التجمعات السكانية الفلسطينية المعرّضة لخطر الترحيل القسري: حالة "منطقة إطلاق النار" شرق نابلس

تسببت المستجدات الأخيرة في إستفحال حالة الضعف التي يعيشها الفلسطينيون الذين يقطنون في منطقة شرقي محافظة نابلس أو يعتمدون على الوصول إليها. وقد صُنِّفت هذه المنطقة، التي تُعرف بـ"منطقة إطلاق النار 904A"، باعتبارها منطقة تدريب عسكري خلال عقد السبعينات من القرن الماضي. وتشمل هذه المستجدات التدريبات العسكرية التي تنطوي على التهجير المؤقت، وإلحاق الأضرار بالممتلكات، وتعطيل سبل الحياة وفرض قيود جديدة على الوصول. وخلال السنوات القليلة الماضية، شهدت هذه المنطقة نشاطات إستيطانية متزايدة، بما تشمله من أعمال العنف والترويع، ناهيك عن تقليص وجود الفلسطينيين فيها.

ولا يُعدّ وضع منطقة إطلاق النار 904A فريدًا. فالسلطات الإسرائيلية تصنف نحو 18 بالمائة من أراضي الضفة الغربية، أو ما يقرب من 30 بالمائة من مساحة المنطقة (ج)، كمناطق إطلاق نار لأغراض التدريب العسكري. وتؤوي هذه المناطق 6,200 فلسطيني يعيشون في 38 تجمعًا بدويًا ورعويًا صغيرًا، بما فيها تلك التي تقع إلى الشرق من منطقة نابلس. وقد لحقت الأضرار بهذه التجمعات السكانية، بدرجات متفاوتة، بسبب البيئة القسرية التي تسببها طائفة من السياسات والممارسات الإسرائيلية التي تعرض سكانها لخطر الترحيل القسري.[1]

"منطقة إطلاق النار" شرقي نابلس

"منطقة إطلاق النار" شرقي نابلس

تل الخشبة

بين يوميْ 17 و24 حزيران/ يونيو 2018، نفذت القوات الإسرائيلية تدريبًا عسكريًا كبيرًا في منطقة تل الخشبة، مما تسبب في تعطيل حياة سكان هذه المنطقة الذين يقارب عددهم 250 نسمة، ويشكلون تجمعًا رعويًا يقع في الجهة الجنوبية من منطقة إطلاق النار.[2]

وقد صدرت الأوامر لأسرتين تقطنان على مشارف التجمع، وتضمان 11 شخصًا بالغًا وأربعة أطفال، بإخلاء منزليها لمدة ثلاثة أيام. وأفاد أحد سكان المنطقة بأنه إضطُّر إلى الإنتقال مع أغنامه، البالغ عددها 200 رأس، إلى قرية عقربا، مما كبّده مصاريف إضافية لشراء العلف. ولم يبلَّغ عن وقوع أضرار بالمنزلين أو بحظائر المواشي.

وتحركت الدبابات والجيبات العسكرية، خلال هذا التدريب، على مساحة تزيد على 170 دونمًا من الأراضي المزروعة بالقمح والشعير وتعود ملكيتها لسكان التجمع، ودمرت بئر مياه زراعية، مما ألحق الضرر بـ15 أسرة. كما تدرب الجنود، خلال الليل، داخل المنطقة المأهولة في التجمع دون أن يطلقوا النار، مما بث الخوف في نفوس سكان التجمع.

وأصدرت السلطات الإسرائيلية أوامر بهدم العديد من المباني القائمة في التجمع بحجة الإفتقار إلى تراخيص البناء، وهي بانتظار تنفيذها. وقد نُفذت عملية الهدم الأخيرة في شهر كانون الثاني/ يناير 2017، حيث إستهدفت ستة مبانٍ، نصفها قُدِّم كمساعدات إنسانية في وقت سابق.

الدوة

منزل دُمر في شهر تشرين الأول/أكتوبر 2017، الدوة  © - تصوير مكتب تنسيق الشؤون الإنسانيةفي أثناء تدريب عسكري آخر أُجري خلال شهر تشرين الأول/أكتوبر 2017، ودون تحذير أو أمر عسكري مسبق، دمرت القوات الإسرائيلية مبنًى في منطقة الدوة، حيث كان يُستخدم قبل تدميره كمنزل، ثم جرى تحويله إلى مخزن زراعي. وأفاد مالك المبنى (أنظر دراسة الحالة أدناه) بأنه وجد بقايا متفجرات موصولة بأسلاك بجدران المبنى بين أنقاضه.

وتمثل الدوة، التي تقع في وسط منطقة إطلاق النار، منطقة زراعية ورعوية تملكها خمس أسر كبيرة تضم نحو 100 فرد. وكانت هذه المنطقة تُستخدم كمنطقة سكنية في المواسم، وهي مزروعة بأشجار الحمضيات والزيتون، وتُروى بالمياه من نبع قريب، بالإضافة إلى مجموعة من المحاصيل البعلية. كما كانت هذه المنطقة تُستخدم كمنطقة رعوية في الماضي.

