعدات على نطاق واسع تيسير إسرائيل للعمليات الإنسانية بشكل كامل وفاعل، بما في ذلك من خلال نظام فعّال للإبلاغ عن حركة قوافل المساعدات الإنسانية – وتحسين التواصل المباشر ما بين العاملين في المجال الإنساني وصنّاع القرار من الجانب العسكري.

هذا أمر ضروري ويجب تنفيذه على الفور.

وفي الوقت الراهن، تواجه عمليات تقديم المعونات التي نقوم بها صعوبات هائلة وهي بالكاد تعمل. ولا يمكنها أن تعمل بشكل منظم وممنهج وإنما تغتنم أي فرصة متاحة لتقديم المساعدات كلما وحيثما كان ذلك ممكنا.

لا يمكن للعاملين في المجال الإنساني وحدهم تلبية الحجم الهائل للإحتياجات في غزة. فالقطاع الخاص يضطلع بدور رئيسي. وزيادة الحركة التجارية أمر في بالغ الأهمية.

ما نحتاجه واضح: نطالب بوقف فوري لإطلاق النار لدواعٍ إنسانية في غزة، وإطلاق سراح الرهائن على الفور ودون شروط، وإيصال المساعدات الإنسانية دون عوائق.

وتقع على عاتق المجتمع الدولي مسؤولية مشتركة عن بذل كل ما في وسعه لتحقيق ذلك.

السيد الرئيس،

يجب اعتماد نهج شامل لتهدئة الوضع المتفجر في الضفة الغربية المحتلّة.

قُتل أكثر من 450 فلسطينيًا، من بينهم 112 طفلا، في الضفة الغربية المحتلّة منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر. وقد قُتل معظمهم على يد القوات الإسرائيلية خلال عملياتها وفي تبادل لإطلاق النار بين القوات الإسرائيلية والمسلّحين الفلسطينيين.

كما قُتل آخرون على يد مستوطنين إسرائيليين مسلّحين، وفي بعض الأحيان بحضور قوات الأمن الإسرائيلية التي وقفت مكتوفة الأيدي ولم تفعل شيئا لمنع عمليات القتل هذه.

وشهد العام الماضي أعلى عدد من هذه الهجمات وحالات العنف والتخويف ضد التجمعّات الفلسطينية، وذلك منذ أن بدأت الأمم المتحدة تسجيل هذه الأحداث في العام 2006.

وقتل 17 إسرائيليًا، من بينهم طفل، في الضفة الغربية المحتلة وإسرائيل منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر.

وبالإضافة إلى هذا العدد، أفادت التقارير بمقتل فتى إسرائيلي يبلغ من العمر 14 عامًا خلال عطلة نهاية الأسبوع، مما أدى إلى موجة أخرى من الهجمات من قبل المستوطنين المسلّحين ضد ما لا يقل عن 37 قرية فلسطينية في الضفة الغربية المحتلة. وأسفر ذلك عن مقتل أربعة فلسطينيين، من بينهم فتى يبلغ من العمر 17 عامًا.

إنني أدين كافة أعمال العنف ضد المدنيين. 

وأحث إسرائيل على اتخاذ خطوات فورية لوضع حد لهذه المستويات غير المسبوقة من عنف المستوطنين، وإخضاع أولئك الذين ارتكبوا هذه الهجمات للمساءلة.

وأدعو إسرائيل، بصفتها السلطة القائمة بالاحتلال، إلى حماية السكان الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلّة من الهجمات والعنف والتخويف.

إن خلفية هذا الارتفاع المروّع في العنف هو التوسيع المستمر للمستوطنات الإسرائيلية – والتي تعتبر في حد ذاتها انتهاكًا للقانون الدولي – فضلا عن العمليات الإسرائيلية واسعة النطاق والمتكررة في المناطق الفلسطينية.

إن الإعلانات بأنه ثم مناطق تشكل الآن أراضي دولة إسرائيلية، فضلا عن القرارات القانونية التي تعزز المستوطنات وقد تزيد من عمليات الهدم والإخلاء، تخاطر بتقويض تواصل الدولة الفلسطينية المستقبلية وتحرم جيلا من الفلسطينيين من الأمل.

ويجب على إسرائيل والمجتمع الدولي أن يدعما الحكومة الفلسطينية الجديدة وأن يعملا معها للتصدي للتحديات المالية التي تواجهها، وتعزيز قدرتها على الحكم، وإعدادها لتولي مسؤولياتها في غزة من جديد في المستقبل. 

