منزل مؤلف من ثلاثة طوابق مهدوم في العيسوية، القدس الشرقية، 1 أيار/ مايو 2018 © - تصوير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية
منزل مؤلف من ثلاثة طوابق مهدوم في العيسوية، القدس الشرقية، 1 أيار/ مايو 2018 © - تصوير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية

تشريع جديد يحول دون الطعن في عمليات الهدم والمصادرة في الضفة الغربية

على مدى الشهور القليلة الماضية، سنّت السلطات الإسرائيلية أو طرحت تشريعات جديدة من شأنها تحجيم قدرة الأفراد ومنظمات حقوق الإنسان على الطعن في عمليات الهدم أو المصادرة التي تطال الممتلكات الفلسطينية في المنطقة (ج) والقدس الشرقية إلى حدّ بعيد.

ويشكّل هدم المنازل وغيرها من المباني المخصصة لتقديم الخدمات وتأمين سبل العيش لأصحابها ومصادرتها محورًا أساسيًا من محاور البيئة القسرية المفروضة على الفلسطينيين في مناطق بالضفة الغربية.[1] وتنفَّذ هذه الإجراءات بحجة الإفتقار إلى رخص البناء التي تصدرها السلطات الإسرائيلية، والتي يُعَد الحصول عليها من ضرب المستحيل. فما يقل عن 1 بالمائة من المنطقة (ج) و13 بالمائة من القدس الشرقية يشملها مخطط تنظيمي مُقَرّ للفلسطينيين، ويُعدّ وجود هذا المخطط شرطًا مسبقًا لإصدار رخصة للبناء، مع أن معظم المناطق التي يغطيها مأهولة أصلًا.[2] وفي الوقت الراهن، هناك أكثر من 13,000 أمر بالهدم بإنتظار إنفاذها على مبانٍ فلسطينية في المنطقة (ج)، وفقًا لقاعدة بيانات الإدارة المدنية الإسرائيلية. وفي القدس الشرقية، تشير التقديرات إلى أن ما لا يقل عن ثلث السكان الفلسطينيين في المدينة، أو نحو 10,000 نسمة، يقطنون في مبانٍ غير مرخّصة.

وفي النصف الأول من العام 2018، هدمت السلطات الإسرائيلية أو صادرت 197 مبنًى تعود ملكيته لفلسطينيين في المنطقة (ج) والقدس الشرقية. ويقترب هذا العدد من نفس المتوسط الشهري الذي شهده العام 2017. وقد أدّت هذه الحوادث إلى تهجير 174 شخصًا وألحقت الأضرار بنحو 5,000 آخرين.

تسريع وتيرة عمليات الهدم والمصادرة في المنطقة (ج)

في يوم 17 نيسان/ أبريل 2018، أصدر قائد قوات الدفاع الإسرائيلية في الضفة الغربية أمرًا عسكريًا يتيح هدم المباني غير المرخصة في المنطقة (ج)، والتي تُعَدّ "جديدة"، في غضون 96 ساعة من صدور إخطار بإزالتها.[i] وعقب الإلتماسات التي رفعتها المنظمات الشريكة في مجال العمل الإنساني، والتي تتكفل بتقديم المساعدة القانونية، أمام محكمة العدل العليا الإسرائيلية، أعلنت السلطات الإسرائيلية في شهر حزيران/ يونيو أنها ستجمّد تنفيذ الأمر المذكور إلى حين صدور قرار عن المحكمة العليا بشأنه.

[i] الأمر الصادر عن قوات الدفاع الإسرائيلية، رقم 1797، بشأن إزالة المباني الجديدة (يهودا والسامرة)، 2018.

المباني المستهدفة والأشخاص المهجرون – الأعداد الكلية

ووفقًا للأمر العسكري، تشمل "المباني الجديدة" تلك المباني التي يحددها مفتش الإدارة المدنية الإسرائيلية على أنها شُيدت في غضون الأشهر الستة السابقة، أو كانت مأهولة لفترة تقل عن 30 يومًا قبل صدور الإخطار بإزالتها. وتكمن الطريقة الوحيدة التي تحول دون هدم هذه المباني في إبراز رخصة بناء سارية المفعول أو تقديم الأدلة التي تبيّن أن المبنى المستهدف ليس "جديدًا" ضمن المعنى الذي يحدده هذا الأمر.

ويفرض الأمر الجديد قيودًا مشدّدة على الحق في جلسات الإستماع أو إتاحة الفرصة لرفع الإسستئناف. ووفقًا لأنظمة التخطيط السارية على المنطقة (ج)، يتمثّل أول إجراء تنفيذي بحق المبنى غير المرخّص في إصدار أمر بوقف العمل فيه، حيث يمنح هذا الأمر المالك مهلة تبلغ 30 يومًا للإعتراض ومحاولة الحصول على رخصة بناء بأثر رجعي. وفي حال إخفاق هذه الجهود، فقد تصدر الإدارة المدنية الإسرائيلية أمر هدم نهائي، عادةً ما يكون واجب النفاذ في غضون أسبوعين إلى أربعة أسابيع. ويجوز للمالك، خلال هذه الفترة، تقديم إلتماس لمحكمة العدل العليا، وربما يحصل على قرار مؤقت بتجميد أمر الهدم إلى حين صدور حكم من المحكمة بخصوصه.