وبعد إقامة بؤرة إستيطانية في هذه المنطقة في العام 2013 (أنظر أدناه)، باتت الأسر تواجه هجمات ومضايقات منهجية تثنيهم عن الوصول إلى المنطقة وتجبرهم على الإحجام عن الإقامة فيها في المواسم. ففي شهر كانون الثاني/يناير 2018، مثلًا، أطلق المستوطنون عشرات الأبقار من البؤرة الإستيطانية في أحد حقول الحمضيات، مما تسبب في إتلاف 15 شجرة. ومنذ العام 2014، بات يُشترط الحصول على موافقة مسبقة من الجيش الإسرائيلي للوصول إلى هذه المنطقة.

يانون

على الرغم من أن يانون تقع خارج منطقة إطلاق النار، فقد أجرت القوات الإسرائيلية تدريبًا عسكريًا داخل المنطقة المأهولة في هذا التجمع في ليلة 14 حزيران/يونيو 2018. ووفقًا لشهود العيان، أطلق الجنود النار باتجاه منزل غير مأهول. ومع أن هذه الحادثة إنتهت دون وقوع إصابات أو أضرار إضافية (باستثناء المنزل المستهدف)،  فقد أثارت الخوف والهلع في أوساط سكان التجمع، ولا سيما الأطفال.

وتحيط البؤر الإستيطانية بتجمع يانون السكاني من ثلاث جهات (أنظر الخريطة). ومنذ بداية الإنتفاضة الثانية في العام 2000، باتت هذه البؤر الإستيطانية تشكل مصدرًا دائمًا لأعمال العنف والترويع. وفضلًا عن القيود المشددة المفروضة التي تعوق وصول السكان إلى الخدمات في مدينة نابلس، فقد تراجع عدد سكان تجمع يانون من نحو 200 نسمة قبل إندلاع الإنتفاضة الثانية إلى ما يقل عن 40 نسمة في هذه الآونة.

لِفْجِم

تقع قرية لفجم، التي تشكّل تجمعًا رعويًا يضم نحو 100 شخص[3], على حدود منطقة إطلاق النار مباشرة، وتلحق بها الأضرار بفعل أعمال الترويع التي يمارسها المستوطنون والقيود المفروضة على الوصول، مثلما هو حال تجمع يانون. ففي يوم 24 تموز/ يوليو 2018، دخلت مجموعة من المستوطنين الإسرائيليين، الذين أشارت التقارير إلى أنهم يقيمون في إحدى البؤر الإ  ستيطانية التابعة لمستوطنة إيتمار، إلى القرية تحت جنح الظلام، ونقضوا خيمتين مولتهما الجهات المانحة وسرقوهما. وكانت هاتان الخيمتان قد قُدمتا كمساعدات إنسانية وكانتا تُستخدمان لتخزين المواد الزراعية ولإيواء المواشي. وقد رفع مالك الخيمتين شكوى بذلك إلى الشرطة الإسرائيلية.

وفي شهر تشرين الأول/أكتوبر 2017، أقام الجيش الإسرائيلي بوابة جديدة على أحد الطرق الترابية المؤدية إلى منطقة إطلاق النار من جهة الشرق بالقرب من قرية لفجم. ويغلق الجيش هذه البوابة ويفتحها من حين إلى آخر، مما يزيد من العقبات التي يواجهها الرعاة والمزارعون في التنقل من لفجم والتجمعات الأخرى إلى المناطق الواقعة ضمن منطقة إطلاق النار.

خربة طانا

تُعتبر خربة طانا، التي يبلغ عدد سكانها نحو 200 نسمة، ثاني أكبر تجمع سكاني ضمن منطقة إطلاق النار. وبينما لم يبلَّغ عن وقوع أي حوادث خلال الشهور القليلة الماضية، فإن غالبية المباني القائمة في هذا التجمع معرضة للهدم بحجة إفتقارها إلى رخص البناء. ففي العام 2016، شهد التجمع موجة من عمليات الهدم الجماعي الذي إستهدف ما مجموعه 151 مبنى، بما فيها منازل السكان والمدرسة والمسجد وحظائر المواشي وخزانات المياه والمراحيض وألواح الطاقة الشمسية. وسُجلت حادثة الهدم الأخيرة في شهر تشرين الثاني/ يناير 2017. وقد تمكّن سكان التجمع من إعادة بناء بعض من منازلهم والمصادر التي تؤمّن سبل عيشهم بمساندة الوكالات الإنسانية.

