تأثير توسيع المستوطنات الإسرائيلية القائم لفرض الأمر الواقع على الأوضاع الإنسانية: النتائج وتوصيات لتحسين الوضع

بحث جديد لتحسين الاستجابة الإنسانية والاستعداد لها

إن إنشاء المستوطنات وتوسيعها بشكل مستمر، بما يخالف القانون الدولي، هو المحرك الرئيس لهشاشة الأوضاع الإنسانية.[1] جردت المستوطنات الإسرائيلية الفلسطينيين من ممتلكاتهم وحرمتهم من الوصول إلى مصادر رزقهم، وحالت دون وصولهم إلى الخدمات، وأدت إلى ظهور مجموعة من التهديدات التي تؤدي إلى طلب الحماية والمساعدة من منظمات الإغاثة الإنسانية.

ولتعزيز قدرة منظمات الإغاثة الإنسانية على فهم الوضع واطلاعها على أنماط التوسع الاستيطاني التي أهملت نسبيا، ولتحسين قدرتها على الاستجابة، قام مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية بجمع وتحليل البيانات المتعلقة بالتوسع الاستيطاني القائم على الأرض في ثلاث مناطق استيطانية هي: أسفار في محافظة الخليل؛ وتلمون ونحليل في محافظة رام الله. وإيلون موريه في محافظة نابلس.[2] وركزت النشرات الإنسانية الثلاث السابقة على هذه الحالات. المقالة التالية، وهي الرابعة والأخيرة في هذه السلسلة، تعرض بعض السمات المشتركة والاستنتاجات والتوصيات.

ينبوع "عين الكبيرة" و برك المياه التي استولت عليها مستوطنة "إيلون موريه" وتحولت إلى مناطق جذب سياحية، تشرين الثاني/نوفمبر 2016. تصوير مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية

وصفت الحالات الثلاث التي أبرزتها النشرات الإنسانية السابقة الجهود المستمرة التي يبذلها المستوطنون الإسرائيليون لزيادة سيطرتهم المكانية على المناطق المحيطة وعلى الموارد الطبيعية من خلال تطوير البنية التحتية الجديدة والأنشطة إلى جانب محاولات إزالة الوجود الفلسطيني (انظر جدول المؤشرات الرئيسية).[3]

وسائل التوسع الاستيطاني

تشمل وسائل التوسع الرئيسية التي تستخدمها جماعات المستوطنين لتعزيز تواجدها في المناطق المتضررة، بدعم من السلطات البلدية للمستوطنات عادة؛ إقامة مواقع استيطانية سكنية؛ وتطوير المواقع السياحية (في المقام الأول نقاط المراقبة وينابيع المياه لاستخدامها كمراكز ترفيهية) وزراعة الأرض الواقعة تحت سيطرتها بحكم الأمر الواقع.[4] وتقوم جماعات المستوطنين والهيئات المحلية بتعزيز هذه العملية عن طريق إنشاء شبكات طرق واسعة تربط هذه المواقع بالنواة السكنية للمستوطنة. وهناك طرق أخرى تعمل على تحديد الأجزاء الرئيسية من الحدود القائمة.

ولا يحصل معظم هذه الأنشطة على إذن رسمي من السلطات الإسرائيلية. ويُعزى ذلك في معظم الحالات إلى مكانة الأراضي المعنية، التي تصنف أصلاً على أنها ممتلكات فلسطينية خاصة. ومع ذلك، وعلى الرغم من عدم الموافقة الرسمية، إلا أن الكثير من حالات التوسع الاستيطاني حدثت بموافقة ضمنية من السلطات الإسرائيلية وفي بعض الأحيان تحظى بالدعم النشط. وينعكس ذلك في سياسات التخطيط والبناء التي تتجاهل انتهاكات القوانين واللوائح ذات الصلة أو يتم تنفيذها فقط في حدود ضيقة. ومن الأمثلة على الدعم النشط للتوسع الاستيطاني، حصول الأنشطة غير المرخص لها على تمويل مباشر من مؤسسات الدولة مثل المجالس الإقليمية ودائرة الاستيطان في المنظمة الصهيونية العالمية. وقد اعترفت الدولة صراحة بدعمها الثابت للمستوطنات التي أقيمت على الأراضي الفلسطينية الخاصة في المذكرات التفسيرية ل”لقانون التسويات” الذي أقره البرلمان الإسرائيلي في كانون الثاني/يناير 2017. [5]