وفي الوقت الذي ما يزال من الممكن فيه تقديم إلتماس لمحكمة العدل العليا بموجب الأمر الجديد، تسعى مبادرات تشريعية إضافية (أنظر أدناه) إلى تحجيم هذه الإمكانية. وأيًا كان الحال، فقد تجعل الفرصة المتاحة (96 ساعة) هذا الخيار غير واقعي من الناحية العملية.

ويستند الأمر العسكري الجديد إلى تعديل أُجرِي على أمر عسكري سابق صدر في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر 2015 وله أثر مماثل.[4] ويتيح هذا التعديل للإدارة المدنية الإسرائيلية مصادرة المباني التي يرى أحد مفتشيها أنها "متنقلة" وأنها أقيمت قبل فترة لا تزيد على 60 يومًا من مصادرتها، دون إخطار رسمي مسبق. وتُفهم "المباني المتنقلة" على أنها تلك التي يمكن تفكيكها أو إزالتها دون تدميرها. وقد صار هذا التدبير، الذي تفيد التقارير بأنه أستُخدم في الأصل ضد البؤر الإستيطانية، ينفَّذ في التجمعات السكانية الفلسطينية منذ منتصف العام 2017. فعلى سبيل المثال، فكّكت السلطات الإسرائيلية وصادرت خلال شهريْ حزيران/ يونيو وآب/ أغسطس 2017 ما مجموعه 96 لوحة من ألواح الطاقة الشمسية وستة بيوت متنقلة كانت تُستخدم كغرف صفية في خربة جب الذيب، وهي تجمّع سكاني يقع ضمن المنطقة (ج) جنوبي محافظة بيت لحم.[5] وكانت هذه الألواح والبيوت المتنقلة قد قُدِّمت كمساعدات إنسانية وموَّلها المانحون الدوليون.

تسريع وتيرة الهدم وعرقلة إمكانية اللجوء إلى القضاء في القدس الشرقية

في يوم 25 تشرين الأول/ أكتوبر 2017، أقرّ البرلمان الإسرائيلي (الكنيست) مجموعة من التعديلات على قانون التخطيط والبناء لسنة 1965، الذي يسري على إسرائيل والقدس الشرقية المحتلة. ويُتوقّع أن تسرّع هذه التعديلات من وتيرة عمليات الهدم وتقييد إمكانية اللجوء إلى المحاكم. وقد جرى تأجيل إنفاذ هذه التعديلات على المباني السكنية القديمة لمدة عامين، حتى شهر تشرين الأول/ أكتوبر 2019 تقريبًا، في حال وجود إجراءات قضائية قائمة بشأن أوامر الهدم الصادرة في السابق.[6]

وقبل إقرار هذه التعديلات، كانت بلدية القدس تستطيع أن تصدر أمر هدم إداري يسري لفترة لا تتعدّى 60 يومًا. وكان من الممكن، عقب إنقضاء هذه الفترة، تقديم لائحة إتهام بحق صاحب البناء. وتصدر المحكمة، في حال ثبت لها أن البناء شُيد بصورة غير قانونية، أمر هدم قضائي، يشكّل بداية إجراءات قضائية طويلة نسبيًا. وبموجب القانون الجديد، يستطيع مفتشو البناء أنفسهم إصدار أمر هدم إداري بصفة مستعجلة. كما جرى تمديد الفترة التي يبقى فيها هذا الأمر الإداري ساري المفعول إلى ستة أشهر (أي أنها زادت إلى ثلاثة أضعاف).[7]

وفضلًا عن ذلك، فإذا وصلت القضية إلى المحكمة وصدر أمر قضائي بالهدم، تستطيع المحكمة أن تؤجّل تنفيذ هذا الأمر بموجب القانون الجديد لأسباب محدودة ومحدّدة فقط وبما لا يتجاوز مرتين، ولفترة لا تتجاوز ستة أشهر كحدّ أقصى في كل مرة، قبل أن تعتبر المحكمة أن قضية الهدم مغلقة من أساسها.[8]

ووفقًا للقانون الجديد، قد تصل الغرامات التي تُفرض على الأفراد المتهمين بالبناء دون ترخيص إلى 400,000 شيكل، عوضًا عن المخالفات السابقة التي كانت تبلغ عشرات الآلاف من الشواكل.

