إرتفاع نسبة الحوادث التي تتسبّب في تعطيل الدراسة في أنحاء الضفة الغربية

خلال هذا العام الدراسي (ومنذ شهر آب/أغسطس 2018)، لاحظت مجموعة التعليم إتجاهاً تصاعديًا في عدد الحوادث التي شهدت تمركُز القوات الإسرائيلية و/أو المستوطنون الإسرائيليون في المدارس الفلسطينية أو بالقرب منها في الضفة الغربية، وتعطيل القدرة على الوصول إلى هذه المدارس والأنشطة التي تُعقد فيها، حسبما أفادت التقارير. وشملت الحوادث التي سُجلت في هذا المضمار تأخير الأطفال ومضايقتهم وهم في طريقهم إلى مدارسهم، وعلى الحواجز وفي أمكنة أخرى، وإندلاع إشتباكات على مقربة من المدارس، وإقتحامات عنيفة وعمليات بحث داخل المدارس.

وقد أسفر ما لا يقل عن 17 حادثة من الحوادث المماثلة، التي سجّلها مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية منذ مطلع العام 2018 (حتى منتصف شهر تشرين الثاني/نوفمبر)، عن إصابة 323 فلسطينيًا بجروح، من بينهم 225 طفلًا. ومن بين هؤلاء المصابين، أُصيبَ ثلاثة بالذخيرة الحية، و15 بالأعيرة المعدنية المغلفة بالمطاط، ومعظم من تبقّى بسبب إستنشاق الغاز المسيل للدموع، والذي تتطلب الحصول على علاج طبي.

مدرسة في السيميا (الخليل) هدمتها السلطات الإسرائيلية بحجة الإفتقار إلى رخصة بناء © - تصوير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية

وعدا عن الإصابات الجسدية وما يترتب عليها من الغياب عن المدرسة، تؤثر هذه الحوادث على الأطفال من الناحيتين الإجتماعية والنفسية، حيث تسبب لهم التوتر والصدمات وتزعزع إحساسهم بالأمان، مما يجعل التعلم أمرًا صعب المنال في نهاية المطاف.

ففي 48 مدرسة على الأقل في المنطقة (ج) والقدس الشرقية، تفاقم إنعدام الأمن وإنعدام اليقين بسبب الخطر الذي يشكّله هدم المدارس أو مصادرتها بكاملها أو جزء منها على يد السلطات الإسرائيلية، بحجة إفتقارها إلى رخص البناء.

من خلال خطة الإستجابة الإنسانية للعام 2018، أطلقت المنظمات الشريكة في مجال العمل الإنساني مناشدة لتأمين مبلغ قدره 3.2 مليون دولار من أجل تنفيذ طائفة من تدخلات الدعم النفسي والإجتماعي والحماية التي تستهدف الأطفال الذين يعيشون في تجمعات سكانية يعتريها الضعف في جميع أنحاء الضفة الغربية. ولكن لم يُجمع سوى ربع هذا المبلغ المطلوب تقريبًا من الناحية الفعلية. ومن جانب آخر، جُمع نحو 1.7 مليون دولار جرى طلبها في خطة الإستجابة الإنسانية لتنفيذ أنشطة رفع التقارير والتوثيق والمناصرة في الضفة الغربية، مما سمح بتنفيذ تدخُّل أكثر قوة.

مدرسة الساوية-اللُّبَّن (نابلس)