إعاقة وصول الفلسطينيين

مستوطنة دوليف والمنطقة المزروعة حولها، كانون الأول/ديسمبر 2016. تصوير مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية

في دراسات الحالات السابقة، جرى تدعيم تواجد المستوطنين وتوطيدهم في هذه المناطق من خلال الممارسات التي ينفذها المستوطنون والقوات الإسرائيلية معاً لعرقلة وصول الفلسطينيين وتثبيط عزيمتهم. وتشمل هذه العراقيل أنواعا مختلفة من القيود المفروضة على الوصول: إغلاق الطرق، ونشر الحواجز، وحظر استخدام السيارات الفلسطينية في الطرق ؛ والإعلان عن إغلاق بعض المناطق لأغراض عسكرية أو "محميات طبيعية"؛ وإقامة أسيجة حول الأراضي الفلسطينية المملوكة ملكية خاصة؛ وفرض شرط "التنسيق المسبق" على الفلسطينيين الراغبين في الوصول إلى الأراضي الزراعية.

وتشمل الممارسات الأخرى أساليب الترويع التي يلجأ إليها الجنود والمستوطنون المسلحون الذين يقومون بدوريات منتظمة في المنطقة المتضررة. وغالبا ما يتمركز الجنود في قواعد عسكرية تقع داخل المنطقة السكنية للمستوطنة والهدف المعلن المتمثل في تأمين المنطقة، في حين أن المستوطنين المسلحين  يتألفون في المقام الأول من منسقي الأمن وحراس المستوطنات، وهم عادة سكان المستوطنات الذين يتمتعون بسلطات شُرطية منصوص عليها في قوانين عسكرية.

وغالبا ما تُفرض القيود على الوصول في أعقاب هجمات ينفذها الفلسطينيون، بما فيها قتل المستوطنين الإسرائيليين، حيث يبرر المستوطنون و/أو السلطات الإسرائيلية هذه القيود كتدابير أمنية لمنع تكرار الهجمات.

كذلك، يشن المستوطنون أيضا هجمات مباشرة، تشمل عادة الاعتداء الجسدي، وإلقاء الحجارة، واقتلاع الأشجار، وإشعال النار في المحاصيل والمعدات. ومع أن تكرار الهجمات وأماكن وقوعها تختلف من مرة لأخرى، إلا أن المخاوف الناجمة عنها غالباً ما تترك أثارا طويلة الأمد. يوجد تراخي في تطبيق القانون ضد المستوطنين العنيفين، ولا تزال الغالبية العظمى من الهجمات دون عقاب.[6] ومنذ عام 2014، انخفض عدد هجمات المستوطنين، ربما بسبب التدابير الوقائية التي اتخذتها السلطات الإسرائيلية، التي شملت زيادة انتشار القوات في المناطق الحساسة.

إن التقارب الزمني والجغرافي بين الهجمات العنيفة التي يشنها المستوطنون واستيلائهم على مناطق جديدة يشير إلى أن عنف المستوطنين ضد الفلسطينيين ليس عشوائيا ولكنها قد تكون خطوات محسوبة نحو التوسع الاستيطاني.

وأدى عنف المستوطنين وترهيبهم إلى تدخلات إنسانية تتعلق بالحماية قدمتها المنظمات الإنسانية ومنظمات حقوق الإنسان، بما فيها التواجد الوقائي، لاسيما خلال موسم قطف الزيتون؛ وتوثيق القضايا والسعي إلى ملاحقة المسؤولين عن الانتهاكات  قانونيا؛ وتقديم الدعم النفسي والاجتماعي للضحايا.