وأحث كافة الجهات الفاعلة للإقرار بالدور الحاسم الذي ينبغي أن تضطلع به السلطة الفلسطينية في غزة والعمل على تمكين عودتها في الوقت المطلوب.

 السيد الرئيس،

لا يزال الهدف الأسمى هو حل الدولتين - إسرائيل وفلسطين تعيشان جنبا إلى جنب في سلام وأمن، وبحيث تكون القدس عاصمة لكلتا الدولتين، على أساس قرارات الأمم المتحدة والقانون الدولي والاتفاقات السابقة.

ويعني ذلك وضع حدّ للاحتلال وإنشاء دولة فلسطينية مستقلة وديمقراطية ومتجاورة وقابلة للحياة وذات سيادة، تكون غزة جزءًا لا يتجزأ منها.

وتقع على عاتق المجتمع الدولي مسؤولية والتزام أخلاقي للمساعدة في تحقيق ذلك.

السيد الرئيس،

يجب أن تعالج جهود التهدئة الإقليمية أيضا الوضع المتوتر للغاية في لبنان، ولا سيما على طول الخط الأزرق.

إن تبادل إطلاق النار بين القوات الإسرائيلية وحزب الله يكبّد المجتمعات المدنية في إسرائيل ولبنان خسائر متزايدة. وقُتل عشرات المدنيين ونزح عشرات الآلاف على كلا جانبي الخط الأزرق.

وقد يصل هذا التبادل إلى زخم في حد ذاته. إن الهجمات التي وصلت إلى داخل أراضي لبنان وإسرائيل يمكن أن تشعل مواجهة أكثر خطورة - كما شهدنا في الماضي.

أدعو كافة الأطراف إلى ممارسة أقصى درجات ضبط النفس وتجنب أي انتهاكات أخرى لوقف الأعمال القتالية وفقا لإطار القرار 1701.

إن الأمم المتحدة على أتم الاستعداد لدعم جهود العديد من الدول لتشجيع خفض التصعيد والعمل نحو التوصل إلى حل دبلوماسي.

السيد الرئيس،

يجب أن تضمن جهود خفض التصعيد الإقليمية سلامة الملاحة في البحر الأحمر، مع احترام الحقوق والواجبات المتعلقة بالملاحة البحرية وفقًا للقانون الدولي.

تستمر هجمات الحوثيين على السفن التجارية في تعطيل التجارة العالمية. ورداً على ذلك، شنّت كل من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة ضربات ضدهم.

وتزيد المواجهات المسلّحة على هذا الممر المائي الحيوي من المخاطر: فثمة مخاطر تهدد سلاسل الإمداد، ومخاطر وقوع كارثة بيئية بسبب سفينة شحن أو ناقلة نفط متضررّة، ومخاطر حدوث تصعيد خطير ومواجهة بين القوى العظمة، مما قد يكون له تداعيات سياسية وأمنية واقتصادية وإنسانية مروعة.

يجب أن تتوقف جميع الهجمات على السفن التجارية في البحر الأحمر على الفور.

ويجب على المجتمع الدولي أن يعمل معا لمنع التصعيد في البحر الأحمر الذي من شأنه أن يؤدي إلى تفاقم التوترات وتقويض السلام والأمن الإقليميين والتجارة الدولية.

ويجب دعم سكان اليمن للتوصل إلى عملية سياسية من أجل سلام مستدام وعادل.

السيد الرئيس،

بات الشرق الأوسط على حافة السكين.

إن التصعيد الأخير يزيد من أهمية دعم الجهود الحسنة النية للتوصل إلى سلام دائم بين إسرائيل ودولة فلسطينية مستقلة استقلالا تامًّا وقابلة للحياة وذات سيادة.

إن الفشل في إحراز تقدم نحو حل الدولتين لن يؤدي إلا إلى زيادة التقلبات والمخاطر بالنسبة لمئات الملايين من الأشخاص في شتّى أرجاء المنطقة، الذين سيظلون يعيشون تحت التهديد المستمر للعنف.

وأحث كل حكومة معنية على استخدام نفوذها لتعزيز بناء الثقة والأمن المتبادل والسلام الإقليمي.

لدينا التزام أخلاقي مشترك بتعزيز الجهود الشاملة لخفض التصعيد في الشرق الأوسط من أجل الحد من المخاطر، وزيادة الاستقرار، وتمهيد الطريق نحو السلام والازدهار لدول وشعوب المنطقة وخارجها.

شكرًا لكم.