منزل مؤلف من ثلاثة طوابق مهدوم في العيسوية، القدس الشرقية، 1 أيار/ مايو 2018 © - تصوير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية

تقيّيد الوصول إلى محكمة العدل الإسرائيلية

من شأن المبادرات التشريعية المقترحة الأخرى أن تقيّد الوصول إلى السبل القانونية التي تتيحها محكمة العدل العليا. ففي هذا السياق، يسعى مشروع قانون ناقشه الكنيست في شهر أيار/ مايو 2017 إلى منع الأفراد والمنظمات التي لا يلحق بها ضرر مباشر وشخصي بسبب إجراء حكومي من تقديم إلتماس للمحكمة. وفي وقت لاحق من ذلك العام، إقترح أحد أعضاء لجنة الدستور والقانون والقضاء في الكنيست رفع رسوم تقديم الإلتماسات أمام محكمة العدل العليا إلى ثلاثة أضعاف، وذلك من 1,786 شيكلًا إلى 5,400 شيكل، على الفلسطينيين أو المنظمات التي تمثلهم.[9]

وقد يحول مشروع القانون الأول، في حال إقراره، بين المنظمات غير الحكومية وبين الطعن في الممارسات والأنظمة من ناحية مبدئية، بينما يزيد مشروع القانون الثاني من تكلفة المساعدة القانونية، مما يحدّ من قدرة المنظمات على تبنّي قضايا جديدة.

وفي شهر كانون الثاني/ يناير 2018، نشرت وزارة العدل الإسرائيلية مشروع قانون يدعو إلى نقل الإختصاص بشأن النظر في الإلتماسات التي يرفعها الفلسطينيون ضد السلطات الإسرائيلية من محكمة العدل العليا إلى محكمة الشؤون الإدارية. وقد أقرّت اللجنة الوزارية لشؤون التشريع مشروع القانون في الشهر التالي، مما يمهّد الطريق أمام الكنيست للتصويت عليه في المستقبل القريب. وعلى خلاف محكمة العدل العليا، تقتصر ولاية محكمة الشؤون الإدارية على القضايا الإجرائية، كما أنها لا تفصل في مسائل القانون الدستوري أو القانون الدولي.

وتزيد هذه المبادرات التشريعية التي طُرحت مؤخرًا بشأن إمكانية الوصول إلى محكمة العدل العليا من الصعوبات التي يواجهها الفلسطينيين مقدمي الإلتماسات في سعيهم لحماية أنفسهم من أحداث من قبيل عمليات الهدم أو المصادرة، مما يفاقم هشاشة أوضاعهم الإنسانية.


[1] انظر، مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، "الفلسطينيون المعرضون لخطر الترحيل القسري"، في "الأرض الفلسطينية المحتلة: أرقام وحقائق إنسانية، كانون الأول/ ديسمبر 2017، ص. 18.

[2] وذلك بالمقارنة مع ما يزيد على 8 بالمائة من الأراضي المخصّصة لتشييد المستوطنات، التي تُعدّ غير قانونية بموجب أحكام القانون الدولي.

[3] الأمر الصادر عن قوات الدفاع الإسرائيلية، رقم 1797، بشأن إزالة المباني الجديدة (يهودا والسامرة)، 2018.

[4] أنظمة قوات الدفاع الإسرائيلية بشأن نقل البضائع (يهودا والسامرة)، 1993.

[5] في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر 2017، وفي أعقاب إلتماس رُفع أمام محكمة العدل العليا الإسرائيلية والإحتجاجات الشديدة اللهجة التي أبدتها الجهة المانحة، أُعيدت ألواح الطاقة الشمسية إلى التجمّع.

[6] أما المباني السكنية القديمة التي لا تستوفي هذه الشروط (بمعنى الإجراءات القضائية القائمة) فسيجرى إعتبارها بمثابة مبانٍ جديدة.

[7] وبناءً على ذلك، فقد يقلّص هذا الأمر العبء الواقع على كاهل المحاكم التي تنظر في قضايا الهدم وينيط قدرًا أكبر من الأهمية بمفتشي البناء. وباتت الأحكام التي تصدرها المحاكم بشأن أوامر الهدم القضائية تشمل الأوامر التي تصدر للبلدية بمباشرة عمليات الهدم، بينما كانت تُفرض في الماضي بصورة رئيسة على الطرف الذي يرتكب مخالفة البناء.

[8] وبعد ذلك، تصدر لائحة إتهام ثانية بحق صاحب البناء بدعوى إحتقار المحكمة، بحيث تستغرق حتى 12 شهرًا للإعتراض عليها. وتشمل لائحة الإتهام الثالثة والأخيرة إصدار الحكم على المالك بالسجن الفعلي. وانظر أيضًا (3-1).

[9] Sue Surkes, “Coalition of MKs seeks to triple costs of High Court petitions for Palestinians”, Times of Israel, 28 November 2017.