وتجري موازنة هذه العوامل القوية "للدفع" إلى حد ما "بعوامل الجذب": تعلق المزارعين الفلسطينيين القوي بأراضيهم، واللجوء إلى القانون للتغلب على منعهم من الوصول وحرمانهم من ممتلكاتهم. حافظ بعض المزارعين بدعم من منظمات حقوق الإنسان والمنظمات الإنسانية، على إمكانية محدودة للوصول إلى الأراضي الزراعية التي ابتلعتها حدود المستوطنات القائمة لفرض الأمر الواقع. ومع ذلك، لا يسمح بالدخول إلا مرتين في السنة في أحسن الأحوال خلال مواسم الحرث والحصاد، لمدة يومين أو ثلاثة أيام في كل مرة، وبعد التنسيق المسبق مع السلطات الإسرائيلية.

الأضرار الناجمة عن التوسع الاستيطاني على مصادر كسب الرزق

إغلاق الطريق بين سعير ومستوطنة أسفار، أيار/مايو 2015. تصوير مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية

يجب تقييم أثر هذه الممارسات على الجانب الإنساني لدى السكان الفلسطينيين تقييما شاملا وعلى فترات زمنية متعاقبة. وقد يكون الأثر المباشر لهجمات المستوطنين محدودا (على سبيل المثال قطع أشجار الزيتون)، ولكن عندما يقترن ذلك بعوامل أخرى (مثل القيود التي تفرضها القوات الإسرائيلية على التنقل، وانعدام إمكانية الوصول إلى مصادر المياه والترهيب المنتظم من جانب المستوطنين المسلحين) قد يؤدي إلى توقف الزراعة التي من شأنها أن تترك أثرا طويل الأجل على الظروف المعيشية للأسرة.

وتعتبر الزراعة والرعي مصادر رزق تقليدية لكل التجمعات المحلية التي بحثتها دراسات الحالات. وقد أثر تلاشي إمكانيات الوصول إلى الأراضي الفلسطينية بسبب التوسع الاستيطاني القائمة بحكم الأمر الواقع تأثيرا كبيرا على الأحوال المعيشية والأمن الغذائي للأسر المتضررة؛ فقد أبلغ البعض عن حدوث تغيير في النظام الغذائي لأن المواد الغذائية التي كانت تنتجها الأسرة في السابق أصبحت تحتاج إلى شراءها بأسعار السوق. وقد تشمل الآثار الإضافية فقدان إمكانية الوصول إلى الينابيع المائية، التي كانت تستخدم سابقا في الري وسقي الماشية، فضلا عن المساحات التي كانت تستخدم في أوقات الفراغ والترفيه.

وأدى هذا الوضع إلى تدخلات إنسانية مختلفة، بما فيها تقديم المساعدة النقدية من جانب وزارة التنمية الاجتماعية الفلسطينية للأسر التي تم تحديدها مؤخرا باعتبارها “حالات فقيرة”؛ وتقديم مساعدة غذائية (عينية أو قسائم) من جانب وكالات الأمم المتحدة إلى الأسر التي تعاني من انعدام الأمن الغذائي؛ وتقديم الدعم الزراعي من خلال المنظمات غير الحكومية المحلية والدولية على شكل استصلاح الأراضي ومشاريع تجميع المياه.

المؤشرات الرئيسية في دراسات الحالة الثلاث

توصيات لتحسين الوضع

باستطاعة المنظمات الإنسانية ومنظمات حقوق الإنسان أن تدعم المجتمعات المحلية وتخفف من الأثر الإنساني الناجم عن التوسع الاستيطاني القائم لفرض الأمر الواقع من خلال ما يلي:

  • وضع أنظمة الإنذار المبكر للتحذير من الضعف الإنساني وتحديد المناطق المعرضة التي قد يستولي عليها المستوطنون الإسرائيليون.
  • توسيع نطاق الدعم القانوني للمزارعين الذين يواجهون قيودا على الوصول أو يُمنعون من الوصول إلى أراضيهم.
  • تقديم الدعم التقني و/أو الدعم المالي لاستئناف زراعة الأراضي.
  • نشر المراقبين/المرافقين كالتواجد الوقائي مع المزارعين الذين يصلون إلى أراضيهم داخل المناطق المتضررة من المستوطنات.
  • زيادة مشاركة السلطات الإسرائيلية لمنع الاستيلاء على مناطق إضافية وضمان وصول الفلسطينيين إلى المناطق المتضررة من عنف المستوطنين.