النشاطات الإستيطانية

يوجد، في هذه الآونة، بؤرتان إستيطانيتان غير مصرح بهما ومقامتان بكاملهما ضمن حدود منطقة إطلاق النار 904A، باعتبارهما حلقة في سلسلة تتألف من سبع بؤر تمتد من مستوطنة إيتمار باتجاه الشرق. وتقع في الجهة الشرقية بؤرة يعرفها الفلسطينيون باسم "مستوطنة كوبي"، حيث أقيمت قرابة العام 2013 كموقع سكني ومزرعة أبقار. ووفقًا للفلسطينيين الذين يقطنون في هذه المنطقة ويعملون فيها، تشكل هذه المستوطنة مصدرًا لأعمال العنف والمضايقات المنهجية. 

ومع أن السلطات الإسرائيلية أصدرت العشرات من أوامر الهدم التي تستهدف المباني القائمة في كلتا المستوطنتين، فلم تنفَّذ هذه الأوامر إلا في أحوال نادرة. وقد جرى ربط عدد من البؤر الإستيطانية السبع، على الرغم من أنها تعتبر غير قانونية بموجب القانون الإسرائيلي، بشبكات البنية التحتية التي تؤمّن الخدمات الأساسية لها، بما فيها المياه والكهرباء. ووفقًا لمنظمة كرم نافوت غير الحكومية الإسرائيلية، فقد شقّ المستوطنون خلال الشهور القليلة الماضية سلسلة من الطرق الترابية التي تمتد عبر منطقة إطلاق النار (من الشرق إلى الغرب) لربط سلسلة البؤر الإستيطانية التابعة لمستوطنة إيتمار بـ"طريق ألون" في غور الأردن (أنظر الخريطة).

ومنذ العام 2012، صادقت السلطات الإسرائيلية على إعلانات، صدرت في الأصل خلال عقد الثمانينات من القرن الماضي، وقررت فيها أن عدة قطع من الأراضي الواقعة ضمن منطقة إطلاق النار "أراضي دولة" (أنظر الخريطة). وتعدّ المصادقة الصادرة عن هيئة تعرف باسم "فريق الخط الأزرق" خطوة ضرورية لتخصيص الأراضي لتوسيع المستوطنات أو "لإضفاء الصفة القانونية" على البؤر الإستيطانية غير المصرّح بها بأثر رجعي.[4]

"من المحبط للغاية أن أطلب الإذن للذهاب أرضي!"

© - تصوير مكتب تنسيق الشؤون الإنسانيةورِث نور غانم وإخوته الثلاثة نحو 300 دونم من الأرض في منطقة الدوة من والدهم. وقسم من هذه الأرض مزروع بأشجار الزيتون واللوز، ويُستخدم قسمها الآخر لزراعة القمح والشعير. وحسبما جاء على لسان نور، كانت الأسر تجني ما يربو على 20,000 دولار في السنة من هذه المحاصيل قبل العام 2013. كما كانت المنطقة تُستخدم لرعي نحو 100 رأس من الماشية، التي تشكل مصدر دخل إضافي.

يقول نور: "منذ العام 2013، لم نعد نتمكن من الوصول إلى أرضنا إلا بعد التنسيق، ولأيام قليلة خلال شهر آذار/مارس، لحراثتها، ولأيام قليلة في شهريْ تشرين الأول/أكتوبر وتشرين الثاني/نوفمبر لجني محاصيلها. من المحبط للغاية أن أطلب الإذن للذهاب أرضي! وباتت إنتاجية الأشجار متدنية جدًا بسبب إنعدام رعايتها بصورة منتظمة. وقد تسببت أبقار المستوطنين وأغنامهم في إتلاف عدد كبير من الأشجار. كنا، في السنة الجيدة، ننتج حتى 250 كيلوغرامًا من اللوز الجاف، بالمقارنة مع ما يقل عن 30 كيلوغرامًا أنتجناها العام الماضي. وقد توقفنا عن زراعة بقية الأرض، كما نضطر إلى إبقاء الماشية داخل الحظائر وننفق أموالًا طائلة لشراء العلف لها."

وبالإشارة إلى المنزل الذي دُمِّر مؤخرًا، يقول نور: "لقد وُلدت وترعرعت في هذا المنزل. وكل ذكريات طفولتي وسنوات مراهقتي عشتها فيه. أشعر كما لو أنني فقد جزءًا من نفسي."


[1] حول خطر الترحيل القسري، أنظر مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية، أرقام وحقائق إنسانية، كانون الأول/ديسمبر 2017، ص. 18.

[2] ينتقل عدد كبير من سكان هذا التجمع إلى قرية عقربا خلال الصيف بسبب إعتمادهم على الرعي لتأمين سبل عيشهم.

[3] ينتقل معظم سكان التجمع إلى مناطق أعلى خلال فصل الصيف بسبب إعتمادهم على الرعي لتأمين سبل عيشهم.

[4] للإطلاع على المزيد من المعلومات حول هذا الإجراء، أنظر: Kerem Navot, Blue and White make Black: The Blue Line Team in the West Bank, December 2016.