تُعَدّ مدرسة الساوية-اللُّبَّن، التي تقع بمحاذاة طريق 60 جنوبي نابلس، واحدة من 13 مدرسة يواجه طلبتها تواجدًا عسكريًا دائمًا على بوابات مدرستهم وعلى إمتداد الطريق المؤدي إليها. فبين شهريْ كانون الثاني/يناير وأيلول/سبتمبر 2018، شهدت هذه المدرسة 24 حادثة سبّبها المستوطنون والجيش الإسرائيلي، مما رفع مجموع الحوادث التي وقعت على مدى الأعوام الأربعة الماضية إلى 89 حادثة، مع العلم بأن وتيرة هذه الحوادث تتزايد باطّراد. وإنطوى العديد من هذه الحوادث على إقتحام المدرسة من قبل القوات الإسرائيلية، وبمرافقة المستوطنين الإسرائيليين في أحيان كثيرة، إستجابةً للإدعاءات التي ساقها المستوطنون وقالوا فيها إن الطلبة ألقوا الحجارة من داخل مبنى المدرسة أو من منطقة مجاورة لها. ويفيد الطلبة وأعضاء الهيئة التدريسية إلى أنهم يُجبرون، في أغلب الأحوال، على سلوك مسافات أطول لكي يتجنبوا مضايقات الجنود والمستوطنين. وينظر بعض الطلبة إلى تواجد الجنود كاستفزاز، مما يؤدي إلى إندلاع إشتباكات تتسبّب في تعطيل الدراسة وتعرّض الأطفال لخطر الإصابات الجسدية.

وفي يوم 14 تشرين الأول/أكتوبر 2018، أصدر الجيش الإسرائيلي أمرًا بإغلاق المدرسة بذريعة أن الأطفال ألقوا الحجارة على الجنود، وهو إدعاء فنّدته إدارة المدرسة. وعلى الرغم من صدور هذا الأمر، قررت وزارة التربية والتعليم العالي الفلسطينية، إلى جانب المدرسة ومجلس أولياء أمور طلبتها، فتح أبواب المدرسة في اليوم التالي. وتسبّب التواجد العسكري المكثف في ذلك اليوم في نشوب مواجهات بين الجنود الإسرائيليين وأساتذة المدرسة وطلبتها، حيث أطلق الجنود قنابل الغاز المسيل للدموع والقنابل الصوتية باتجاههم. وأستؤنفت الدراسة في يوم 16 تشرين الأول/أكتوبر.

مدرسة عوريف للبنين (نابلس)

تُعَدّ عوريف واحدة من ست تجمعات سكانية فلسطينية في محافظة نابلس، يبلغ مجموع عدد سكانها 21,000 نسمة. ويتعرض هذا التجمع السكاني لأعمال عنف ومضايقات منهجية مصدرها مستوطنة يتسهار الإسرائيلية والبؤر الإستيطانية المحيطة بها.[1]

وفي يوم 7 تشرين الثاني/نوفمبر، وصل نحو 50 مستوطنًا إسرائيليًا، أفادت التقارير بأنهم من يتسهار، وكان بعضهم مسلحًا، وبمرافقة جنود إسرائيليين، إلى مدرسة ذكور عوريف في أثناء اليوم الدراسي. وإندلعت الاشتباكات مع الطلاب. وأصيبَ 11 فلسطينيًا، بمن فيهم ثلاثة طلاب، بجروح، منهم أربعة (بالغون) أُصيبوا بالذخيرة الحية أو الأعيرة المعدنية المغلفة بالمطاط.

وقد إقتضى الأمر إخلاء المدرسة في حادثتين منفصلتين وقعتا في يومي 10 و17 تشرين الأول/أكتوبر، حيث هاجم المستوطنون المدرسة بالحجارة في الحادثة الأولى، وهددوا بمهاجمتها في الثانية. وفي يوم 18 تشرين الأول/أكتوبر، دخل المستوطنون الإسرائيليون، الذين أشارت التقارير إلى أنهم من مستوطنة يتسهار وكانوا مسلحين بالفؤوس والحجارة، إلى القرية وألقوا الحجارة على المدرسة، مما أجبر الطلاب على الفرار منها. وبينما كان الطلاب يغادرون المدرسة، أطلق الجنود الغاز المسيل للدموع، مما تتطلب حصول 15 طالبًا و21 معلمًا على العلاج الطبي. كما أصيبَ ما لا يقل عن سبعة طلاب ومعلم واحد بالأعيرة المعدنية المغلفة بالمطاط.[2]

مدينة الخليل

على مدى الشهور القليلة الماضية، أفادت عدة مدارس في المنطقة الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية في مدينة الخليل بأنها تعرضت لحوادث متعددة من إطلاق الغاز المسيل للدموع، ولا سيما في مدرسة الخليل الأساسية. وتتسبب هذه الحوادث في وقوع إصابات جسدية ودبَّت الفزع في نفوس الطلبة والمعلمين.