[1] أنشئ منذ عام 1967، نحو 250 مستوطنة وبؤرة استيطانية إسرائيلية في أنحاء الضفة الغربية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية. وهذا انتهاك للمادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة التي تحظر نقل السلطة المحتلة لسكانها المدنيين إلى الأراضي التي تحتلها. وقد أكدت محكمة العدل الدولية على ذلك عدة مرات، وعلى سبيل المثال لا الحصر (الرأي الاستشاري بشأن الآثار القانونية الناجمة عن تشييد جدار في الأرض الفلسطينية المحتلة، المؤرخ في 9 تموز/يوليو 2004)؛ والأطراف السامية الموقعة على اتفاقية جنيف الرابعة (الإعلان الصادر في 5 كانون الأول / ديسمبر 2001)؛ وقرارات مجلس الأمن بالأمم المتحدة (قرار رقم 471 لعام 1980 و والقرار رقم 2334 لعام 2016)

[2] اختيرت الحالات كي تمثل المناطق الجغرافية المختلفة في الضفة الغربية ومدى مواجهة الجهات الإنسانية للأنشطة الاستيطانية في كل حالة من الحالات

[3] على الرغم من أن الوقائع والأرقام الواردة في هذا التقرير تشير فقط إلى الحالات الثلاث التي جرى بحثها، إلا أنه خلال المرحلة الأولية من هذا البحث (اختيار الحالات)، جمع مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية أدلة تشير إلى انتشار ظاهرة التوسع غير الرسمي للمستوطنات على نطاق واسع. وقد تم تحديد أنماط مماثلة لتلك الأنماط الموثقة في دراسات الحالات الثلاث هذه في ثمانية مناطق استيطانية أخرى هي: كتلة إيلي-شيلو الاستيطانية (نابلس). كوخاف هشاحار (رام الله)؛ معاليه ميخماش (رام الله)؛ براخا (نابلس)؛ عوفرا (رام الله)؛ بات عين (بيت لحم)؛ كتلة تيكواع -نيكوديم الاستيطانية (بيت لحم)؛ وسوسيا (الخليل). ويشير التوزيع الخاص لهذه الحالات إلى أن التركيز الجغرافي لهذه الظاهرة هو التلال الجبلية الوسطى في الضفة الغربية، وليس الشريط الغربي بالقرب من الخط الأخضر أو غور الأردن.

[4] توجد هذه المواقع السكنية والسياحية عادة في مواقع مرتفعة مطلة على المناطق المحيطة.

[5] يسمح هذا القانون بمصادرة الأراضي التي يتم الاستيلاء عليها بدعم من الدولة. وقد سبق أن وثقت هذه الظاهرة لجنة تقصي الحقائق حول مسألة البؤر الاستيطانية التي شكلتها حكومة إسرائيل (المعروفة أيضا باسم لجنة ساسون نسبة إلى رئيسة اللجنة تاليا ساسون) التي نشرت نتائجها في عام 2005. انظر: الرأي المتعلق بالبؤر الاستيطانية غير المرخصة

[6] للاطلاع على استعراض شامل لهذه الظاهرة، انظر: منظمة ييش دين، قانون في الظاهر: تطبيق القانون على مدنيين إسرائيليين في الضفة الغربية، حزيران/يونيو 2006؛ ييش دين، ورقة معطيات حول الاعتداء على أشجار الزيتون، تشرين أول/أكتوبر 2015