وتفيد مدرسة النهضة للبنين في مدينة الخليل بوقوع حوادث متكررة بسبب تواجد الجيش الإسرائيلي بصورة منتظمة. وفي إحدى الحوادث التي وقعت في يوم 25 تشرين الأول/أكتوبر، أصيبَ عدد من الأطفال والمعلمين بعدما أطلق الجنود قنبلة غاز مسيل للدموع داخل المدرسة.

وعقب نشر فيلم فيديو صُوِّر في يوم 18 تشرين الثاني/نوفمبر ويُظهِر جنديًا إسرائيليًا وهو يطلق قنبلة غاز مسيل للدموع داخل المدرسة، صرّح الناطق الرسمي باسم قوات الدفاع الإسرائيلية بأن الحادثة كانت غير عادية وأنها سوف تخضع للتحقيق وتوضيح الأنظمة.[3]

وفي عموم محافظة الخليل، تعترض الحواجز العسكرية سبيل ما يقرب من 4,200 طالب وهم في طريقهم إلى مدارسهم كل يوم. وكثيرًا ما يواجه هؤلاء الطلبة المضايقات والترويع والتأخير الذي يتسبّب في ضياع وقت الدراسة عليهم.

محافظة بيت لحم

يتألف مجمع المدارس في بلدة الخضر بمحافظة بيت لحم من ثماني مدارس وثلاث روضات. وكثيرًا ما يؤدي التواجد العسكري المنتظم إلى إندلاع مواجهات وإطلاق قنابل الغاز المسيل للدموع وضياع وقت الدراسة. كما وقعت حوادث عدة في مدرسة سعيد بن العاص ومدرسة تقوع في بيت لحم، حيث دخل الجنود إلى المدرستين وإشتبكوا مع الأطفال.

التعرض لخطر الهدم

لا يمثّل هدم المدارس والغرف الصفية ضياع فرص التعليم على الأطفال فحسب، بل يسبب هذا التهديد الوشيك التوتر الذي يُلحق الضرر بتعلم الأطفال. فوفقًا لمجموعة التعليم، تلقّت أربع من 48 مدرسة تواجه خطر الهدم أوامر بوقف العمل على تشييدها أو بهدمها على مدى الأشهر الثلاثة المنصرمة.

وما تزال مدرسة الخان الأحمر في محافظة القدس، والتي يدرس فيها أطفال من خمسة تجمعات بدوية، معرَّضة للتهديد بهدمها منذ العام 2009. وفي شهر أيلول/سبتمبر 2018، أصدرت المحكمة العليا الإسرائيلية قرارًا نهائيًا بالسماح بهدم المدرسة، مع تجمع الخان الأحمر/أبو الحلو عن بكرة أبيه. وفي الوقت الذي جرى فيه تأجيل الهدم مؤقتًا، فقد ترك هذا التهديد أثرًا كبيرًا على الأطفال، حيث عطّل دراستهم وألحق الضرر بصحتهم العقلية ورفاههم.

ومن الحالات الأخرى قريبة العهد التي شهدت إصدار أوامر بهدم المدارس أو وقف العمل على تشييدها مدرسة زنوتا جنوبي الخليل، والتي تمّ إفتتاحها في شهر آذار/مارس العام الماضي، ولكن القوات الإسرائيلية هدمتها بين عشية وضحاها في شهر نيسان/أبريل. وباشرت وزارة التربية والتعليم العالي بناء المدرسة من جديد في شهر آب/أغسطس، غير أن أمرًا بوقف العمل على بنائها صدر خلال الشهر نفسه. كما أزالت السلطات الإسرائيلية الغرف الصفية في مدرسة إبزيق بمحافظة طوباس في شهر تشرين الأول/أكتوبر. وإضافة  إلى ذلك، صدرت أوامر بوقف بناء وتشييد مدرسة ظهر المالح، التي تقع داخل المنطقة المغلقة خلف الجدار (’منطقة التماس‘) في محافظة جنين، ومدرسة خلة الضبع في يطا، في شهريْ تشرين الأول/أكتوبر وتشرين الثاني/نوفمبر، على التوالي.

المدارس الفلسطينية التي تعرّضت لخطر الهدم، وتعطيل الدراسة في شهريْ تشرين الأول/أكتوبر وتشرين الثاني/نوفمبر

إعتقال طلاب بموجب إدعاءات بإلقاء الحجارة

محمد وهو جالس في صفه بمدرسة الساوية اللبن الثانوية  © - تصوير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانيةمحمد [حُجب إسمه الحقيقي]، البالغ من العمر 17 عامًا، طالب متفوق في الصف الثاني عشر في مدرسة الساوية- اللُّبَّن الثانوية. وقد إحتجزه الجنود الإسرائيليون مع أحد عشرة طالباً آخر، بينما كان في طريقه إلى منزله من المدرسة في يوم 12 تشرين الثاني/نوفمبر 2018. وقد أتُّهم هؤلاء الطلاب بإلقاء الحجارة على المركبات التي تحمل لوحات ترخيص صفراء على طريق 60.

وقال محمد: "كم كان صعبًا ومحزنًا أن أرى أمي وهي تبكي وتستجدي الجنود الإسرائيليين أن يطلقوا سراحي – إنها صورة ليس في وُسعي محوها من ذاكرتي."

وأُطلق سراح جميع الطلبة بعد ساعتين، جرى خلالها إستجوابهم وتفتيشهم، باستثناء محمد الذي وُضع في مركبة عسكرية وأقتيدَ إلى قرية سِنْجِل، التي تبعد نحو 10 كيلومترات عن المدرسة.

"أخرجني الجنود من الجيب، وأزالوا العصبة عن عينيّ وأحضروني أمام مستوطِنة إسرائيلية، كانت تحمل هاتفها النقال في يديها وتَعرِض الصور عليهم. وشرعوا بتهديدي وقالوا إنني سأرى صورتي وأنا ألقي الحجارة، وإنني سوف أودَع في السجن. لم أكُن قلقًا في ذلك الوقت لأنني لم أُلقِ الحجارة."

"ومع ذلك، قيّدوني وعصبوا عيني. وفي هذه المرة، أجبروني على الإستلقاء على أرضية الجيب وأخذوني إلى القاعدة العسكرية في حوارة [نابلس]. كنت خائفًا حقًا في هذه المرحلة. كل ما كنت أفكر فيه كان في أنهم [الجنود والمستوطنون الإسرائيليون] سوف يلصِقون جريمة بي ويُلقون بي في السجن... وأن لا أنهي عامي الدراسي الأخير... وألا ألتحق بالجامعة."

وسُلِّم محمد، بعد أن تمّ إحتجازه لمدة ست ساعات، للشرطة الفلسطينية، التي أعادته إلى بيته.


[1] للإطلاع على تحليل تفصيلي لأنماط العنف في المناطق المحيطة بمستوطنة يتسهار، انظر: ييش دين – منظمة متطوعين لحقوق الإنسان، يتسهار نموذجًا، آب/أغسطس 2018. 

[2] مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، "تقرير حماية المدنيين: 6-19 تشرين الثاني/نوفمبر 2018"، نشر بتاريخ 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2018، على الموقع الإلكتروني: 
https://www.ochaopt.org/ar/content/protection-civilians-report-6-19-nov…

[3] أنكر الناطق الرسمي، في رده الأولي، أن الجنود أطلقوا قنبلة غاز مسيل للدموع باتجاه المدرسة، ولكنه تراجع عن قوله بعد نشر الفيديو. انظر: 
Berger,Yotam. “Israeli Army Denied Soldiers Threw Gas Canister into Hebron School. Then a Video Surfaced.” Haaretz, December 6, 2018.